تتتالى الأزمات حول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وعلى الرغم مما يلاقيه من تراجع في الحضور والدعم الإقليميين لأنقرة منذ محاولة الانقلاب الفاشلة على نظامه يوليو عام 2016، لجهة شنه حملة اعتقالات تجاوز فيها معايير حقوق الإنسان، جعلته يفقد دعم حلفائه الغرب، ولجهة اعتماد استراتجية مرتبكة في نزاعات الشرق الأوسط نجمت عنها تداعيات خطيرة على اقتصاد وأمن بلاده، ها هو اليوم يواجه اتهامات بالالتفاف على العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران، يؤكد صحتها رضا ضراب رجل الأعمال التركي الإيراني الشاهد الذي يثير قلق النظام التركي، ما يجعل أردوغان أمام كابوس جديد وأزمة دبلوماسية جديدة مع الولايات المتحدة
 

تحدث رضا ضراب الذي يخيف الحكومة التركية والشاهد الأساسي خلال محاكمة في نيويورك، عن الالتفاف على العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، خلال الأسبوع الجاري، وعن تورط وزير سابق والرئيس رجب طيب أردوغان في ما يشكل كابوسا جديدا لأنقرة.

وكان ضراب رجل الأعمال التركي الإيراني البالغ من العمر 34 عاما، أوقف في مارس عام 2016 خلال رحلة عائلية إلى ميامي. وقد كشف للمحكمة الفيدرالية في مانهاتن أنه دفع بين مارس 2012 ومارس 2013 رشاوى تبلغ أكثر من خمسين مليون يورو لوزير الاقتصاد السابق ظافر شاجليان.

وهذا ما سمح له بفرض نفسه كوسيط أساسي لتجارة إقليمية معقدة لكن مربحة كانت تسمح لإيران عبر البنك الحكومي التركي بخلق بنك يضخ مليارات اليورو من عائدات محروقات في النظام المصرفي الدولي، على الرغم من العقوبات الأميركية التي تحظر التعامل التجاري مع طهران.

وبعد ذلك، تحدث ضراب الذي اعترف بسبع من التهم الموجهة إليه والموقوف حاليا في مكان سري بحماية مكتب التحقيقات الفيدرالي (اف بي آي)، عن تورط الرئيس التركي في الالتفاف على العقوبات.

وأكد هذا السجين الأنيق الذي كان يرتدي سترة سوداء وقميصا أبيض أمام العشرات من الصحافيين الأتراك متحدثا بالتركية بحضور مترجم، أن أردوغان عندما كان رئيسا للحكومة أصدر “تعليمات” ليشارك بنكان حكوميان آخران في هذه العمليات.

وهو يعني بذلك أن أردوغان كان على علم بالالتفاف على العقوبات، وإن كان الرئيس التركي يؤكد أنه ليس هناك أي شيء يؤاخذ عليه. لكن من أين جاء رجل الأعمال الشاب هذا الذي كان في الثامنة والعشرين من العمر عندما بدأ هذا النشاط مطلع 2012، بمعلوماته؟

خلال إفادته التي استمرت ثلاثة أيام قدم رضا ضراب الذي يلقب بـ”مستر رضا” نفسه، مدعما أقواله باتصالات هاتفية ورسائل إلكترونية، على أنه الشخصية الأساسية في شبكة واسعة من الشركات الإيرانية والتركية التي أنشئت بفضل اتصالاته مع الحكومتين التركية والإيرانية، وبفضل حسه التجاري.

لكن الرئيس التركي رد ضمنيا على اتهامات ضراب، الأحد، بقوله إن “رجال الأعمال الذين يحاولون نقل أصول إلى الخارج خونة”، داعيا حكومته إلى “إحباط مثل هذه المحاولات”.

وتابع “أرى مؤشرات وأنباء عن أن بعض رجال الأعمال يحاولون نقل أصولهم إلى الخارج، ومن هنا أدعو حكومتي في المقام الأول إلى عدم السماح إطلاقا بخروج أي منها (الأصول) لأن هؤلاء الأشخاص خونة”.

كما أكد الرئيس أن تركيا لن تخضع “لابتزاز” الولايات المتحدة في القضية التي يحاكم فيها مسؤول تنفيذي مصرفي تركي بتهمة انتهاك العقوبات الأميركية المفروضة على إيران.

وقال أردوغان إن معاملات تركيا تجري بما يتفق مع قرارات الأمم المتحدة، مضيفا أنها لا تتعارض مع التحالف القائم بين واشنطن وأنقرة. وأضاف لأعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم في إقليم موش شرق البلاد “ماذا فعلنا على سبيل المثال؟ اشترينا الغاز الطبيعي من بلد لدينا اتفاقية معه كي لا يواجه مواطنونا البرد في الشتاء. ومثل بقية البلدان تقيدنا قرارات الأمم المتحدة وتلتزم بها تركيا تماما”.

