خلافاً لكل الأجواء التي كانت سائدة حتى مساء أمس، دعا رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري المجلس فجأة الى جلسة اليوم لإقرار ما تم الإتفاق عليه وإنهاء التريث، في وقت حَرفَ الحدث اليمني الأنظار، إذ انتهى بما سُمّي انقلاب الرئيس السابق علي عبد الله صالح على «الحوثيين» لمصلحة التحالف العربي بمقتله على أيديهم، ما فتح باب اليمن والمنطقة على شتى الاحتمالات.
أرخى ما حصل في اليمن جواً ضبابياً تخطى الساحة اليمنية ليشمل المنطقة كلها، خصوصاً انّ التطور الدموي الذي تَمثّل بمقتل الرئيس اليمني السابق على يد الحوثيين فتح الجبهة اليمنية على احتمالات يصعب تقديرها، او تحديد الرقعة التي ستشملها، او التكهّن بما قد يذهب إليه مصير اليمن وبحجم ردّ الفعل، وخصوصاً لدى الدول المحيطة به.

واذا كان «الحوثيون» يقدّمون قتل صالح على أنه إنهاء لِما يسمّونه «مؤامرة»، فإنّ القراءات التي قاربَت هذا الحدث وَضعت اليمن في مهبّ تداعيات، ليس أقلّها وضع هذا البلد على شفير حرب أهلية داخلية، متواكبة مع تصعيد في وتيرة الحرب التي تقودها دول التحالف العربي ضد «الحوثيين»، ما يعني فتح مرحلة جديدة من الصراع الدموي الذي قد يطيح ما تبقّى من هذا اليمن، الذي قيل عنه يوماً انه كان سعيداً.

قراءة ديبلوماسية

وفي قراءة لما يجري في اليمن، إستبعدت مصادر ديبلوماسية ان تظهر نتائج حاسمة في المدى المنظور، وقالت لـ«الجمهورية»: «انّ ما جرى لم يكن في الحسبان، وباتَ جلياً انّ الوضع خرج عن السيطرة حالياً، وستتوقف تداعياته إلى حد ما على من سيسيطر على الارض».

وأشارت «الى انه اذا سيطر «الحوثيون» على نحو كبير فستقوى شوكة إيران وفريق المُمانعة في لبنان والمنطقة، ولكن هذا لن يغيّر كثيراً في موازين القوى وسيستمر الخليجيون بمساعدة أميركية في ضرب «الحوثيين».

وفي المقابل، إذا تراجع موقف «الحوثيين» على الأرض، فإنّ النفوذ الإيراني في المنطقة سيتأثر سلباً. ولكن في كلا الحالتين، ففي المستقبل المنظور لن يتغير الوضع في المنطقة كثيراً بسبب التطورات على الساحة اليمنية، سوى أنّ الحرب الأهلية الداخلية في اليمن ستشتدّ، ومواجهة التحالف مع إيران ستستمر».

واستبعدت «أن يكون لتطورات اليمن الميدانية والسياسية ارتباط مباشر بالتسوية السياسية في لبنان»، مشيرة الى «أنّ هذه تخضع للاتصالات الدولية، ولا سيما منها الفرنسية والاميركية، للوصول الى صيغة يتحدد من خلالها معنى «النأي بالنفس» وترجمته على الأرض، ليتم الإتفاق عليه في لبنان».

مجلس الوزراء

داخليّاً، ظل الاهتمام منصباً على توليد التسوية السياسية التي تنهي تريث الحريري واستقالته عملياً وتعيد الانتظام الى العمل الحكومي. وخلافاً لكل الأجواء التي كانت سائدة حتى مساء أمس دعا رئيس مجلس الوزراء المجلس فجأة الى جلسة تعقد الثانية عشر ظهر اليوم في قصر بعبدا.

وبعد أن كانت تراجعت إمكانية دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد نشطت الاتصالات ليلاً على خط عين التينة - بيت الوسط - حارة حريك تولاها الحريري ومدير مكتبه نادر الحريري والوزيران علي حسن خليل وجبران باسيل الذين كانوا ينقلون الافكار الى الرؤساء الثلاثة.

وتولى خليل التواصل مع «حزب الله» لتوحيد الموقف. وقبيل منتصف الليل تم التداول في مجموعة أفكار تقاربت كثيرا بعضها الى بعض وأزيلت التباينات التي كانت قائمة حولها وتبلورت ضمن صياغة حملت العناوين الأساسية الأتية:

1- التأكيد على البيان الوزاري
2- التزام وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف)
3- اضافة تعبير «النأي بالنفس» في صيغة مطورة يظهر فيها جليا ان سياسة لبنان هي أنه يناى بنفسه عن الصراعات الاقليمية والعربية.


