فيما تنشغل القوى السياسية بتريّث رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري في استقالته، بدا أنّ مخيمَ عين الحلوة يشهد تحضيرَ «مخطّطٍ ما» فلسطيني، بدأ غداة انتهاءِ معركة «فجر الجرود» وانسحابِ آخر المجموعات الإرهابية من لبنان، ويقضي بتفريغ المخيم من الإرهابيين الخطِرين المطلوبين فيه نتيجة الضغط الكبير الذي فرضته الأجهزةُ الأمنية اللبنانية.
وفي هذا الإطار، تؤكّد مصادرُ وزارية متابعةً هذا الملف لـ«الجمهورية»، أنّ الإجراءات التي اتّخذها الجيش والضغط الذي تمارسه القوى الأمنية والعسكرية على الجهات الفلسطينية، كانت أضحت ضروريةً في الآونة الأخيرة، في ظلّ تقاعس تلك الجهات عن واجباتها بعدما كان الجيش وفى في الفترة الماضية بكل تعهّداته وقدّم التسهيلات اللازمة مُبدِياً الاستعدادَ للتعاون مع الجانب الفلسطيني.
وتكشف هذه المصادر، أنّ الجانبَ اللبناني قدّم كل الفرص لعدم تعريض المخيم لنكبةٍ أخرى، وكان حريصاً على حياة سكانه حتى عند تنفيذِه عملياتٍ أمنية نوعية مثل عملية توقيف عماد ياسين، إلّا أنّ الجانبَ الفلسطيني كان دائماً يتهرّب من التزاماته لحجج عدة منها الإنقسام الفلسطيني والعجز عن حسم هذا الموضوع مثلاً، سامحاً للبؤر الأمنية الإرهابية بالاتّساع والانفلاش، وفاتحاً المجالَ أمام كل إرهابيّ مطلوب للعدالة لإيجاد ملجأ له داخل المخيم.
وتوضح المصادر أنّ عددَ المطلوبين الأساسيّين داخل المخيم هو 35 وأنّ مَن يُشار الى هروبهم يشكّلون مجموعةً لا تتخطّى الـ5 أشخاص لا دليلَ مؤكّداً حتى الساعة الى هروبهم، أما مَن سلّموا أنفسَهم فهم من الصف الثاني والثالث من الإرهابيين الذين يهدفون الى تنظيف ملفّاتهم مستفيدين من الفرصة التي أتاحتها الدولة اللبنانية بإخضاعهم لمحاكمةٍ عادلة وإقفال هذه الملفّات.
وتؤكّد مصادرُ أمنية لـ«الجمهورية» في هذا السياق أنّ كل الكلام الذي يُقال عن صفقة أو مساومة مع الإرهابيين ليخرجوا من المخيم لم يكن صحيحاً، لأنّ القرارَ الرسمي اللبناني والذي يحظى بغطاء جميع الأطراف هو أن يسلّم الإرهابيون أنفسَهم، إذ إنّ الدولة لا تبرم صفقاتٍ مع مجموعات إرهابية وإرهابيين وأن لا خيارَ أمامهم سوى تسليم أنفسهم للعدالة وإلّا سيُعتَقلون سواءٌ طال الزمن أو قصر.
الإرهابيون فرّوا؟
تؤكّد مصادر سياسية لـ«الجمهورية» أنّ البلبلة التي يشهدها مخيم عين الحلوة حالياً حول فرارِ إرهابيّين منه مردُّها الى أربعة أسباب:
• المصالحة بين حركتي «فتح» و«حماس» التي خفّفت من وطأة الضغط والانقسام الذي كان موجوداً، خصوصاً أنّ هذه المجموعات الإرهابية تخفّت في بعض الفترات تحت عباءة «حماس» معتبرةً أنّ الأخيرة تحميها كونها «حركةً إسلامية وقريبةً من الإسلاميين».
• الهزيمة الكبرى التي مُني بها المسلّحون في الجرود، ما سدّد ضربةً معنويّة كبيرة لهذه المجموعات الإرهابية، وحدّ من قدرتها على التحرّك وإنشاء قواعد لوجستية خارج المخيم لتأمين إرهابيّين أو مواد متفجّرة وغيرها، فضلاً عن أنّ الإجراءات الأمنية المتّخذة باتت أشد، حيث بات تحرّكُهم وتنفيذُهم عملياتٍ إرهابية أصعب، وذلك نتيجة العمليات الإستباقية الناجحة التي نفّذتها الأحهزة الأمنية اللبنانية.
