في لحظة إقليمية ودولية ولبنانية بالغة الخطورة، يفتتح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عند الساعة التاسعة والنصف من صباح اليوم، في مقر الخارجية الفرنسية اجتماع مجموعة الدول الداعمة للبنان يحضره وزراء خارجية الدول الخمس الكبرى الأعضاء في مجلس الأمن إضافة إلى نائبه الأمين العام للأمم المتحدة آمنة محمّد.
ويرأس وفد لبنان الرئيس سعد الحريري وعضوية وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل اللذان وصلا إلى باريس أمس.
وطلب الرئيس الحريري إضاءة السراي الكبير قبيل سفره، فأضيء قرابة منتصف الليل بالإضافة إلى جامع محمّد الأمين وكنيسة مار جرجس المارونية.
وبعد انتهاء الاجتماع يعقد وزير الخارجية الفرنسي لودريان مؤتمراً صحفياً بمشاركة الرئيس الحريري، يتناول فيه النتائج التي انتهى إليها المؤتمر.
وقالت مصادر لبنانية تابعت التحضير لمؤتمر باريس لـ«اللواء» ان هذا الاجتماع يحظى بعناية واهتمام خاص من قبل الرئيس الفرنسي الذي ستكون له كلمة وصفت بالهامة، يتحدث فيها عن الوضع اللبناني ويؤكد دعمه لامنه واستقراره، وتليها كلمة للرئيس الحريري الذي سيكون متسلحاً بقرار حكومي لبناني «طازج» أكّد التزام لبنان بسياسة النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية، ويتوقع ان يشرح الحريري في كلمته الظروف الحسّاسة التي يمر فيها لبنان ويجدد التأكيد على ما جاء في البيان الوزاري الجديد.
ومن المقرّر ان تستمر أعمال المؤتمر حتى ظهر اليوم، وتتخلله مداخلات لرؤساء الوفود وكلمة لوزير الشؤون الأوروبية والخارجية الفرنسية جان ايف لودريان، وأخرى لنائبة الأمين العامم للامم المتحدة آمنة محمّد، ويختتم بصورة تذكارية للمشاركين.
وشددت المصادر على وصف المؤتمر بأنه اجتماع سياسي بامتياز، باعتبار انه لن يكون له أي طابع اقتصادي أو مالي، ولا يتوقع منه أي دعم أو مساعدة مادية للبنان، في حين كشف نائب المتحدث باسم الخارجية الفرنسية، انه من المتوقع ان يُشارك في المؤتمر ممثلون عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والبنك الدولي ومكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، بما يعطي إشارة الى ان المؤتمر سيتطرق إلى دعم اقتصادي ومالي لمواجهة موضوع النازحين السوريين في لبنان، وهو ما أشار إليه الحريري لدى وصوله إلى العاصمة الفرنسية، واصفاً المؤتمر بأنه «محطة مهمة لدعم الاقتصاد اللبناني، وتعزيز صموده في مواجهة أزمة اللاجئين».
وتوقعت المصادر ان يُؤكّد المؤتمر في البيان الذي سيصدر في ختام أعماله، تأييده لخطوات الحكومة اللبنانية بعد البيان الذي صدر عنها يوم الثلاثاء الماضي، وأدى إلى تراجع الرئيس الحريري عن استقالته، إضافة إلى تحديد وسائل لمساعدة لبنان ودعم استقراره وامنة وسيادته، بحسب تعبير الخارجية الفرنسية، وبحيث يكون هذا الدعم بمثابة مظلة دولية داعمة لاستقرار لبنان وحمايته من أزمات المنطقة.
ولفتت المصادر إلى انه قد ترد في البيان الختامي فقرة عن تأييد الاستقرار الاقتصادي اللبناني، في إشارة إلى أهمية انعقاد مؤتمر باريس-4 المتوقع عقده في الفصل الأوّل من العام المقبل، والذي سيكون له طابع مالي واقتصادي داعم للبنان في ظل الظروف الصعبة والمعاناة التي يتكبدها جرّاء أزمة النزوح السوري.