ذلك ان تعبير النأي بالنفس لم يرد في البيان الوزاري بهذا الوضوح.

وتم الاتفاق ليلا على استئناف الاتصالات صباحاً وتنشيطها قبيل الجلسة لبلورة هذه الافكار وتقريبها الى موقف جامع يوفر على الجلسة عناء المناقشة والوقت.

ونفت مصادر فريق الثامن ان يكون الحريري قد روّج لصيغة معينة او طلب ضمانات خطية كما اشيع. واستغربت «كل هذا الضجيج حول صيغ مكتوبة»، موضحة «ان ما تم التشاور فيه هو افكار لموقف موحد وجامع يصدر بعد جلسة مجلس الوزراء ويعلن الحريري على اساسه عودته عن الاستقالة».

وكانت مصادر سياسية مطلعة على أجواء المشاورات قالت خلال النهار: «الأجواء إيجابية عموما، ولكن حتى الآن لا توجد ترجمة عملية لهذه الاجواء، وهذا امر يبعث على التساؤل». ووصفت حركة الاتصالات بأنها «خطوة الى الامام وخطوة الى الوراء». وأشارت الى انّ الاتصالات الجدية انطلقت أمس، وعلى الخطوط كافة، ويجب انتظار نتائجها.

وأوضحت «انّ كل كلام عن انّ التأخّر في إعلان التسوية مَردّه الى نزاع خفي على صلاحية من سيدعو المجلس الى الانعقاد، رئيس الجمهورية ام رئيس الحكومة هو كلام غير دقيق»، وقالت ان البيان الذي سيصدر عن مجلس الوزراء سيتضمن الأسس والقواعد الجديدة التي ستحكم عمل الحكومة في مرحلة ما بعد هذا البيان».

وفي سياق متصل، علمت «الجمهورية» انّ مسودة البيان الحكومي تتضمن ما سُمّيت مسلمات جديدة، من النأي بالنفس الى عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من الدول وتحديداً العربية منها، وكذلك التشديد على «اتفاق الطائف» مرجعية نهائية حاكمة للنظام السياسي.

وحول هذا الموضوع، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره: «انّ الاجواء ما زالت ايجابية، لكنني ما زلت اقول «لا تقول فول ليصير بالمكيول»، علماً انني قدّمتُ لهم مخرجاً قبل ايام يمكن ان يساعد على إنضاج الحل». وفَضّلَ عدم الافصاح عن هذا المخرج.

بعبدا
وعَزت دوائر قصر بعبدا تأخر الدعوة الى جلسة مجلس الوزراء حتى ليل امس الى اتصالات اللحظات الأخيرة بين بعض المرجعيات لوضع اللمسات الأخيرة على التفاهم، لضمان ان تكون جلسة مجلس الوزراء مثمرة.

وقالت مصادر سياسية انّ جدلاً دار حول اسم الوثيقة المزمع وضعها، بين قائل بإطلاق اسم «وثيقة بعبدا» او «وثيقة النأي بالنفس». ولفتت الى انّ هناك تفاهماً على تحاشي تًسميتها «إعلان بعبدا».

وفيما تواصلت الاجتماعات والمشاورات بحثاً عن صيغة حل تُثبت النأي بالنفس، قالت مصادر «بيت الوسط» لـ«الجمهورية» انّ التفاهم على العناوين الأساسية بات أمراً واقعاً، وظلّ الحديث محصوراً ببعض العبارات والخطوات المطلوبة، وخصوصاً ما يتصل بالشق الإعلامي وضرورة وَقف الحملات الإعلامية الذي سيكون جديداً في مضمون هذه الوثيقة.

ولفتت المصادر الى انّ كل شيء يجب ان يكون مُنجزاً قبل يوم الجمعة، ليتسنى للرئيس الحريري المشاركة على رأس وفد وزاري واقتصادي واستشاري كبير في مؤتمر مجموعة الدعم الدولية للبنان، الذي سينعقد في باريس في اليوم نفسه.

الملف الانتخابي
وفي الملف الانتخابي، أحال وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، مشروع النظام الداخلي الذي أقَرّته هيئة الاشراف على الانتخابات بغية عرضه على مجلس الوزراء، تمهيداً للمصادقة عليه كما نصّت عليه المادة 14 من قانون انتخاب مجلس النواب رقم 44/2017. وفي إطار تحضيرات الوزارة للانتخابات المقبلة، ترأس المشنوق الاجتماع الدوري لكبار الموظفين المعنيين من أجل متابعة الاستعدادات وإعطاء التوجيهات.