هناك مطلبان عربيان حاضران على الطاولة الإقليمية والدولية ويتعلقان بسوريا ولبنان. المطلب الأول: وقف القتل والتهجير والتدمير في سوريا، والاتجاه نحو السلم الأهلي والسياسي. والمطلب الثاني المتعلق بلبنان: أن لا يظلَّ «حزب الله» المستولي على الدولة فيه يستخدمه منصةً لزعزعة الاستقرار في الدول العربية.
وفي المطلب الأول تحضر روسيا بقوة، وبسبب اقتراحها خفض التوتر في أربع مناطق، مع ترتيبات خاصة لجنوب سوريا، أمكن ارتفاع الحديث عن الاتجاه نحو الحل السياسي. وبخاصة أنّ موسكو وواشنطن اتفقتا على هامش مؤتمر في فيتنام على استبعاد الحل العسكري في سوريا. لكنّ موسكو تشعبت اتجاهاتها بعد فيتنام. فبينما اتفقت مع الولايات المتحدة على الذهاب إلى جنيف، دعا الرئيس بوتين لمؤتمر للشعوب السورية في منتجع سوتشي الروسي، أراد أن يحضره ألف سوري من سائر الأعراق والمناطق(!). بل وأراد أن تكون مهمة الاجتماع اشتراع الدستور السوري المستقبلي. وما تردد النظام (وأيد لاحقاً!)، بل تردد أيضاً الإيرانيون والأتراك، فدعا بوتين الرئيسين التركي والإيراني إلى سوتشي وحظي بموافقتهما. الأتراك ليس همهم الأول إنهاء الحرب، بل الاستيلاء على منبج وعفرين قبل بداية المسار السلمي، الذي يمكن أن يفوت عليهم هذه الفرصة لإجهاض المشروع الكردي في سوريا. أما الإيرانيون، والذين حصلوا أخيراً على الكوريدور الذي يريدونه، فلا يرون حاجة لجنيف، ويأملون الاستيلاء على كل سوريا قريباً، تحت ستار دعم النظام الممانع(!). لذلك اشتد القصف على الغوطة الشرقية المحاصرة، وتشاركوا مع الروس و«داعش» في محاولات الاستيلاء على إدلب وقرى شرق حماة، لدعم امتداداتهم وحماية الكوريدور، وحتى لا تظل المناطق العلوية مهدَّدة ولو من بعيد، باعتبارها جزءاً من «سوريا المفيدة». المهم أنّ الأطراف الأربعة توافقوا على مؤتمر سوتشي للشعوب السورية، ما دام المقصود الصرف عن جنيف. إنما بالتدخل الأميركي، وإقبال المملكة العربية السعودية على جمع المعارضة بالرياض استعداداً لجنيف، عاد الروس فأخروا اجتماع سوتشي إلى فبراير، لكي يذهب الجميع إلى جنيف ولمفاوضات مباشرة. لكن الآمال ليست كبيرة، بالنظر لمعارضة إيران والنظام، ومحاولات الروس للجمع بين المتناقضات!
ولنذهب إلى لبنان؛ فأصل الأزمة التي أدت إلى استقالة الرئيس الحريري ثم تريثه، هو استخدام لبنان من خلال «حزب الله» منصّةً لإطلاق الصواريخ على المملكة، ومحاولة زعزعة الأمن والاستقرار في عدة دول خليجية، إضافة لتدخلات الاستيلاء بسوريا ولبنان والعراق! واستناداً لذلك اجتمع مجلس وزراء الخارجية العرب، وأدانوا ذلك وسموا «حزب الله» بالاسم وقالوا إنه مشارك في الحكومة اللبنانية، لذلك فلبنان يتحمل أيضاً المسؤولية!
وخلال الأسبوعين الأخيرين، جرت وتجري مشاورات لتجديد إعلان النأي بالنفس الذي أُقرّ عام 2011، وقال الحزب وهو ماضٍ للقتال في سوريا، إنه لا يساوي الحبر الذي كتب به! الأمر صعب صعب، وحتى لو قيل لفظياً في جلسة لمجلس الوزراء، فإنه لا ضمانات لتطبيقه، وبخاصة أنّ خطط التدخل إيرانية، ولا يستطيع نصر الله (إن أراد!) مخالفتها. ومن روحاني إلى جعفري إلى ولايتي قيلت أمور كثيرة خلال الأيام الماضية لا تدعو للتفاؤل بكف الإيذاء. لكن هناك أمر آخر شديد الأهمية: فحتى لو حصلت الموافقة والضمانات، فإنّ لبنان لن يستفيد منها. بمعنى أنّ الاستيلاء بالسلاح على الدولة اللبنانية مستمر.
لكنّ تصريحات المتفائلين من الساسة تقول إنّ تغييراً سيحصل بالإيجاب. ودائماً باتجاه إقناع الحريري بالعودة عن الاستقالة، والباقي في علم الغيب. هناك قناعةٌ عميقة حتى لدى المعارضين لسلاح الحزب بأنّ الدولة اللبنانية لا تستطيع فعل شيء، وبأن مشكلة سلاح الحزب إقليمية ودولية. وقد بدت هذه المقولة حتى لدى جعجع المعارض لسلاح الحزب بشدة. إذ ذهب بعد مقابلته لرئيس الجمهورية إلى أنّ المطلوب الآن ليس نزع سلاح الحزب غير الشرعي، بل إن يكون القرار للدولة على الأرض اللبنانية(!)، مع علمه بأنّ قرار الحزب في عهد الرئيس الحالي هو فوق كل القرارات. فالموقف لهذه الناحية أيضاً لا يدعو للتفاؤل.
نقلاً عن "الاتحاد"