الولايات المتحدة الأميريكة لا تبدو بوارد التسليم بالأمر الواقع الذي فرضته إيران في العراق وسوريا عن طريق ميليشياتها التي أتاحت لها مشاركتها في الحرب على تنظيم داعش أن تفرض وجودها على أرض البلدين. وتتواتر الإشارات إلى أن واشنطن تعمل على تركيز وجود عسكري لها على الأراضي العراقية والسورية يكون مدروسا ومركزا لدائرة عمله في المفاصل الحساسة ومن بينها المناطق الحدودية
 

 يسلط التحذير الذي وجهته وكالة الاستخبارات المركزية لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، من استهداف المصالح الأميركية في العراق الضوء على نوايا واشنطن الواضحة إزاء النفوذ الإيراني في العراق وخططها لتحجيمه، وفقا لمراقبين.

وكشف مدير وكالة المخابرات المركزية، مايك بومبيو، أنه بعث برسالة إلى سليماني، أعرب فيها عن قلقه حيال إمكانية مهاجمة القوات الأميركية في العراق. وكانت إيران قد أعلنت قبل أيام أن رسالة أميركية وصلت بالفعل إلى سليماني، لكنه رفض فتحها.

وقال بومبيو، إنه بعث رسالة إلى سليماني “بعد أن أشار قائد عسكري إيراني كبير إلى أن قوات تحت إمرة بلاده قد تهاجم القوات الأميركية في العراق”.

وأوضح المسؤول الأميركي، قائلا “ما كنّا نتحدث عنه في هذه الرسالة هو أننا سنحمّل سليماني وإيران مسؤولية أي هجمات على المصالح الأميركية في العراق، من قبل القوات الخاضعة لسيطرتهم”.

وتابع “نريد أن نتأكد أنه والقيادة في إيران يتفهمان ذلك بطريقة واضحة وضوح الشمس”. وأشار بومبيو، إلى تنامي النفوذ الإيراني في شمال العراق.

ويُعرف عن سليماني، أنه القائد الميداني الفعلي، لعدد كبير من الفصائل العراقية المسلحة، التي تدين بالولاء لإيران، لكن عناصرها يحصلون على مرتباتهم من الحكومة العراقية.

ويقول مراقبون إن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي “ربما لن يمانع لو عملت الولايات المتحدة على تقييد حركة سليماني داخل الأراضي العراقية، وفي المنطقة عموما”.

ولعب سليماني دورا بارزا في إقناع القوات الكردية بالانسحاب من مناطق كانت تسيطر عليها خارج حدود إقليم كردستان، منذ اجتياح تنظيم داعش أجزاء واسعة من العراق صيف العام 2014.

وسمح الانسحاب الكردي، للقوات العراقية الاتحادية بتنفيذ خطة إعادة انتشار واسعة. واستغلت قوات تابعة للحشد الشعبي العراقي لكنها موالية لإيران، الفراغ الأمني في المناطق التي انسحبت منها القوات الكردية، وسيطرت على مناطق حيوية قرب مدينة كركوك الغنية بالنفط.


مايك بومبيو: سنحمل سليماني مسؤولية أي هجمات على المصالح الأميركية في العراق
وقبل ذلك، وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، سمحت مشاركة الحشد الشعبي في الحرب ضدّ تنظيم داعش، لفصائل مسلحة موالية لإيران، بالحصول على مواطئ قدم في مناطق ذات غالبية سنية عربية أو كردية في شمال العراق.

واعتبر ذلك بمثابة سيطرة إيرانية ميدانية على المناطق العراقية، بعد أن كان النفوذ الإيراني في العراق مقتصرا على التأثير على القرار السياسي في البلد عن طريق نخب شيعية حاكمة.

ويسبّب ذلك قلقا شديدا للولايات المتحدة أكبر المتنافسين عل النفوذ في العراق.

وبعد أن وصلت الحرب على تنظيم داعش نهايتها، لا تبدو واشنطن بوارد التسليم بالأمر الواقع الذي فرضته إيران في العراق، وأيضا في سوريا المجاورة.

وتتواتر الإشارات إلى أن الولايات المتحدة تعمل على تركيز وجود عسكري لها على الأراضي العراقية، يكون مدروسا ومركّزا لدائرة عمله في المفاصل الحساسة ومن بينها مناطق الحدود بين سوريا والعراق لقطع خطّ التواصل البرّي الحرّ الذي عملت إيران على إنشائه بين طهران ودمشق ثم بيروت عبر الأراضي العراقية.

وكشف بومبيو، عن مضمون رسالته التي وجّهها إلى سليماني، بالتزامن مع جدل يدور بشأن وصول قوات أميركية كبيرة إلى مدينة كركوك.

وتتحدث وسائل إعلام محلية عن المئات من الجنود الأميركان الذين وصلوا، خلال الأيام القليلة الماضية، إلى قاعدة عسكرية في كركوك، لتعزيز وجود قوات بلادهم هناك.

وتتحدث مصادر عراقية مواكبة للتطورات عن “مخاوف أميركية من أن يسمح وجود الحشد الشعبي قرب كركوك، لفصائل موالية لإيران، بالسيطرة على آبار النفط العملاقة الموجودة في المنطقة”.

وسبق لنائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، أبومهدي المهندس، الذي وصفته الخارجية الأميركية بالإرهابي، أن طلب من وزير النفط العراقي، أن يلعب الحشد الشعبي دورا في تأمين آبار النفط في كركوك. وتقول المصادر إن “القوات الأميركية في كركوك، تراقب حركة بعض فصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران في المنطقة”.

وتضيف المصادر أنّ “عشرات الآلاف من السكان الأكراد في كركوك، يخشون أن تنفّذ ميليشيات شيعية موالية لإيران عمليات تطهير ضدهم”، مشيرة إلى أن “تكثيف الوجود العسكري الأميركي في كركوك، ربما يهدئ من هذه المخاوف”.

ويطالب مشرّعون أميركيون الرئيس دونالد ترامب باعتماد لائحة جديدة من الجماعات المصنفة إرهابية، تضم ثلاث مجموعات عراقية، تعمل تحت لواء الحشد الشعبي.

وفي أقصى غرب العراق، تعمل القوات الأميركية على دعم ميليشيات مسلحة سنية لسد الفراغ الأمني في عدد من المناطق التي استعادتها القوات العراقية من تنظيم داعش. وشكّل ظهور فصائل مسلحة شيعية موالية لإيران في منطقة القائم الحدودية، بين العراق وسوريا، مؤخرا، مؤشرا على نوايا طهران الرامية إلى السيطرة على معبر بري واحد على الأقل، بين العراق وسوريا، لتأمين التواصل بين الأراضي الإيرانية والأراضي اللبنانية، لضمان استمرار تدفق الدعم الإيراني لجماعة حزب الله التي يتزعمها حسن نصرالله.

وتقول مصادر “العرب” إن “القوات الأميركية منحت الحشد العشائري السني، الذي ينحدر جلّ مقاتليه من محافظة الأنبار، امتيازات تسليحية ومالية ليكون قادرا على تأمين مناطق حدودية بين العراق وسوريا منعا لسيطرة فصائل شيعية عليها.

ولا يستبعد مراقبون حدوث احتكاكات محدودة بين القوات الأميركية ومجموعات مسلحة موالية لإيران على أرض العراق. لكنهم يقولون إن الحديث عنها سابق لأوانه.