منذ بداية الحديث عن جدّية المشاورات السياسية بشأن الأزمة السورية، كانت الاجواء واضحة من الخارج، بأن إسرائيل لن تنأى بنفسها عن إعادة تشكيل المنطقة. هي استفادت كثيراً مما حلّ في سوريا، وانخراط أبرز مواجهيها في الصراع السوري. اختارت على مدى السنوات الماضية تنفيذ ضربات لمنع نقل السلاح كاسر التوازن إلى حزب الله في لبنان، واليوم يتطور الدور الإسرائيلي، وما يعجز الإسرائيليون عن تحقيقه في السياسة والمفاوضات الدولية، يريدون تكريسه بفعل الغارات الجوية والضربات العسكرية.
لدى إسرائيل مطلب ثابت في إبعاد إيران وحلفائها عن جنوب سوريا، مسافة 40 كيلومتراً. فاوضت على ذلك مع روسيا والولايات المتحدة، لكنها لم تصل إلى نتيجة. لعبت إسرائيل على الوتر الحساس للنظام السوري، وأرسلت له رسائل كثيرة، بأنها القادرة على حمايته وإعادة تعويمه، إذا ما حجّم نفوذ الإيرانيين وحزب الله وتوسعهما في سوريا. ووصل الأمر بوزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، إلى توجيه إتهامات لإيران باستفزاز إسرائيل عبر إطلاق صواريخ نحو الجولان، بدون علم نظام الأسد.
من الواضح، أن المرحلة المقبلة ستحمل مزيداً من الدخول الإسرائيلي على خط التطورات في سوريا. وهذا ما يرتكز على ثلاثة معطيات، الأول استمرار الصراع في سوريا كساحة مفتوحة، متاح فيها تصفية الحسابات وتوجيه الضربات لتحقيق التوازن، الجو الدولي والإقليمي الضاغط على إيران، وتصنيف الجامعة العربية حزب الله منظمة إرهابية. بالتالي، إن أي ضربة قد يتلقاها الحزب، وتكون أوسع من الضربات المعتادة ستكون حاظية غطاء دولياً وإقليمياً ولو كان ذلك بشكل غير مباشر.
للمرة الأولى منذ اندلاع الصراع السوري، تشنّ إسرائيل غارات على مدى ثلاثة أيام متتالية. وهي المرّة الأولى التي تستهدف فيها مواقع ومخازن أسلحة إيرانية. سابقاً كانت الضربات توجه إلى مواقع أو شاحنات أسلحة تابعة لحزب الله بالتشارك مع النظام السوري. أما الغارة التي استهدفت الكسوة، فهي استهدفت موقعاً عسكرياً إيرانياً، بل قاعدة عسكرية كبرى في القرب من دمشق، وتفوق مساحة هذه المنطقة، مساحة مدينة بيروت، في إشارة إسرائيلية لافتة إلى أنها لن تقبل بإنشاء إيران قواعد عسكرية في سوريا. وتشير المعطيات إلى أن هذه الضربة أدت إلى مقتل نحو 22 عسكرياً إيرانياً. أما الضربة الثانية، فقد وجّهتها إسرائيل إلى مطار الضمير العسكري، واستهدفت فيه قوات من الحرس الثوري وقوات عسكرية موالية لإيران. فيما الضربة الثالثة، وجّهت إلى منطقة جمرايا، وتحديداً معهد البحوث العلمية، الذي استهدفته الطائرات الإسرائيلية سابقاً.
طبيعة الضربات، وزيادة وتيرتها، تشيران إلى أن إسرائيل تهدف إلى تثبيت ما تعتبره "حقها" في حماية أمنها القومي. لذلك، هي تدخل أكثر فأكثر إلى اللعبة السورية. بالتالي، فإن هذه الضربات مرشّحة للتوسع أكثر، طالما أن إسرائيل لم تحقق ما تريده من طريق روسيا وأميركا، وهي ستلجأ إلى هذا الأسلوب العسكري لحماية "أمنها" وإبعاد إيران عن حدودها. فيما هناك من يتوقع أكثر من ذلك، وهو أن تكون الضربات الجوية مقدّمة لتصاعد منسوب التوتر والصراع بين إسرائيل وحزب الله، على أن تتطور لتصبح ما تشبه حالة حرب قائمة على غارات، مع احتمال توسعها.
تريد إسرائيل رسم خطوط حمراء أمام إيران وحزب الله، وكما حققت في العام 2006، ومن خلال القرار 1701، وقفاً للعمليات العسكرية في جنوب لبنان، فهي تريد تحقيق ما هو مشابه في سوريا، على قاعدة الفصل بين الجبهتين اللبنانية والسورية. وقد ترتكز على هذه الغارات، وتكثيفها مستقبلاً للوصول إلى ما تريده. بالتالي، فإن إسرائيل بدأت مرحلة رسم الخطوط الحمر، بالنار هذه المرّة، تمهيداً لتكريسها بالسياسة.