تشكل اورشليم جوهر الصراع العربي-الاسرائيلي وذلك نظرًا لطابع المدينة المقدس في اليهودية والاسلام، والذي يحول ايضًا الى عدم انهاء الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي نظرًا لمطالبة الاسرائيليين كما الفلسطينيين بتلك المدينة كعاصمة لدولتهم. وما يؤجج الصراع أكثر هو عدم امكانية تقاسم تلك المدينة نظرًا لأن الاماكن المتنازع عليها، اي جبل الهيكل، هي واحدة. الاّ ان السؤال الذي يطرح في هذا المجال كيف أصبح ذلك الجبل وتلك المدينة اماكن مقدسة؟
لم تكن مدينة اورشليم مدينة مقدسة لليهود منذ تأسيسها الاول، الذي يعود تاريخه تقريبًا الى ما قبل القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد بقليل، يوم لم يكن هناك من ديانة يهودية اصلاً. كان سكان تلك المدينة يعتقدون وقتذاك ان الإلهة الانثى "شلام" قامت بتأسيس مدينتهم، ونظرًا لكون معنى كلمة "اور" في بعض اللغات السامية يعني "مدينة"، أصبح معنى مدينتهم "مدينة الإلهة شلام". ومن المعروف انه، ومن خلال رسائل تل العمارنة العائدة الى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، كان يسكن تلك المدينة الكنعانيون. الاّ انه وبعد غزو شعوب البحار، والتي كانت تضم بين صفوفها شعب الفلسطو، في أوائل القرن الثاني عشر قبل الميلاد، نشأ صراع بين القبائل الاسرائيلية وشعب الفلسطو للسيطرة على المدن الكنعانية المدمرة. 

ساهم هذا الصراع في توّحد القبائل الاسرائيلية وتحضرها ما ساعدها، وبعد سلسلة حروب متتالية، من الانتصار على الفلسطو في مدينة اورشليم في أواخر القرن الحادي عشر قبل الميلاد. ونظرًا لضرورات محضّ جيو-استراتيجية، تتمثل بالدرجة الاولى في الموقع الوسطي للمدينة بين القبائل الاسرائيلية الشمالية والقبائل الجنوبية، اتخذت تلك المدينة عاصمة لمملكة اسرائيل. وأضحت بالتالي الوحدة بين تلك القبائل مرتبطة ارتباطًا جوهريًا بتلك المدينة، وبات لزامًا على السلطات السياسية تعزيز تلك الوحدة. لذلك فُسّرت السيطرة على تلك المدينة واتخاذها عاصمة لمملكة اسرائيل على أنها تدبير إلهي. 
وفي السياق عينه، ومن أجل تعزيز الوحدة أكثر، سرت ايديولوجية مفادها انتماء مكونات الشعب الاسرائيلي الى جدّ واحد اسمه ابراهيم. ولتثبيت تلك الايديولوجية، قامت السلطات الاسرائيلية وقتذاك ببناء معبد في المكان الذي قيل ان ابراهيم اراد ذبح ابنه لتقديمه اضحية للإله. وما عزز تلك الروايات وأكسبها طابعًا مقدسًا، هي المعطيات الجيو-استراتيجية التي حصلت خلال الالف الاول قبل الميلاد، والتي فُسّرت جميعها على انها تدبير إلهي، والتي ساهمت في تشكّل الديانة اليهودية، وأصبح جوهر وجود تلك الديانة مرتبطًا ارتباطًا محوريًا بمدينة اورشليم. وأضحت بالتالي هذه الاخيرة مدينة مقدسة لليهود، يستحيل الاستغناء عنها.
اما فيما خصّ بالمكانة المقدسة لتلك المدينة عند المسلمين، فيعود ذلك الى أسباب محض جيو-استراتيجية. ورود اسم تلك المدينة في فترات تشكّل الاسلام هو عرضي، أضف الى ذلك ان المصادر العربية في تلك الفترة كانت تستخدم الكلمة الرومانية "ايليا" للإشارة الى اورشليم. اما اختيارها قبلة الصلاة من قبل الرسول عام ٦٢٢ لم يكن الاّ نتيجة لخلافه مع اهل مكة وارادته في التقرّب من يهود يثرب. الا انه وبعد تدهور علاقاته مع اليهود، لأسباب سياسية واقتصادية، قام الرسول عام ٦٢٤ بجعل مكة حصرًا قبلة الصلاة. وبعد ذلك التاريخ، لم يذكر الرسول تلك المدينة، وما ذكره لمدينة غزة الاّ في إطار تسليط الضوء على المكانة الاستراتيجية لتلك المدينة بالنسبة للتجارة العربية.

