شغل قرار الرئيس الأميركي المتهور بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، تكريساً لها عاصمة للدولة العبرية، الأوساط اللبنانية الرسمية والسياسية والشعبية، وتحركت المخيمات الفلسطينية احتجاجاً على الخطوة، بين تحذير من الارتدادات السلبية، وتظاهرة حاشدة انطلقت ليلاً من مخيم برج البراجنة واضاءة شموع وإطلاق نار في مخيم الرشيدية.
ووسط حالة الترقب والغضب هذه، والاستعداد لمؤتمر مجموعة الدعم الدولية الذي ينعقد غداً في الخارجية الفرنسية، يوجه السيّد حسن نصر الله عند السادسة من مساء اليوم كلمة متلفزة حول قضية القدس، وعلى الرغم من الارتياح في قصر بعبدا وعين التينة وبيت الوسط، من خطوة العودة عن الاستقالة وبيان النأي بالنفس، سجّل أمس الأوّل، ردّ من الرئيس سعد الحريري على موقف لمسؤول في حزب الله.
واعتبر الرئيس الحريري ان ما قاله نائب الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم في طهران ليس مقبولاً لا من قريب ولا من بعيد، قائلاً: «لن استفيض في الرد عليه الآن لانني سأعطي فرصة لتثبيت النأي بالنفس».
وتساءل: هل من مصلحة اللبنانيين ان نتدخل بشؤون اشقائنا العرب؟ وهل من مصلحة اللبنانيين ان نؤذي اخواننا العرب؟ أم مصلحتنا ان يكون هناك نأي بالنفس، وخاصة حين تكون هناك خلافات إقليمية كالتي تحصل في اليمن والعراق وسوريا وغيرها؟
تشغيل محركات الحكومة
ومع ان الرئيس الحريري، تريث أمس في النزول إلى السراي الكبير، والبقاء في «بيت الوسط» لاعتبارات معينة، فإن مصادر وزارية التقته بعد الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء، أشارت إلى أن لدى الحكومة عملاً مكثفاً، وان لا شيء يمكن ان يقف امام هذا العمل المرشح لإعادة تشغيل محركاته بأقصى الطاقات الممكنة، خاصة وان مجموعة ملفات أساسية هامة ومفصلية تنتظره.
ورغم ان هذه المصادر لفتت النظر إلى انه من المبكر توجيه دعوة جديدة لمجلس الوزراء، فإنها توقعت عقد جلسة الأسبوع المقبل، وان تتكثف الجلسات الحكومية للتعويض عمّا فات الحكومة من دراسة بنود أساسية خلال شهر الاستقالة والعودة عنها.
وكشفت هذه المصادر لـ«اللواء» ان الرئيس الحريري يعتزم الدعوة لجلسات استثنائية متتالية للبت في المواضيع والملفات الضرورية، التي تشكّل أولوية لاجندة الحكومة في المرحلة الراهنة، ومن أبرز هذه الملفات: إقرار موازنة العام 2018، والتي كان من المقرّر ان تقر خلال الشهر الماضي، حسب ما كان يطمح إليه الرئيس الحريري، واحالتها إلى المجلس النيابي ضمن الفترة الدستورية، إلى جانب ملف النفط الذي أصبح ضاغطاً بالنسبة للمهل المحددة، حيث شدّد الرئيس نبيه برّي امام نواب الأربعاء أمس، على ضرورة الإسراع بإنجاز كل ما يتعلق به للانتقال إلى مرحلة التلزيمات والاستثمار، وهو لهذه الناحية كرّر الدعوة إلى عقد جلسة جديدة للجان النيابية المشتركة يوم الثلاثاء المقبل، للانتهاء من بت المقترحات التي تقدمت بها كتلته النيابية، على هذا الصعيد، منبهاً إلى ما يقوم به العدو الإسرائيلي من إنجاز خط بحري لنقل الغاز إلى العمق الاوروبي.