باسيل وجعجع
محلياً، كان من الطبيعي ان ينجرف الاهتمام عن الشأن الداخلي، باتجاه مؤتمر باريس والتطورات المتصلة بالقرار الأميركي بشأن القدس، فيما يتوقع ان تنشغل الساحة اللبنانية بعد ذلك في تتبع تطوّر العلاقة بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» في ضوء مضاعفات السجال الذي خرج إلى العلن في ضوء الاتهامات التي وجهها الوزير باسيل إلى «القوات» بالخروج عن التفاهم ورد رئيس حزب «القوات» سمير جعجع عليه، بما وضع التفاهم بين الحزبين على المحك.
وفي رده على باسيل، أشار جعجع إلى ان تفاهم «القوات» والتيار نص على تشكيل فريق عمل مشترك يحدد سياسة العهد فرسمها باسيل وحده. وقال «للمركزية» التفاهم يعني الشراكة، لا ان يضع فريق نفسه في تصرف الاخر، واقترح هنا اذا لم يمانع الرئيس عون والوزير باسيل، وفي ضوء الافتئات في حقنا، طرح التفاهم على الرأي العام وليحكم بالعدل. وقال على رغم ذلك، ما زلنا جاهزين للالتزام بالتفاهم بحرفيته، اما خلاف ذلك، فالتأييد لن يكون الا لما يتناسب مع قناعاتنا.
وفي ما يتصل باتهام «القوات» بالسير ضد الرئيس الحريري لانها تحب دولة اخرى اكثر منه، آسف جعجع لكون باسيل يسوّق فكرة من هذا النوع فيما الموضوع في مكان آخر. وقال: «القوات» لم ولن تحب اي دولة في العالم على لبنان ولن تقدم مصالحها على المصلحة الوطنية العليا ، مشيرا الى «اننا كنا في مرحلة استقالة الرئيس الحريري نركّز على جوهر المشكلة الكامنة في اسباب وخلفيات الاستقالة فيما هم يحرفونها في اتجاه تسخيفها هربا من تنفيذ اسبابها واعتبارها غير موجودة وتصوير ان السعودية اجبرته على الاستقالة في حين اثبتت الوقائع انه لم يعد عنها الا بعدما حصّل ما طمح اليه وحقق جزءا من اسبابها، وما رده على نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم امس الا الدليل الى جدية التسوية الجديدة».
إلى ذلك، أوضحت مصادر وزارية مقربة من رئاسة الجمهورية لـ«اللــواء» انه بعد معالجة الأزمة الحكومية يفترض أن يستكمل مجلس الوزراء مناقشة عدد من الملفات، وفي مقدمها ملف النفط الذي يتصدر هذه الملفات في ضوء الحديث عن تحريك له ووضعه على السكة الصحيحة.
 وقالت المصادر إن لا مبرر لأي عرقلة له خصوصا أن هناك التزاما إيطاليا بموضوع التنقيب عن النفط والغاز. كما أنه يتردد أن العمل جار لعودة مركز الشركات إلى بيروت إنفاذ لقرار متخذ سابقا.
 ووصفت المصادر موقف «القوات» في مجلس الوزراء بالمريح، وأنه «يمكن البناء عليه».
القرار الأميركي
وفي تقدير مصادر رسمية انه إذا كان من حق لبنان ان يكون البلد الأوّل القلق من نتائج القرار الأميركي بالاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة للكيان الصهيوني مع مفاعيله السياسية، طالما انه ألغى إمكانيات حصول أي خرق سياسي للعملية السياسية المتعثرة اصلا لتحقيق السلام في المنطقة، وألغى حق العودة للفلسطينيين ولو الى حدود العام 1967، كما ألغى مفاعيل اتفاق أوسلو على علاته، فإنه ليس بالضرورة ان ينعكس القرار الأميركي سلباً على الوضع الداخلي اللبناني، وعلى التسوية السياسية الجديدة، الا في حال تصاعد التوتر الإقليمي وقررت إسرائيل المغامرة بعمل عسكري ما على الحدود اللبنانية - السورية، مع انه أمر مستبعد.