موهوب في العمل التجاري


ضراب يؤكد انتهاك الرئيس التركي للعقوبات الأميركية المفروضة على إيران
قال ضراب المولود في غيران ووصل في سن الطفولة إلى تركيا، إنه بدأ منذ سن السادسة عشرة يمتهن تجارة الشاي قبل أن يعمل لسنتين مع والده في شركة لصرف العملات كان والده يديرها في دبي.

بعد ذلك بدأ يشتغل لحسابه الخاص وأطلق شركات تعمل في مجال البناء والنقل البحري وصرف العملات. ويبدو أن فكرة مساعدة طهران في الالتفاف على العقوبات الأميركية جاءت من بائع مجوهرات تركي بدأ يحول المال الإيراني إلى ذهب ثم يعيد بيعه مقابل عملات صعبة ما يسمح بإخفاء المنشأ الإيراني لهذه الأموال.

وليفرض نفسه في هذه التجارة، اعتمد ضراب المعروف أصلا في تركيا بحياة البذخ التي كان يعيشها وبزواجه من مغنية تركية مشهورة، على علاقاته. وبعث رسالة إلى الرئيس الإيراني حينذاك محمود أحمدي نجاد، مؤكدا فيها أنه يريد مساعدة “وطنه الحبيب” في “الجهاد الاقتصادي” لفك طوق العقوبات التي تخنق طهران. وأشار في الرسالة إلى “نصف قرن من خبرة عائلة ضراب في صرف العملات”.

وانتعشت تجارته للاتفاف على العقوبات فعليا في 2012 عندما تعامل مع البنكين الإيراني “سرمايه” والتركي “خلق بنك” بمساعدة وزير الاقتصاد التركي السابق الذي دفع له رشاوى.

وازدهرت تجارته عبر تجارة وهمية للمواد الغذائية والأدوية بعدما استهدفت العقوبات الأميركية مبيعات الذهب، وكان ذلك بالتحديد منتصف 2013.لكن كل ذلك انهار في ديسمبر عام 2013 عندما اكتشفت الشرطة التركية التهريب. وقد استقال أربعة وزراء بينهم وزير الاقتصاد وأمضى رضا ضراب شهرين في السجن.

وبعد حملة تطهير قام بها أردوغان طالت قضاة ورجال شرطة، أفرج عنهم وتمت تبرئتهم مطلع 2015. وحصل ضراب في تلك السنة على لقب “أفضل مصدر” من تركيا بحضور مسؤولين في الحكومة التركية.

أزمة دبلوماسية مع واشنطن

لكن القضاء الأميركي كان يجري تحقيقاته. وقد قام بتوقيف ضراب في فلوريدا في 2016 واتهم ثمانية مسؤولين آخرين بينهم وزير الاقتصاد السابق. وأوكل ضراب محامين كبارا للدفاع عنه من أجل إطلاق سراح أحدهم الرئيس السابق لبلدية نيويورك رودي جولياني.

وأدان أردوغان القضية معتبرا أنها “مؤامرة سياسية” حاكها عدوه اللدود فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة. وقد مارس ضغوطا مضاعفة على واشنطن لإطلاق سراح ضراب ويبدو أن مسألة الإفراج عن ضراب طرحت خلال مفاوضات بين أنقرة والمستشار السابق للأمن القومي الأميركي مايكل فلين الذي اتهم الجمعة في التحقيق حول تدخل موسكو في الانتخابات الرئاسية الأميركية في 2016.

وتسببت المحاكمة في تدهور العلاقات المتوترة بالفعل بين أنقرة وواشنطن العضوين في حلف شمال الأطلسي مع إدلاء ضراب بتفاصيل في المحكمة عن مخطط للتملص من العقوبات الأميركية، قائلا إن أردوغان شخصيا أجاز لبنكين تركيين المشاركة في المخطط حين كان رئيسا للوزراء.

ووصفت أنقرة هذه الشهادة بأنها محاولة لتقويض تركيا واقتصادها، وسبق أن وصفتها بأنها “مؤامرة واضحة” من شبكة فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة والذي تقول إنه دبر محاولة الانقلاب التي وقعت العام الماضي.

وقال أردوغان في إشارة لتسريبات عام 2013 بشأن فساد حكومي اتهم معارضوه بالمسؤولية عنه “هذه القضية ليست أكثر من مخطط 17-25 ديسمبر الذي يجري تنفيذه عبر المحيط. عفوا ..لكننا لن نخضع لهذا الابتزاز”. وعلى الرغم من أنه لم يرد بعد على الاتهامات الموجهة في المحكمة وصف أردوغان القضية بأنها محاولة ذات دوافع سياسية يقودها غولن لإسقاط الحكومة التركية.