حالُ المحبّة عند المتصوفة
اشتهر أهل التصوف بأحوالهم، والصّوفي يترقّى من حالٍ إلى حال، ومن أبرز أحوالهم: حال الزهد وحال الصبر وحال التوكُّل وحال الرضا، إلى ما هنالك من أحوالٍ اختصّوا بها، وظلّت حال المحبة من أعظم تلك الأحوال وأسماها.
وتجدر الملاحظة أنّ المسلمين اختلفوا في الحُبّ الإلهي أشدّ الاختلاف، فأنكرت طوائف منهم أن يكون الله تعالى يُحبُّ على الحقيقة، وفسّروا آيات المحبة بأنها ضربٌ من المجاز، ومحبّة العبد للّه تُفسّر بمعنى طاعته، ومحبة الله للعبد بمعنى رحمته، لكنّ الصوفية اعتبروا ذلك الحُبّ حقيقة واقعة، اختُصّوا بها، وعدّوها في تجاربهم، وشعروا بلذّتها. كذلك فإنّ لوازم المحبة حقائق واقعة كالأنس والشوق والالتذاذ وغيرها. واستند المتصوفة إلى القرآن والحديث والأخبار لتبيان صحّة أقوالهم وأحوالهم، وعلى الأخصّ حال المحبة، فقد ذكر الله تعالى المحبة في مواضع من كتابه، كقوله تعالى: (فسوف يأتي الله بقومٍ يُحبُّهم ويُحبّونه)، سورة المائدة، آية ٥٤، وقوله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتّبعوني يُحببكم الله)، سورة آل عمران، آية٣١، وقوله تعالى: (يحبّونهم كحُبّ الله والذين آمنوا أشدّ حُبّاً للّه)، سورة البقرة،آية ١٦٥. ويستند المتصوفة بالإضافة للآيات القرآنية إلى بعض الأخبار، ففي خبرٍ مشهور أنّ إبراهيم الخليل (ع) قال لملك الموت إذ جاء لقبض روحه: هل رأيت خليلاً يُميتُ خليله؟ فأوحى الله تعالى إليه: وهل رأيت مُحبّاً يكره لقاء حبيبه؟ فقال: يا ملك الموت، الآن فاقبض. لذلك نجد أهل التصوف يُحبّون الموت ولا يكرهونه، لأنّه لقاءٌ مع الله، وهم يترقّبون هذا اللقاء.
إقرأ أيضًا: على وقع مجزرة مسجد العريش في سيناء ... لمحات عن التصوف الإسلامي
ويستند المتصوفة أيضاً لبعض الأحاديث النبوية، ففي حديثٍ للرسول (ص) أنّه كان يقول في دعائه: اللهم ارزقني حُبّك وحُبّ من أحبّك وحبّ ما يقرّبني إلى حبّك، واجعل حبّك أحبُّ إليّ من الماء البارد، ولا تتمكن محبة الإنسان للّه إلاّ إذا انقطعت علائق الدنيا عنه، وأخرج حبّ غير الله من قلبه، وأحد أسباب ضعف حبّ الله في القلوب قوة حبّ الدنيا، أي حبّ الأهل والمال والولد والأقارب، إذ كلما زاد إنسُ الإنسان بالدنيا نقص إنسُه بالله، وكما يحبُّ الإنسان الله، فإنّ الله أيضاً يُحبّ الإنسان بقوله تعالى: (إن الله يُحبُّ التوابين ويُحبُّ المتطهرين).