الأربعاء 6 كانون الأوّل 2017، تاريخٌ أرّخ لإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وإيعازه بالاستعداد لنقلِ سفارة الولايات المتّحدة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. هذا القرار الأميركي الذي يثبتُ الهوية الإسرائيلية للقدس، يُعَدّ الأخطرَ في التاريخ الفلسطيني، ويُرخي ظلالاً قاتمةً على مستقبل المنطقة ويُشعل الفتيلَ على امتداد كلّ الخريطة التي تقع على تماسٍ مباشر مع القضية الفلسطينية، ويُلقي بمصيرها في مهبّ احتمالاتٍ شتّى.
وحدَها إسرائيل رحّبت بالقرار الأميركي، في وقتٍ كان العالم كله تقريباً يَشهد عاصفةً من ردّات الفعل التي وصَفت القرار الاميركي بالمرفوض والمؤسف والمتسرّع، وبالعامل المفجّر لعملية السلام في الشرق الاوسط، فيما الموقف الفلسطيني وصَف القرار بإعلان حرب، وأعلنَ الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنّ قرار ترامب لا يغيّر من واقعِ أنّ القدس هي العاصمة الأبدية لدولة فلسطين.

أمّا لبنان فأدان القرار الاميركي، واعتبره رئيسُ الجمهورية العماد ميشال عون خطيراً ودعا الى وقفةٍ عربية لإعادة الهوية العربية الى القدس، فيما حذّر رئيس مجلس النواب نبيه بري من «وعد بلفور جديد».

أمّا رئيس الحكومة سعد الحريري فرفضَ القرار وأعلنَ تضامن لبنان مع الشعب الفلسطيني وحقّه في قيام دولة مستقلة عاصمتها القدس. فيما اعتبَرت وزارة الخارجية «أنّ الخطوة الاميركية مدانة ومرفوضة، تتنافى ومبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة التي اعتبَرت القدس الشرقية جزءاً من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٦٧».

أمّا الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله فسيتناول قضية القدس والتطوّرات الاخيرة في كلمة متلفزة يلقيها عند الساعة السادسة من مساء اليوم.

ترقّب ترجمة التسوية

داخلياً، يتأثّر لبنان بطقسٍ عاصف مناخياً مصحوبٍ بأمطار وثلوج، وبمناخ مستقر سياسياً مصحوب بترقّب لترجمة التسوية التي أعادت إحياء الحكومة استناداً إلى تعابير إنشائية تجميلية لعنوان «النأي بالنفس». والعين على الأداء الحكومي وكيفية مقاربة ما هو ضروريّ وضاغط من أولويات وملفات حيوية، خصوصاً تلك المرتبطة مباشرةً بمصالح الناس والخزينة العامة.

وإذا كانت التجربة مع الأداء الحكومي ما قبل استقالة رئيس الحكومة في الرابع من تشرين الثاني الماضي غير ناجحة أو مشجّعة، فإنّها في ظلّ الذهنيّة التي أدارتها، والمزاجيّات المتصادمة التي حَكمتها، لا تصلح لأن تكون أساساً صالحاً لمقاربات جدّية ومعالجات شافية للكمِّ الهائلِ مِن تلك الملفات المتراكمة.

كذلك لا تصلح لأن تكون حصاناً رابحاً يمكن الرهان عليه في الانطلاقة الثانية للحكومة للفوز في امتحان التفعيل والإنتاجية وإحداث نقلات نوعية تَطوي كلّ ما اعترى الأداءَ السابق من سقطات وشوائب، خصوصاً مع بدء الحديث في أوساطٍ مختلفة عن توجّهٍ لاستئناف ما بوشِر به من صفقات جرى النصّ عليها في التفاهمات السرّية المعقودة بين بعض القوى النافذة في الحكومة.

من هنا العينُ مجدداً على القطاعات المنتجة مِثل الكهرباء وصفقة البواخر التي لم تمت، وكذلك الأمر بالنسبة الى قطاع الاتصالات الذي تدور حوله الكثير من الشبهات والالتباسات، وصولاً الى قطاع النفط الذي يبدو أنه سيوضَع على نارٍ حامية في الايام المقبلة، وسط حديثٍ قوي عن بتِّ موضوع التراخيص لشركات التنقيب في مجلس الوزراء قبل الأعياد.