لذلك أتى فتح غزة وايلات اولاً، ولم يأت فتح مدينة ايليا من قبل العرب الاً فتحًا عرضيًا وكنتيجة حتمية لسقوط باقي المدن ولتراجع بيزنطيا. اما عن قصة قيام الخليفة عمر ببناء مسجد من خشب على جبل الهيكل فهي قصة أقرب الى الخرافة. لم يعر العرب الفاتحون وقتذاك اي اهتمام خاص بمدينة ايليا، كما لم يقم هؤلاء، وبحسب المصادر العربية والبيزنطية، ولأسباب عسكرية واقتصادية، بفرض الاسلام على الشعوب. وتشير المعطيات الاركيولوجية العائدة الى فترة ما بعد الفتح الى عدم تحول مدينة ايليا مدينة مسلمة، بل على العكس شهدت المؤسسات الدينية المسيحية تطورًا ملحوظًا في تلك الفترة. 
اما السؤال الذي يُطرح ههنا كيف تحولت ايليا الى القدس واصبحت مدينة مقدسة للمسلمين؟ يعود هذا التحول الى عهد الدولة الاموية التي شهدت منذ العام ٦٨٣ ازمات سياسية محورية هددت بسقوطها، من تلك الازمات ثورات داخلية ومحاولات بيزنطية لاستعادة المشرق. ومن بين الثورات الاكثر خطورة كانت ثورة عبد الله ابن الزبير الذي أعلن استقلاله في الحجاز والذي قام بهدم الكعبة بهدف سحب الشرعية الضرورية المتأتية من تنظيم الحج من الخلفاء الامويين. 
امام هذه المخاطر، قام الخليفة الاموي، عبد الملك بن مروان عام ٦٨٥، وبهدف تعزيز وحدة دولته المشكلة بصورة اساسية من المسيحيين وبهدف قطع صلة هؤلاء بالدولة البيزنطية، ببناء كنيسة الصخرة على جبل الهيكل، حيث كانت تعتقد بعض الفرق المسيحية ان المسيح صُلب في هذا المكان. وما يؤكد رواية ان مسجد الصخرة كان في الاساس مكان حج للمسيحيين هو شكله الهندسي الذي يشبه تمامًا كنيسة مدينة قيصرية في فلسطين، والكتابات المحفورة على مدخله. بعد ذلك، ومن اجل حلّ معضلة الحج، باشر ذلك الخليفة الاموي ببناء مسجد قيل انه المسجد الاقصى الوارد ذكره في الآية الاولى من سورة الاسراء. بالرغم من ان هذه الآية لا تتضمن مكان ذلك المسجد، الذي ومن المرجح ان يكون وحسب بعض الفقهاء المسلمين مسجدًا سماويًا، استمد ذلك المسجد شرعيته من كنيسة الصخرة المقابلة له. وأصبح بعد ذلك بالفعل وبالقوة المسجد الاقصى وأضحى بالتالي مكانًا مقدسًا للمسلمين. وعندما قام ابن هشام بكتابة السيرة النبوية في القرن التاسع قال "نقلاً عن المالك ابن صعصعة الذي نقل عن رسول الله قوله انه وخلال تلك الرحلة ... بين السماء والارض حتى ايليا المدينة المقدسة".
بناءً على تلك المعطيات التاريخية يبدو ومن شبه المؤكد ان المكانة المقدسة لمدينة اورشليم، التي اصبحت فيما بعد القدس، عند اليهود كما عند المسلمين، متأتية حصرًا من ظروف جيو-استراتيجية لا نرى فيها اي تدبير إلهي. وبالتالي، ان ما نراه اليوم من صراع حول تلك المدينة هو محض صراع سياسي وايديولوجي، يؤججه ارتباط الناس بقصص وهمية وخرافية. الاً ان اهمية ذلك الارتباط مرتبطة بكونه عنصرًا اساسيًا لاستتاب النظام في عدد كبير من دول العالم. لذلك نرى ان حل ذلك الصراع يبدأ وبطريقة متوازية بفك الارتباط بتلك القصص وبالبحث عن منظومة وضعية، غير وهمية، من اجل بسط النظام والاستقرار الضروريين للتنمية.