ترنّحت جلسة الحكومة قبل التوافق على عقدها. كانت الأجواء تشير إلى عقد جلسة الثلاثاء. مسودة البيان الذي سيصدر عن الحكومة، كانت شبه جاهزة وبحاجة إلى بعض التنقيح والتعديلات، على أن يتواصل رئيس الحكومة سعد الحريري، مع الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، لأجل تحديد موعد الجلسة، وإعلان البيان. لكن يوم الاثنين حمل بعض التطورات التي أفضت إلى مزيد من المشاورات. ما جعل كثيرين يرجحون أن الحلسة ستعقد الخميس، لا سيما أن رئيسها يحتاج إلى الدعوة قبل ثمانية وأربعين ساعة من موعدها. لكن ثمّة متغيرات حصلت في الكواليس، لا علاقة لها بتفاصيل الاتفاق الداخلي، حتّمت الانتظار على الحريري، ريثما تتضحّ وجهة الامور في اليمن. التطورات المتسارعة التي شهدتها الساحة اليمنية، خصوصاً أنه بالتزامن مع الحديث عن النأي بالنفس، كان حزب الله وإعلامه الحربي يعلن آخر الأخبار المتعلقة بالتطورات اليمنية. وهناك من يشير إلى أن الحريري أراد إضافة بند على البيان الذي سيصدر، ويتعلق بطرح الاستراتيجية الدفاعية على جدول البحث، وبعد وصول رسائل بأن البيان الكلامي غير كاف، لكن حزب الله رفض ذلك. ما أدى إلى فسح المجال أمام مزيد من المشاورات. لكن الاتصالات والمشاورات الليلية عادت وأفضت إلى عقد الجلسة الاستثنائية الثلاثاء.
تواصلت اللقاءات والاجتماعات التي ناقشت تفاصيل التفاصيل. ويؤكد الوزير السابق وائل أبو فاعور، بعد لقائه الحريري، أن الأجواء إيجابية، والأمور تحتاج إلى بعض الإيضاحات و"الروتوش". لكن مسألة الاستقالة تكاد أن تطوى، بعد إنجاز كل التوضحيات التي سيتضمّنها البيان. فيما لقاء آخر عقد بين وزير المال علي حسن خليل ومدير مكتب الرئيس الحريري، نادر الحريري، لاستكمال البحث في التفاصيل. وتكشف مصادر متابعة عن لقاء مطول عقد قبل أيام بين نادر الحريري والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل، جرى خلاله البحث في كيفية إنجاز البيان، والتركيز على مضمون النأي بالنفس، وتسهيل حزب الله مهمتي رئيسي الجمهورية والحكومة.
وصلت الأمور إلى الإتفاق في نهاية المطاف، بعدما استغرقت مزيداً من الوقت والتشاور. في المقابل، يبدو واضحاً أن هناك سباقاً مع الوقت، بين عقد جلسة الحكومة والإتفاق على البيان الذي سيصدر، وبين عقد مؤتمر مجموعة الدعم الدولية الذي ستستضيفه باريس يوم الجمعة المقبل. هذا الموعد تمّ تعجيله، إذ كان من المفترض أن يعقد بعد شهرين. لذلك، هناك من يطرح أسئلة عن سبب تقديم توقيت عقد هذا المؤتمر، في ضوء تطورات لافتة على الساحة في المنطقة، لا سيما بعد قرار الجامعة العربية الذي صنّف حزب الله تنظيماً إرهابياً.
منذ اليوم الأول لاستقالة الحريري، كان واضحاً ربط الملف اللبناني بالملف اليمني، وبتدخل حزب الله عبر دعم الحوثيين. حتى الحريري اعتبر أن مشكلة السعودية العنيفة مع سلاح حزب الله بدأت بعد أحداث اليمن وتدخّله فيها. لذلك، من الواضح أن الهدف هو حصول تطورات في اليمن تحظى برضى السعودية، مقابل تخفيف الضغط على لبنان، فيما هناك من يذهب أبعد من ذلك، ليعتبر أن السعودية مستعدة لمقايضة لبنان باليمن، طالما أن موازين القوى فيه واضحة وغير قابلة للتغيير في الوقت الحالي، وطالما أن لا أحد من الأفرقاء اللبنانيين مستعد لمواجهة حزب الله. ولأن الملفين مرتبطان ببعضهما البعض، فإنه من المؤكد أن التطورات على الساحة اليمنية ستنعكس على الوضع اللبناني. كذلك يأتي المؤتمر، بعد إدخال دول جديدة إلى مجموعة الدعم الدولية، من بينها مصر.
وهنا، ثمة تساؤلات حذرة في لبنان، عن السبب وراء تقديم موعد المؤتمر. هناك من يشير إلى أن ثمة قطبة مخفية في هذا الاجتماع وما يمكن أن يصدر عنه من مواقف معنوية، أكثر من مسألة البحث في تقديم الدعم والمساعدات المالية والإقتصادية. وتقول مصادر متابعة إن الخشية ستكون من فتح ملف سلاح حزب الله على مصراعيه، بالتزامن مع حجم الضغوط الدولية على الحزب وإيران، بدءاً من العقوبات الأميركية وصولاً إلى الموقف الأوروبي، ولا سيما الفرنسي، الذي يدعو إلى سحب سلاح حزب الله، بالإضافة إلى سحب سلاح كل الميليشيات المؤدية لإيران بما فيها الحشد الشعبي. لذلك، فإن لبنان سيحاول استباق أي طرح من هذا النوع، من خلال الإسراع في إنجاز البيان المنتظر، وعقد جلسة الحكومة، ليذهب الحريري إلى هناك متسلّحاً بهذا الموقف اللبناني الذي يركز على النأي بالنفس، ويكون لبنان قد التف على أي محاولة لاستغلال أي ثغرة.