ولعلّ هذه العناوين الكهربائية والهاتفية (الخلوية) والنفطية، هي التي ستحظى بالاهتمام الحكومي في مرحلة ما بعد التسوية الحكومية، يضاف اليها استئناف «تجهيز» الموازنة العامة للعام المقبل وإقرارها في مجلس الوزراء وإحالتها الى مجلس النواب لدرسِها وإقرارها خلال ما تبقّى من ولاية المجلس التي تنتهي في أيار من العام المقبل، أي بعد نحو خمسة أشهر.

ولم تستبعِد مصادر في وزارة المالية إمكانية طرحِ مشروع قانون موازنة العام المقبل على مجلس الوزراء في وقتٍ قريب. وأبلغت «الجمهورية» قولها: «إنّ المشروع شِبه منجَز، وينتظر ان تُعقد جلسات متتالية لمجلس الوزراء لإقراره وإحالته الى المجلس، وهو امرٌ ينبغي ان يتمّ سريعاً، إذ إنّ هذا المشروع تأخّر لأكثر من شهر جرّاء أزمة الاستقالة، حيث كان على وشك ان يُطرح على مجلس الوزراء قبل نهاية تشرين الاوّل الماضي، وجاءَت الأزمة وأوقفَت كلَّ شيء».

وفي السياق ذاته، قالت مصادر مجلسية لـ«الجمهورية»: «إنّ أيَّ تأخير إضافي يمكن ان يعطّل إمكانية إقرار مشروع موازنة العام المقبل خلال ولاية المجلس النيابي الحالي، ذلك انّه لو سارت الامور بشكل طبيعي ومن دون ايّ تعقيدات وتمّت إحالته قبل نهاية الشهر الجاري الى مجلس النواب، فإنّ ممرّاً إجبارياً ينبغي سلوكه عبر اللجنة النيابية للمال والموازنة التي تتطلّب دراستُها المشروع المذكور من شهرين الى شهرين ونصف على أقلّ تقدير، وهذا معناه انّ المشروع ذهبَ الى شهر آذار المقبل، أي في عزّ الاستحقاق الانتخابي والانهماك السياسي والنيابي بالحملات الانتخابية، ففي ايّ أجواء ستقَرّ الموازنة»؟

وفي وقتٍ يستعدّ مجلس الوزراء للانعقاد في جلسة قريبة رجّحت مصادر وزارية عقدَها خلال الاسبوع المقبل، تؤشّر الأجواء السياسية القائمة إلى أنّ الفترة المتبقية من الشهر الجاري هي فترة ميتة من حيث الإنتاجية الحكومية، وكذلك الإنتاجية المجلسية، بالنظر الى عطلة عيدَي الميلاد ورأس السنة، والتي تبدأ عملياً اعتباراً من بداية النصف الثاني من هذا الشهر، ما يعني انّ كلّ الامور والملفات المرشّحة للوضع على طاولة البحث والمتابعة، مؤجّلة الى الشهر الاوّل من السنة المقبلة، إلّا انّها ستصطدم بدخول لبنان عملياً في زمنِ الاستحقاق الانتخابي الذي ينطلق فعلياً اعتباراً من اوّلِ كانون الثاني المقبل على حدّ تعبير مرجَع سياسي، ما يَجعل من الإنتاجية الموعودة متواضعةً وخجولة في أحسن حالاتها.

تقييم التسوية

أمّا في السياسة، فقد شهدَ اليوم الأوّل لسرَيان التسوية الحكومية الجديدة، محاولاتٍ من أهلها لتقييمها وقياسِ مدى صلابتها وحجمِ القدرة على ترجمتها لناحية الالتزام بعنوان «النأي بالنفس»، والانتقال به من عنوان مكتوب على الورق، الى عنوان ملزِم للجميع من دون استثناء، وكلّ الأطراف السياسية الشريكة بالتسوية.

