يتزايد خلط الأوراق في الجنوب السوري. المناطق في القنيطرة والجولان ستكون في وضع دقيق وحسّاس في الفترة المقبلة. قبل نحو شهر، حصلت اشتباكات في بلدة حضر، لا يمكن اعتبارها تفصيلاً رغم محدودية الحادث ولملمته. وهذا الحادث لم يكن اشكالاً مذهبياً أو طائفياً، ولا بين معارضة وموالاة. تتخطى المسألة هناك تلك التفاصيل، لتطاول الاستراتيجيات، والتجاذب الكبير بين القوى على ذلك الخط المهم استراتيجياً. في رمزية المنطقة، فإن حضر تقع على مثلث بين لبنان وسوريا وفلسطين المحتلة. الهدف الإسرائيلي واضح منذ زمن. وهو إقامة منطقة عازلة هناك. لذلك، فإن الخشية الأولى من أي شرارة هناك، من أن تكون لإطلاق هذه المنطقة العازلة.
هناك من يريد وضع الدروز في تلك المنطقة في فوهة المدفع. عوامل متداخلة تتلاعب على خطّ النار هذا. للإسرائيلي أهداف معروفة. وللنظام السوري هدف أساسي بوضع الدروز في مواجهة السنّة، فيما للإيراني هدف أيضاً بالوجود على مقربة من ذلك الخط للضغط على الإسرائيليين أو لإيصال رسائل، أو لترابط الجبهات بين الجنوبين اللبناني والسوري. كل هذه العوامل، مهّدت لما حصل في حضر، التي تعرّضت لهجوم من مجموعة متظرفة تطلق على نفسها اسم جيش محمد، يرجح البعض أنها تابعة لجبهة النصرة.
يقول النائب وائل أبو فاعور لـ"المدن" إن ما حصل في تلك المنطقة أمر مريب للغاية. حين بدأ الهجوم، انسحبت قوات النظام السوري من المنطقة، والموالون له تواروا. فيما إسرائيل عملت على فتح السياج الشائك وادعت استعدادها للتدخل وحماية أهالي حضر، وحماية الدروز. لذلك، يتخوّف أبو فاعور من الفخ الذي ينصب للدروز، بالتواطؤ بين تلك القوى، لأن الأكيد أن المسألة أبعد من حضر، وتتعلق باستراتيجيات أكبر، لا تستهدف الدروز فحسب. ويعتبر أبو فاعور أن النيات الخبيثة أصبحت معروفة. فحين شنّت المجموعات المسلّحة الهجوم، فإن عناصر الجيش السوري والموالين له خرجوا من المنطقة، وتركوا التلال المشرفة عليها والتي تحميها، ولم يعودوا إلا بعد إنسحاب المسلحين. مقابل تآمر إسرائيلي، من خلال السماح للمجموعات المسلّحة بالوصول إلى البلدة على الخط المحاذي للحدود. ويؤكد أن من حمى القرية هم أبناؤها وعقلاؤهم.
لا شك أن أي أحداث تندلع على المقلب الشرقي من جبل الشيخ، يخشى أن تنعكس على المقلب الغربي، أي على المناطق اللبنانية المحاذية، والتي عاشت استنفاراً واضحاً تزامناً مع ما يحصل. فيما عملت الأجهزة الأمنية والعسكرية على تعزيز نقاط وجودها هناك تحسباً لأي طارئ. وقد اتُخذ قرار بمنع دخول أي لاجئين أو جرحى إلى تلك المناطق، لتفادي ما حصل سابقاً في منطقة عين عطا.
في السياق الأبعد لهذا الاشتباك، من الواضح أن هناك صراعاً على هذه المنطقة. الإسرائيليون يريدون إنشاء منطقة آمنة تمنع اقتراب حزب الله والإيرانيين من الحدود من الجهة السورية. ما دفع النائب وليد جنبلاط إلى تحذير الدروز من التورط في أي محاولة إسرائيلية إغرائية لهم، لأن ذلك سيكون مقدّمة لإطلاق شرارة تقسيم مناطق النفوذ في سوريا. ويستبعد أبو فاعور أي إنعكاسات لذلك على الواقع الدرزي اللبناني، إلا إذا ما حصلت مجازر لا سمح الله. ولكن الأمور، على ما يبدو، ذهبت نحو التهدئة.
بدأت شرارة الإشكال، وفق بعض الفصائل السورية المعارضة، حين أرادت خوض معركة فك الحصار عن بيت جن، البلدة السورية المقابلة لبلدة شبعا اللبنانية. لذلك، شُن الهجوم على مواقع النظام السوري وحزب الله، لفتح الطريق بين حضر وبيت جن. ولم تكن بلدة حضر مستهدفة ولا حتى الدروز.
في المقابل، هناك من يعتبر أن هذا الهجوم جس نبض لواقع حزب الله في تلك المنطقة، ولما يمكن أن يفعله على الحدود، في ظل التصعيد السياسي بينه وبين إسرائيل. وثمة من يتوقع أن تزداد العمليات في تلك المنطقة، في محاولات إسرائيلية لاستدراج الحزب إلى معركة، أو إلى اختبار مدى قوته هناك. لكن الأكيد أن لدى إسرائيل هدفاً أساسياً، وهو إبعاد حزب الله وإيران عن المنطقة الحدودية بمسافة 40 كيلومتر، وإذا لم يتحقق ذلك في السياسة، فهناك من يرى إمكانية إسرائيلية للاستمرار في توتير الأجواء هناك تمهيداً لهجوم عسكري، لتحقيق هذا الهدف.
الأكيد أن الضغوط الدولية في الفترة المقبلة، ستتركز على تلك المنطقة، إيران وحزب الله يرفضان الإنسحاب منها، فيما الضغط الدولي والعربي يدفع في اتجاه ذلك. فيما الكلمة الفصل في هذا الملف، ستبقى لروسيا. وهنا رهان السعودية. فإذا ما تراجعت إيران من هذه المنطقة، فهذا يعني أن ذلك مقدمة لتراجعات في مناطق أخرى، وإذا ما بقيت، يعني أن الرهان السعودي على الروس، قد فشل مجدداً.