أعلنت وحدات حماية الشعب الكردية، العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، الأحد طرد تنظيم الدولة الإسلامية من شرق نهر الفرات في محافظة دير الزور الحدودية مع العراق بدعم روسي وأميركي على حد سواء.
ويعزز إعلان الوحدات الكردية عن وجود تنسيق أميركي روسي معها في شرق دير الزور، المؤشرات على توصل القوتين المتنافستين إلى اتفاق يقضي بدعم الأكراد ميدانيا بما يمنع الميليشيات الإيرانية من الاستفراد بالمنطقة الحدودية مع العراق، وأيضا لفرض إشراكهم في العملية السياسية، وهو ما ترفضه تركيا.
وأعلنت الوحدات الكردية في بيان الأحد من قرية الصالحية على الضفة الشرقية للفرات أنها “وبالتعاون مع العشائر العربية من أبناء المنطقة (…) حررت منطقة ريف دير الزور شرق الفرات من الإرهاب بالكامل”، وفقا لما جاء في البيان الذي تلاه المتحدث باسمها نوري محمود بحضور وفد عسكري روسي على ما نقلت وكالة أنباء “هاور” الكردية.
وتوجهت الوحدات الكردية بالشكر “للقوى الدولية والتحالف الدولي، وقوات روسية على تقديم الدعم الجوي واللوجيستي والاستشارة والتنسيق على الأرض”.
وهذه المرة الأولى التي تعلن فيها الوحدات عن دعم روسي لها في المواجهة مع تنظيم داعش في شرق سوريا، ويقول متابعون إن هذا الإعلان في هذا التوقيت بالذات يحمل أكثر من مغزى.
وكانت قوات سوريا الديمقراطية أكدت إثر إعلانها بدء حملة “عاصفة الجزيرة” في التاسع من سبتمبر في شرق الفرات عدم وجود اي تنسيق مع الجيش السوري وحليفته روسيا اللذين سبقاها في إعلان عملية عسكرية غربي النهر. كما اتهمت القوات في منتصف سبتمبر الطيران الروسي باستهداف مقاتلين لها في ريف دير الزور الشرقي، الأمر الذي نفته موسكو. وأعلنت الوحدات الأحد استعدادها “لتشكيل أركان وغرف عمليات مشتركة مع شركائنا في الحرب ضد داعش لرفع وتيرة هذا التنسيق وإنهاء الإرهاب بالكامل”.
ويرى مراقبون أن ما يحدث اليوم في الشرق السوري يعكس أن المفاوضات التي تتم خلف الأبواب المغلقة بين الولايات المتحدة وروسيا حول شرق سوريا قطعت أشواطا مهمة، بعد أن تأكد للولايات المتحدة أنها لن تستطيع تحقيق أي خرق في تلك الجهة، وخاصة في مواجهة إيران دون الدعم الروسي، وهو ما أشار إليه أيضا الناطق باسم قوات سوريا الديمقراطية المنشق طلال سلو في حوار نشر الأحد.
وقال سلو “حينما بدأت الحملة في باقي مناطق الجزيرة وشمال الفرات ضد داعش لم يكن لدينا أو لتنظيم وحدات حماية الشعب القدرة على إطلاقها، فهذه الحملة بدأت بإرادة الولايات المتحدة، والهدف لم يكن النفط أبداً، إنما الوصول إلى مدينة البوكمال والميادين قبل قوات النظام السوري. والهدف من الوصول إلى البوكمال والميادين، هو إنشاء حاجز بين سوريا والعراق.
وأضاف سلو “واشنطن حاولت مساعدة قوات سوريا الديمقراطية في البداية لكنها فشلت، لأننا تعرضنا منذ البداية لمضايقات روسية، حتّى أنّ البعض من العناصر قُتِلوا في هجمات للنظام السوري وروسيا، الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية كانتا تقاتلان جنبا إلى جنب، وكانت قوات النظام بعيدة، لكن عندما رأت واشنطن سرعة تقدم النظام باتجاه تلك المنطقة، قامت بتحريك قوات سوريا الديمقراطية، وهناك أمر لا يعلمه الكثيرون، وهو أنّ العديد من النقاط التي تمت السيطرة عليها تُركت للروس، ومنها منشأة كونكو للغاز، وحقول النفط الموجودة في أطرافها، وعندما تمّ تسليمهم هذه الحقول، توقفت قوات النظام عن التقدم”.