ورأت المصادر الوزارية، أن من المواضيع التي تشكّل أولوية أيضاً لدى الحكومة، موضوع تطبيق قانون الانتخابات، والذي كان الحريري يأمل الانتهاء من دراسته في اللجنة الوزارية قبل منتصف تشرين الثاني الماضي، لجهة حسم موضوع البطاقة البيومترية والتسجيل المسبق للناخبين (اوميغا سنتر)، لا سيما وان هناك اصراراً من قبل الرؤساء الثلاثة، كما من قبل الاطراف السياسية على ضرورة اجراء الانتخابات في موعدها المقرّر في الربيع المقبل، من دون تبكير أو تأخير.
ولفتت المصادر إلى ان المهل الدستورية في هذا الملف أصبحت ضيقة، وانه من المتوقع ان تبدأ التحضيرات لهذه الانتخابات بشكل جدي وملموس مع بداية العام الحالي.
وكان الرئيس الحريري عبر عن ارتياحه لما تمّ التوصّل إليه في مجلس الوزراء امس الأوّل بالنسبة لموضوع النأي بالنفس، معتبراً ان ما صدر كان قراراً حكومياً وليس مجرّد بيان، بالتزام كل المكونات السياسية بالنأي بالنفس عن الصراعات والحروب والتدخلات الإقليمية، مؤكداً انه سيتابع شخصياً موضوع التنفيذ على الأرض، وانه إذا لم يحصل نأي فعلي بالنفس فإننا نضع لبنان في دائرة الخطر، لافتاً نظر وفد من الهيئات الاقتصادية في الشمال زاره امس الاول إلى ان علاقتنا مع السعودية ودول الخليج جيدة جداً وسترونها في تحسن مستمر.
ورداً على سؤال حول تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير حول موضوع المصارف اللبنانية، أكّد الحريري ان لا خوف في موضوع القطاع المصرفي اللبناني، لأن لبنان من الدول القليلة التي تطبق القانون الأميركي على مصارفه، مشيرا إلى تعاون كبير جدا بين وزارة الخزانة الأميركية والمصرف المركزي اللبناني، وأن كل القوانين التي فرضت من قبل الكونغرس نطبقها في لبنان».
ترحيب ماكرون
وفيما يرتقب ان يتوجه الرئيس الحريري إلى باريس مساء اليوم لحضور اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان غداً، أعلنت الرئاسة الفرنسية (الاليزيه) في بيان، ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون احيط علما بالاعلان السياسي الصادر من مجلس الوزراء اللبناني الذي ترأسه بشكل استثنائي الرئيس ميشال عون والذي أتاح للرئيس الحريري الرجوع عن استقالته وتحمل مهامه مجدداً بشكل كامل، فرحب الرئيس ماكرون بهذا القرار، موضحاً ان فرنسا «ستتابع باهتمام احترام الأطراف اللبنانية كافة لتعهداتها»، وانه احيط علما ايضا بتأكيد مجلس الوزراء اللبناني تبني سياسة النأي بالنفس عن النزاعات في المنطقة».
وشدّد البيان على «التزام فرنسا بالوقوف بجانب اللبنانيين وبمواصلة العمل لتعزيز استقرار وأمن وسيادة لبنان بالتنسيق مع السلطات المحلية وكل المجتمع الدولي» مؤكدا انه «تحقيقا لهذا الهدف سيفتتح الرئيس ماكرون الجمعة المقبل في باريس اجتماع المجموعة الدولية لدعم لبنان في حضور الرئيس الحريري».
