على الرغم من تغني الكثيرين بالحوار ورفعهم شعارات الاستعداد للقبول به كمنهج، إلا أن ذلك لا يعدو أن يكون مطلبا من الآخرين دون أن يتحول لممارسة فعلية عند هؤلاء. يبرز كثيرون ممن يصادرون حق الآخرين في الحوار، ويضعون شروطا مغلظة حول الأسلوب والموضوع محل الحوار، وفي حال محاولة الخروج من هذه الدوائر الحمراء تثور ثائرة هؤلاء ويتشخصن الموضوع كله.
الحوار هو أسلوب ومنهج حياة، ومن يقرأ آيات القرآن الكريم يجد فيها أرقى أساليب الحوار بين مختلف الأطراف، وحول كل القضايا الخلافية، وفيه دعوة إلى الخروج من الصناديق المغلقة والانفتاح على أفكار وآراء وتوجهات الآخرين والحث على جدالهم وحوارهم وتبادل الرأي معهم.
لم تكن أساليب الإقصاء والتجهيل والتخوين والإخراج من الملة إلا من مناهج الضعفاء فكريا ومعلوماتيا والأقل حظا في العلم والمعرفة، بينما العالم الواعي يكون واثقا من نفسه في أن يكون محاورا منفتحا ومناقشا موضوعيا دون الحاجة إلى استخدام أساليب ووسائل التهكم والشتائم تهربا من الحوار البناء.
وعندما يدور الحديث عن الحوار، فإن هناك من يعتقد أن الحوار أمر مطلوب من الآخر المختلف والخارج عن دائرته، بينما إذا اقترب الموضوع منه فإنه لا يقبل بالرأي المختلف داخليا ويضع مختلف التبريرات لقمعه وإقصائه. ومنطلق الكثير من هؤلاء هو شعورهم بامتلاك الحقيقة والشرعية، وأنهم هم من يقررون – دون غيرهم – مجالات الحوار والنقاش ويمارسون دور الوصاية على المجتمع.
بالطبع هذه المشكلة عميقة ومتجذرة في المجتمع على الرغم من انفتاح العالم تكنولوجيا وتواصله بشكل مباشر، وتتركز أكثر في الوسط الديني الذي يرى أنه مصدر للشرعية. ومن نتائجها أنها تعيق أي إصلاح وابداع أو بحث جاد أو نقاش موضوعي أو حوار بناء، ولهذا فإن هذه الحالة تكبل المجتمع فكريا وتجعله يتشبث بأنماط ونماذج ثابتة لا تغيير فيها.
لا بد إذن من طرق مختلف السبل والوسائل للتعلم والتعود على الحوار لدى أبناء المجتمع، من خلال اللقاءات المفتوحة والنقاشات المتواصلة وابقاء الحوار ضمن حدوده من اللياقة والاحترام والموضوعية، وأن يكون الحوار هو ديدن أبناء المجتمع للتوصل إلى التفاهمات المشتركة في مختلف القضايا.