كشفت بالونة الاختبار التي أطلقتها صحيفة حكومية بشأن متابعة قضائية لنواب الرئيس العراقي عن هشاشة الوضع السياسي لزعيم ائتلاف دولة القانون رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، وندرة حلفائه بعدما وردت صفته الرسمية ضمن قائمة المحالين إلى القضاء بتهمة “الكسب غير المشروع”.
ومع إطلاق رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي حملة ضد الفاسدين، خلال الأسابيع القليلة الماضية، تزايدت التكهنات بإمكانية أن تشمل المالكي وعددا من أقاربه المنتشرين في مختلف مواقع صنع القرار وأجهزة الدولة.
وتولى المالكي رئاسة الوزراء لدورتين متتاليتين بين 2006 و2014، قبل أن يجهض حيدر العبادي طموحه في نيل الولاية الثالثة.
ويتهم المالكي بتبديد نحو 500 مليار دولار، في أدنى التقديرات، من أموال الموازنة العامة خلال ولايتيه كما تحمّله أوساط سياسية وشعبية مسؤولية احتلال تنظيم داعش أكثر من ثلث أراضي العراق، صيف 2014، بعدما شاع الفساد في المؤسسة العسكرية خلال حقبة حكمه وجرى تقريب قيادات عسكرية ضالعة في الفساد من مواقع التأثير في أعلى هرم القيادة.
ونشرت صحيفة الصباح الحكومية مقابلة مع حسن الياسري رئيس هيئة النزاهة كشف فيها عن إحالة عدد من كبار المسؤولين العراقيين، بينهم المالكي، إلى القضاء بتهمة الثراء على حساب المال العام.
وأبلغ الياسري، الصحيفة الحكومية أن هيئة النزاهة أحالت نواب رئيس الجمهورية؛ نوري المالكي وأسامة النجيفي وإياد علاوي إلى القضاء بتهمة “الكسب غير المشروع”.
وفجّر هذا الإعلان جدلا واسعا في الأوساط السياسية، فيما تلقفت وسائل الإعلام المحلية تصريح الياسري ليحتلّ صدارة نشرات الأخبار وواجهات الصحف والمواقع الإخبارية. وتفاعلت معه وسائل التواصل الاجتماعي بوصفه مؤشرا واضحا على نوايا العبادي إزاء الفاسدين.
لكن هيئة النزاهة نفت، بعد ساعات، صدور مثل هذا التصريح على لسان رئيسها محملة الصحيفة مسؤولية نشره فيما أصدرت الصباح تنويها قالت فيه إن “خطأ طباعيا” تسبب في هذا الإشكال.
ولم يبدُ أن توضيح الصحيفة أو نفي النزاهة أقنعا المالكي وحزبه أو الكتلة البرلمانية التي تتبعه.
واستبعد مقرّبون من المالكي أن يكون الأمر “مجرد خطأ”، محذرين من أن “العبادي يضمر السوء للمالكي”، فيما شنّ حزب الدعوة، الذي يتزعمه الأخير هجوما لاذعا على الصحيفة قائلا إنها أساءت لـ”رمز وطني”.
عزت الشابندر: لا وجود لخطأ طباعي.. ما حدث تراجع عن قرار بمحاسبة نواب الرئيس
وباستثناء موقف حزب المالكي وكتلته البرلمانية، لم يحظ زعيم ائتلاف دولة القانون بأي تضامن سياسي أو إعلامي.
وبالرغم من أن حديث رئيس هيئة النزاهة شمل النجيفي وعلاوي فضلا عن المالكي، إلا أن الاهتمام الإعلامي تركز حول الأخير بسبب الملفات الكثيرة التي يرتبط بها اسمه.
ويقول مراقبون إن بالونة الاختبار الحكومية، كشفت عزلة المالكي السياسية في العراق وندرة حلفائه.
وقال مراقب سياسي عراقي إنه سواء أحيل المالكي إلى القضاء أو لم يجر ذلك، فإن مجرد ورود اسمه علنا في قوائم المرشحين للمساءلة القانونية يشير إلى أن رئيس الوزراء السابق يعيش لحظة حرجة في تاريخه السياسي قد تفضي إلى تخلي الأتباع عنه وهو أمر متوقع في ظل الانهيارات المستمرة التي شهدتها التحالفات السياسية.
وأكد المراقب في تصريح لـ”العرب” أنه وبغض النظر عن موقف حزب المالكي من مسألة الخطأ الطباعي فإن نتائج الاختبار كشفت عن أن المالكي يقف وحيدا في مواجهة حلفائه الشيعة السابقين، حيث لم يدافع عنه أحد سوى المنتفعين من استمراره قويا وقد تؤدي تلك النتيجة إلى هزيمة تيار المالكي من الداخل.
وأضاف أنه حين يتأكد البعض من أولئك المنتفعين من أن الرجل لم يعد يملك أوراقا للضغط تجعله في منأى عن يد القضاء فيبدأ الهروب الجماعي من مركبه وهو ما يمكن أن يقع بسلاسة من خلال الانتقال إلى الفرع الآخر من حزب الدعوة نفسه وهو الفرع الذي يتوقع الكثيرون أن العبادي يخطط لقيامه من خلال حركة معاونيه مدعوما من قبل أطراف في التحالف الوطني ذي الأغلبية المطلقة في مجلس النواب.
وأشار المراقب إلى أنه إذا ما كان الخطأ الطباعي الذي ورد في الجريدة الحكومية هو الإشارة الرسمية الأولى إلى إمكانية أن يُحال المالكي إلى القضاء، فإن تداعياته على مستوى النخب السياسية تظهر الكثير من إشارات الترحيب بخطوة ينتظرها الشعب من أجل طي صفحة مرحلة سوداء من تاريخ العراق حاول فيها المالكي أن يغطي على الكثير من الحقائق بنزعته الطائفية.
واستبعد السياسي العراقي عزت الشابندر، أن يكون خبر إحالة المالكي إلى القضاء “خطأ طباعيا”.
وقال الشابندر، وهو حليف سابق للمالكي، إنه قرأ الخبر المنشور، مشيرا إلى أن “السياق لا يشير إلى أي خطأ”، وأن “النفي الذي أصدرته هيئة النزاهة، يمثل تراجعا عن إعلانها إحالة نواب رئيس الجمهورية إلى القضاء، بسبب الضجة التي أثارها”.
ويرى الإعلامي العراقي، سعدون محسن ضمد، أن الحديث عن خطأ طباعي كلام غير مقنع، مستغربا “كيف تنشر الصحيفة الرسمية في الدولة خبرا عن احالة نواب رئيس الجمهورية إلى القضاء بتهم الكسب غير المشروع، دون ان تدقق فيه، أو تستقصي عنه”.
ويقول مراقبون، إن “هذا الاختبار، كشف ضعف المصدّات التي تحمي الساسة الفاسدين في العراق، والتأييد الشعبي الكبير لأي إجراءات تطالهم”.
وتقول مصادر سياسية في بغداد إن مكتب العبادي، ربما كان خلف تمرير خبر صحيفة الصباح، لقياس ردود الأفعال، في حال انطلقت حملة حقيقية ضد الفساد لا تستثني كبار الشخصيات السياسية في العراق.