تجدر الإشارة إلى ان اجتماع باريس غداً، حضر خلال لقاء الرئيس عون بنائب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان فيليب لازاريني الذي زار قصر بعبدا، أمس، لابلاغه بأن الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غرتيريس عين السيدة يرنيل داهلر كاردل منسقة خلفا للسيدة سيغريد كاغ، وهي ستصل إلى بيروت خلال الأيام القليلة المقبلة، وأكّد الرئيس عون، خلال اللقاء ان «البيان الذي صدر عن مجلس الوزراء لا يُشكّل ربحاً لفريق أو خسارة لآخر، لأن الرابح هو لبنان الذي استطاع بوحدة أبنائه وتضامنهم والتفافهم حول مؤسساتهم الدستورية المحافظة على استقراره وامنه وسلامته. وأبلغ لازاريني ان «صفحة الأزمة الأخيرة التي مر بها لبنان طويت، وأن العمل الحكومي سوف ينتظم من جديد لاستكمال ما كانت بدأته الحكومة خلال الأشهر الماضية، بما في ذلك اجراء الانتخابات النيابية».
تنديد لبناني جامع
وسط هذه الأجواء، كان لافتاً للانتباه التنديد اللبناني الجامع الرسمي والسياسي والحزبي، بالقرار الذي أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب باعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، والبدء بتحضيرات نقل السفارة الأميركية إلى هذه المدينة العربية التاريخية المقدسة، على إيقاع موجة غضب عربية عارمة محذرة من نسف عملية السلام وعودة الفوضى والمواجهات العسكرية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي هذا السياق، وصف الرئيس عون موقف الرئيس الأميركي بأنه «خطير ويهدد صدقية الولايات المتحدة كراعية لعملية السلام في المنطقة، وينسف الوضع الخاص الذي اكتسبته القدس على مدى التاريخ».
ولفت الرئيس عون الى ان هذا القرار، أعاد عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى الوراء عشرات السنين وقضى على كل محاولة لتقرب وجهات النظر بينهم، محذراً مما يُمكن أن يحدثه القرار الأميركي من ردود فعل تُهدّد استقرار المنطقة وربما العالم اجمع». ودعا الدول العربية الى وقفة واحدة لإعادة الهوية العربية إلى القدس ومنع تغييرها، والضغط لإعادة الاعتبار إلى القرارات الدولية ومبادرة السلام العربية كسبيل وحيد لإحلال السلام العادل والشامل الذي يُعيد الحقوق إلى أصحابها».
وفيما رأى الرئيس برّي «اننا أمام وعد بلفور جديد يمهد لصفقة العصر على حساب القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني»، اعتبر الرئيس الحريري، ان القرار الأميركي «خطوة يرفضها العالم العربي وتنذر بمخاطر تهب على المنطقة. وقال في تغريدة له عبر «تويتر»: لبنان يندد ويرفض هذا القرار ويعلن في هذا اليوم أعلى درجات التضامن مع الشعب الفلسطيني وحقه في قيام دولة مستقلة عاصمتها القدس».
وأدانت وزارة الخارجية، في بيان، الإعلان الأميركي، ووصفته بأنه «خطوة مدانة ومرفوضة تتنافى ومبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة التي اعتبرت القدس الشرقية جزءاً من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
وأعلن البيان رفض الخارجية بشدة كل السياسات والإجراءات التي تؤدي إلى إجهاض حل الدولتين وإلى تشويه هوية مدينة القدس العربية وكل محاولات تغيير الوضع التاريخي والقانوني للأراضي المقدسة، محذرا من مخاطر ضرب قيم المحبة والتسامح بين اتباع الديانات السماوية.
اما الرئيس تمام سلام فرأى ان الإعلان الأميركي سيؤدي إلى «مخاطر كبيرة، وإلى فتح منطقة الشرق الأوسط على احتمالات تصعيد واسع وخيارات متعددة لإسقاط هذا الموقف الأميركي المتهور»، ودعا مجلس الأمن والأمم المتحدة لمواجهة هذا التطور، والدول العربية والإسلامية إلى عقد قمّة طارئة للضغط على واشنطن للتراجع عن قرارها قبل استفحال ردود الفعل، واستباقاً لما يمكن ان يحدثه القرار من انفجار الوضع مجددا في الشرق الأوسط