وبحسب هذه المصادر، فإن القرار الأميركي يفترض ان ينعكس مزيداً من التماس الداخلي والحكومي، لمواجهة أي ضغوط، وأن يؤدي ذلك إلى تحصين التسوية الداخلية لضمان بقاء الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، وهي رأت في قرار الرئيس ترامب والضغوط التي يتوقع ان تمارسها الإدارة الأميركية على حزب الله ستعيد ترتيب أولويات الحزب، بحيث يربح الداخل أكثر ليتفرع للمواجهة السياسية مع الخارج، وهو ما عكسه بيان كتلة الوفاء للمقاومة الذي اكد الالتزام  ببيان مجلس الوزراء.
وفي هذا الصدد، قال مصدر وزاري من خارج فريقي الحكومة الأساسيين، ان العبرة في استمرار التسوية السياسية تبقى بالتنفيذ أولاً، والتزام التعهدات التي قدمتها القوى السياسية، كما انها رهن ما يمكن ان يتعرّض له لبنان من ضغوط كبيرة لاحقا بسبب بعض تفاصيل هذه التسوية، وبسبب ما استجد من تطورات اقلمية ودولية بعد قرار ترامب.
وفي هذا السياق، كان لافتا للانتباه تأكيد الرئيس ميشال عون، في حديث لقناة «روسيا اليوم» يوزع اليوم، ان حزب الله لا يستعمل سلاحه في الداخل اللبناني، مشيرا إلى ان القلق سياسي أكثر منه أمني، وأن استعمال الحزب للسلاح في الداخل لم يحدث الا مرّة واحدة، عندما أخذت الحكومة اللبنانية تدابير ضده.
واستبعد الرئيس عون قيام إسرائيل مجددا بحرب على لبنان، مؤكدا ان تل أبيب وبعد حرب تموز2006 لم تتمكن من اختراق الجبهة الداخلية اللبنانية.
وكان الرئيس عون أبلغ الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال اتصال هاتفي اجراه معه قبل ظهر أمس، وقوف لبنان رئيسا وشعبا إلى جانب الشعب الفلسطيني في رفضه اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، مؤكدا التضامن الكامل في رفض هذه الخطوة وضرورة مواجهتها بموقف عربي واحد.
وخلال استقباله كاثوليكوس الأرمن، الارثوذكس آرام الأوّل على رأس وفد يمثل كافة الابرشيات الأرمنية في العالم، لفت عون إلى خطورة ما حصل عبر إعلان الرئيس الأميركي نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وقال ان «القدس لا يمكن ان تكون خالية من المسيحيين ومن المعالم المسيحية، فكيف يمكننا ان نتخيل وجود المسيحيين في العالم من دون ان يكون لم كنيسة المهد وكنيسة القيامة ودرب الجلجلة ومدينة الرسل، هذا أمر خارج عن إطار الإنسانية والاديان السماوية الثلاث.
وفي اول تحرك عربي برلماني رسمي ردا على إعلان ترامب قراره بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس والإعتراف بالمدينة عاصمة لإسرائيل، دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري الى عقد جلسة عامة عند الثانية والنصف من بعد ظهر اليوم ، مخصصة للبحث في قضية القدس الشريف.
كما أجرى اتصالا بالرئيس الفلسطيني محمود عباس اكد فيه «موقف مجلس النواب اللبناني الذي يعتبر ان القرار الاميركي حول القدس هو ضد كل عربي ووطني وضد كل القرارات الدولية، وهو احتلال جديد لا يقل عن احتلال 1948 لانه يطاول جميع المسلمين والمسيحيين.
ولاحظت مصادر نيابية، ان هذه الدعوة ليست سابقة في تاريخ المجلس، وهو سبق اكثر من مرة ان عقد جلسات تضامنية مع القضية الفلسطينية ومع كثير من القضايا العربية المحقة، مشيرة إلى أن الجلسة ستخرج بتوصية يصوت عليها المجلس بهيئته العامة بالإجماع، تؤكد ما جاء في كلام الرئيس بري للرئيس الفلسطيني مباشرة على الهواء  وان القدس ستبقى عاصمة عربية  لفلسطين ، وهي لا تحتاج الى اجتماع هيئة مكتب المجلس لانها لا تتضمن جدول اعمال، وتوقعت ان تكون جلسة سريعة، كون الرئيس بري قد يطلب من كل كتلة انتداب من يمثلها في الموقف، في حال فتح باب الكلام.