• الإجراءاتُ الأمنية أو الحصار المُحكَم للجيش في محيط المخيم والإجراءات المتَّخذة وانتهاء معركة «فجر الجرود» التي أتاحت نشرَ وحدات الجيش على الأراضي اللبنانية كافة بعدما كانت سُحبت للمشارَكة في المعركة، إضافة الى أنّ السورَ الذي يُشيّد حول المخيم صعّب على الإرهابيين التحرّك.
• قضية «عصبة الأنصار» والقرار الظنّي الذي صدر بحقها في قضية اغتيال القضاة الأربعة، خصوصاً أنها أدّت دوراً أساسياً في الفترة الأخيرة حيث كانت نوعاً من «وسيط» بين الأطراف الفلسطينيين واللبنانيين والجماعات الإرهابية، فكانت تتدخّل عند كل إشكال.
مع العلم أنّ العصبة لو خاضت المعركة الى جانب القوى الفلسطينية ضد الإرهابيين لكانت السيطرةُ على المخيم أسهل، كما أنها لو وقفت الى جانب الإرهابيين لكانت مهمةُ القضاء عليهم مستحيلة، من هنا كان لهذه «العصبة» دورٌ أساسي في التوازن القائم في المخيم والذي أتاح للإرهابيين الاحتفاظ بالقوة في المخيم.
وفي الفترة الأخيرة تحوّل عددٌ من القيادات الإرهابية «مقاولين» لحماية المطلوبين المتوارين في المخيم، وأبرزهم فضل شمندر الملقب «فضل شاكر» والذي بعث برسائل عدة عن تعرّضه لابتزازٍ ماليٍّ كبير وعن دفعه كثيراً من المال ليؤمّن الحماية لنفسه وللموجودين معه، ما تحوّل مصدرَ دخل أساسي لمجموعة كبيرة من هؤلاء الإرهابيين الذين باتوا لا يخطّطون لعمليات إرهابية بمقدار ما يركّزون على الابتزاز المالي للمطلوبين المتوارين في المخيم.
تدخّلات خارجية
تتقاطع التحليلاتُ على أنه لم يحن وقت إنهاء ملف «عين الحلوة» لوجود تشابكات وتداخلات إقليمية واستخبارية كبيرة، وأنّ المجموعات فيه تعمل لخدمة أجندات خارجية، منها لتصفية حسابات مع أطراف لبنانيين آخرين ومنها لتصفية حسابات فلسطينية داخلية، إلاّ أنّ الأكيدَ هو أنّ ما يحصل هذه الفترة لافتٌ سواءٌ كان صحيحاً أو لا، فالحديث عن أنّ شادي المولوي هرب من «عين الحلوة» لم يؤكَّد حتى الآن، وسبق وقيل إنّ أحدَ العسكريّين المنشقّين كان هارباً معه وأصبحا في إدلب، إلّا أنه أوقف بعد أيام في صيدا على كورنيش المدينة البحري، كما أنّ المولوي نشر تسجيلاً صوتياً فيما كان ينتظر أن يظهر بالصوت والصورة مؤكِّداً أنه أصبح خارج لبنان، وهناك متابعةٌ لخيوطٍ يمكن أن توصلَ الى نتيجة في هذا الشأن، أحدها معلومة عن اتصاله بوالدته من تركيا.
من جهة أخرى، فإنّ الأسماء الأُخرى التي قيل إنها خرجت من المخيم لم تؤكَّد بعد لأنّ المعلومات التي روّجتها جهاتٌ فلسطينية لا تستند الى دلائل سوى أنّ أصحابَ هذه الأسماء متوارون، علماً أنّ هناك تضارباً في مواقف القيادات الفلسطينية حول هذا الملف.
وفي هذا الإطار، تؤكّد مصادر لبنانية لـ«الجمهورية» أنّ الإختراق محتمل، لكنّ الأكيد هو أنّ 35 موقوفاً من الأسماء الكبيرة لن يستطيعوا خلال فترة قصيرة الهروبَ الى خارج المخيم، لأن لا مجالَ للتسويات، خصوصاً بعدما أصبح لبنان أكثرَ قوّة في محاربة الإرهاب.
ربى منذر