وكان لافتاً إعلان رئيس الحكومة عزمَه على أنّه سيتابع شخصياً «تنفيذ النأي بالنفس على الأرض»، فيما عكسَت مصادر «حزب الله» لـ«الجمهورية» التزامَه بالتسوية التي تمّ التوصّل اليها، مع التأكيد على تقديم كلّ التسهيلات التي تؤدي الى انطلاق عجَلةِ الحكومة بالشكل الطبيعي، وتُرسّخ الاستقرار الداخلي وأجواء التضامن التي تجلّت في الآونة الاخيرة.

وبحسبِ هذه المصادر فإنّ عنوان النأي بالنفس بالصورة التي تمّ التفاهم عليها، ونحن وافَقنا عليها، لا يعني أنه من طرفٍ واحد، إذ إنّ الأهمّ هو أن ينأى الخارج بنفسه عن لبنان ولا يتدخّل في شؤونه الداخلية ويحاول ان يمليَ رغباته ويفرضها عليه، وكنّا واضحين من البداية أنه لا يمكن ان يكون لبنان بمنأى عن النفس في ما خصَّ العدوّين الاسرائيلي والتكفيري، وكنّا واضحين أيضاً بأنّ الحزب لم يكن البادئ في تناولِ أيّ طرف عربي، بل كان دائماً في موقع المستهدَف وفي موقع ردّ الفعل. ومن الطبيعي في هذه الحالة ألّا يسكتَ على أيّ تعرّضٍ له إذا ما تكرّر هذا الأمر».

وعمّا إذا كان عنوان «النأي بالنفس» يشمل سوريا، قالت المصادر: «هناك تفاهم حيال هذه النقطة، ولا نعتقد انّ هناك مشكلة، وفي الخلاصة نعتقد انّ الجميع متفقون على انّ الخطر الارهابي ما زال قائما».

يأتي ذلك في وقتٍ تولَّدَ عن هذه التسوية التي عاد بموجبها الحريري عن استقالته، ارتياحٌ رئاسي عبّر عنه رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة، ولقيَ ثناءً من مجلس المطارنة الموارنة على قرار التزام الحكومة في كلّ مكوّناتها بسياسة النأي بالنفس.

ودولياً، رحّبت باريس بعودة الحريري عن استقالته وأعلن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون «أنّ فرنسا ستتابع باهتمام احترامَ الأطراف اللبنانية كافةً لتعهّداتها». وأعلنَت وزارة الخارجية التركية «أنّنا سعداء بانتهاء حال عدم اليقين السياسي في لبنان ونريد استقلالَ البلاد وسيادتها».

الطاشناق عند الحريري

وفي الحراك الداخلي، التقى الحريري أمس وفداً من حزب «الطاشناق» برئاسة أمينه العام النائب أغوب بقرادونيان الذي أكّد دعم «الطاشناق» لموقف الحريري «في تجاوبه لاستيعاب الوضع والنزول عند رغبة جميع اللبنانيين، بدءاً من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري وكلّ الأطراف اللبنانية، للعودةِ عن الاستقالة.

وبالتأكيد قطَعنا مرحلةً متشنّجة، ونستطيع القول إنّ ملفّ الاستقالة قد أُغلِق وهناك انطلاقة جديدة ونتمنّى أن تعرفَ كلّ الأطياف اللبنانية دِقّة الوضع، ونحن من طرفنا إيجابيّون في هذا الموضوع».

الحريري يردّ

الى ذلك، إعتبر الحريري أن ما قاله نائب الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم في طهران أخيراً ليس مقبولاً لا من قريب ولا من بعيد، وقال: «لن أستفيض في الرد عليه الآن لأنني سأعطي فرصة لتثبيت النأي بالنفس».

وسأل: «هل من مصلحة اللبنانيين أن نختلف مع أشقائنا العرب؟ وهل من مصلحة اللبنانيين أن نتدخل بشؤون أشقائنا العرب؟ وهل من مصلحة اللبنانيين أن نؤذي أخواننا العرب؟ أم مصلحتنا أن يكون هناك نأي بالنفس، وخصوصاً حين تكون هناك خلافات إقليمية كالتي تحصل في اليمن والعراق وسوريا وغيرها؟».