وبالتزامن صدرت كثير من المواقف من قبل رؤساء ووزراء ونواب وسياسيين ادانت القرار، وحذرت من انعكاسه على المنطقة العربية ككل، وذهبت الى حد مطالبة العرب بقمة عربية طارئة،  والأمة الإسلامية والمجتمع الدولي بتحرك ضاغط بهدف سحب القرار الأميركي، ورأت فيه انتهاكا للقرارات والشرعية الدولية ومحاولة مكشوفة لفرض التوطين كأمر واقع.
اما الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله فدعا الى «اصدار إعلان فلسطيني وعربي يؤكد بأن الرئيس الاميركي أنهى «عملية السلام» وقضى عليها، وانه يجب إبلاغه برفض العودة إلى المفاوضات قبل تراجعه عن قرار اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، وشدد على ضرورة صدور قرار ملزم للدول العربية والإسلامية يعتبر القدس عاصمة أبدية لفلسطين وغير قابلة للتفاوض».
وقال في كلمة متلفزة علق فيها على إعتراف الرئيس الاميركي ترامب بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني: إننا أمام وعد بلفور ثان، مشدداً على ان اميركا لا تحترم القرارات والمواثيق الدولية ومصلحتهم هي الحاكمة.»
ودعا إلى تظاهرة شعبية كبرى يوم الإثنين المقبل في الضاحية الجنوبية للإحتجاج على هذا القرار الأميركي الظالم، معتبراً «اننا أمام عدوان أميركي سافر على القدس وأهلها وفلسطين وشعبها وقضيتها وعلى كل الأمة»، لافتاً «الى اننا معنيون بأن نتحمل المسؤولية إزاء هذا العدوان الأميركي على مقدساتنا» .
وأكد «أن الإنتفاضة الفلسطينية الجديدة وتصعيد العمل العسكري هو أخطر رد فلسطيني على القرار الأميركي، وانه على العالم العربي والإسلامي أن يقدم للاتفاضة الجديدة الدعم المالي والتسليحي للدفاع عن القدس».
وفي موقف أميركي جديد من حزب الله كشف نائب وزير الخارجية الأميركية جون سوليفين أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تطور استراتيجية خاصة للتصدي لنفوذ «حزب الله»، معرباً في جلسة استماع عقدتها لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، عن قلقه من امتداد نفوذ الحزب ووصوله إلى «جنوب أميركا».
واعتبر أن «حزب الله» أصبح يشكل مجموعة حاكمة محلية في جنوب لبنان، إضافة إلى كونه منظمة إرهابية تؤثر على الأحداث في سوريا.
ورأى سوليفين أن «حزب الله» الذي تدعمه إيران، يسعى إلى بسط نفوذه في مناطق أخرى، موضحاً أن الإدارة الأميركية تركز على هذه القضية.
وكان مجلس النواب الأميركي فرض قبل أسابيع، حزمة عقوبات جديدة على «حزب الله».
محلياً، ردّ رئيس حزب «القوات» سمير جعجع على «النقاط التي اثارها وزير الخارجيّة والمغتربين جبران باسيل بدءاً من اعتباره ان «القوات» خرجت عن التفاهم مع «التيار الوطني الحر»، الذي كان مبنياً على تأييد العهد، قائلاً: «مع انني رأيت في كلام الوزير باسيل جانباً ايجابياً من زاوية تمسكه بتفاهم معراب، الا انني لا يمكن للاسف الا ان اسجل مجموعة مغالطات وردت في حديثه لا يمكن القفز فوقها».
وفي حديث له، لفت جعجع إلى ان «التفاهم يعني الشراكة، لا ان يضع فريق نفسه في تصرف آخر، واقترح هنا اذا لم يمانع الرئيس العماد ميشال عون والوزير باسيل، وفي ضوء الافتراءات في حقنا، طرح التفاهم على الرأي العام وليحكم بالعدل. وليعلم الجميع ان التفاهم الذي بُني على تأييدنا للعهد كان على اساس واضح جداً يرتكز الى تشكيل فريق عمل من وزراء «القوات» و«التيار» في اول حكومة يتم تشكيلها يعمل على رسم السياسات العامة للعهد، وامام هذا الطرح سنكون طبعاً «السيبة» الاقوى الداعمة له.