تصريحات سلو وإعلان الوحدات عن نجاحها في السيطرة على شرقي نهر الفرات بفضل الدعم الروسي والأميركي معا، يؤكدان أن روسيا والولايات المتحدة باتتا تعملان معا في شرق سوريا لتعزيز تقدم الأكراد في المنطقة الحدودية بين العراق وسوريا للحيلولة دون إطباق الميليشيات الإيرانية سيطرتها الكاملة على الجهة. وتعتبر إيران الحدود السورية العراقية نقطة محورية في مشروع حزامها الأمني الذي تسعى لتشييده ويبدأ من العراق فسوريا وصولا إلى لبنان، وهذا ما يفسر تولي الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني قيادة معركة البوكمال بنفسه.
والبوكمال هي إحدى أكبر المدن في محافظة دير الزور وقد كانت أحد المعاقل الرئيسية لعناصر تنظيم الدولة الإسلامية حيث ينتقلون عبرها بين العراق وسوريا.
وهذه المطامع الإيرانية تعتبر أحد الاسباب الرئيسية في عدم التوصل إلى تسوية للنزاع السوري الذي بلغ عمره سبع سنوات، والذي تسارع اليوم روسيا لإنهائه.
ويقول محللون إن روسيا رغم حاجتها إلى دعم إيران في الحرب السورية، بيد أن لديها الكثير من التحفظات على التمشي الإيراني الذي لا يتوافق وأجندتها، وقد يتحول إلى مشكل بالنسبة لها في المستقبل القريب.
ويشير المراقبون إلى أن التعاون الروسي الأميركي مع الوحدات الكردية في شرق سوريا لا يستهدف على ما يبدو فقط إيران بل وأيضا تركيا التي تعارض بشكل كبير وحدات حماية الشعب وتعتبرها تنظيما إرهابيا يتبع حزب العمال الكردستاني الذي يسعى منذ عقود لانفصال جنوب شرقي تركيا.
ويلفت هؤلاء إلى أن دعم روسيا والولايات المتحدة للأكراد شرقي دير الزور ربما من بين أهدافه هو تعزيز حظوظ مشاركتهم في العملية السياسية، حيث أن تركيا كما إيران لن تجدا القدرة على رفض وجود هذا المكون الذي يسيطر على ربع المساحة السورية في المسار التسووي.
ويذكر المراقبون بالدعوة التى أرسلتها موسكو إلى حزب الاتحاد الديمقراطي الذراع السياسية للوحدات قبل فترة لحضور مؤتمر الحوار الوطني السوري (لم يتم تحديد موعد انعقاده حتى اليوم) الأمر الذي أثار غضب أنقرة.
وكانت تسريبات قد تحدثت، الأسبوع الماضي أن مسؤولين أميركيين حاولوا الضغط على وفد المعارضة السورية لإشراك الاتحاد الديمقراطي في المفاوضات، وذلك على هامش اجتماعات جنيف8 التي تم إيقافها الجمعة على أن تستأنف الثلاثاء وتتواصل إلى حدود 15 ديسمبر الجاري.
وفيما تذهب التحليلات باتجاه أن الدعم الروسي الأميركي للأكراد يتم بعيدا عن تركيا وإيران للضغط عليهما يرى البعض أن ما يحصل خلاف ذلك وأن هناك توافقا بين جميع هذه الأطراف على الدور الكردي مستقبلا. ويبني هؤلاء رؤيتهم للمسألة على لقاء القمة الثلاثية الذي جرى الشهر الماضي وجمع في سوتشي كلّا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وركز في أحد جوانبه على الملف الكردي.
وسبق هذا اللقاء اتصالات أجراها الرئيس الروسي مع نظيره الأميركي دونالد ترامب والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز.
ويرجح المراقبون أن يكون بوتين نجح في إقناع أردوغان بأنه لا مناص من إشراك الأكراد في العملية السياسية، وأنه لا بد من أخذ مطالبهم بعين الاعتبار مع التشديد على أن كل ذلك سيتم تحت كنف السلطة المركزية في دمشق.
ويلفت هؤلاء إلى أن تعهد ترامب بوقف إرسال المزيد من الأسلحة إلى قوات سوريا الديمقراطية يهدف إلى تشجيع تركيا وحثها على وقف مطالباتها بإقصاء الأكراد.
ولوحظ في الفترة الأخيرة تراجع تهديدات أنقرة باجتياح مدينة عفرين في ريف حلب التي تسيطر عليها الوحدات، بعد أن كان المسؤولون الأتراك لا يتركون فرصة إلا ويهددون فيها بتنفيذ هذه الخطوة.