أولاً: حروب العزل الخاسرة
في خضم الحرب الأهلية اللبنانية الثانية عام ١٩٧٥، اقترفت الحركة الوطنية اللبنانية (اليسارية) أكبر غلطة في تاريخها، وذلك عندما رفعت شعار عزل حزب الكتائب اللبنانية (وقد اعترف بعض قادتها بذلك بعد انتهاء الحرب)، وكان حزب الكتائب في حينه، يُشكّل القاعدة الصلبة والواسعة للمعارضة (اليمينية) للوجود الفلسطيني المسلّح على امتداد الوطن، ولم تُؤد سياسة "العزل" تلك إلاّ إلى توسيع المساحة السياسية لحزب الكتائب في الأوساط المسيحية، وتكريسه المدافع الأول عن سيادة البلد واستقلاله في وجه السلاح الفلسطيني والوصاية السورية لاحقاً.
إقرأ أيضا : كيف فسر جعجع الحملة على القوات؟
ثانياً: حرب الإلغاء العونية
بدا اتفاق الطائف بداية التسعينيات من القرن الماضي المقدمة الضرورية لإنهاء الحرب الأهلية وقيامة الدولة اللبنانية ، وإذ عارضهُ بشدّة الجنرال عون، رئيس الحكومة العسكرية المبتورة آنذاك، وأيّدتهُ القوات اللبنانية بقيادة الدكتور سمير جعجع، وعند هذا المفترق أراد الجنرال عون توحيد "البندقية" في المنطقة الشرقية، فشنّ حرب الإلغاء الدموية بوجه القوات اللبنانية، وذلك تحت مظلّة السيادة والاستقلال للدولة، للدولة اللبنانية وحدها، والمفارقة الكبرى أنّ الجنرال عون في حينه كان المعرقل الأول لاتفاق الطائف، الاتفاق الذي يمكن له وحده أن يضع حدّاً للحرب الأهلية ولقيامة الدولة اللبنانية، في حين رأت القوات اللبنانية يومها (وهي ميليشيا مسلّحة تمتلك جيشاً شبه نظامي)، في اتفاق الطائف بداية ضوءٍ مشرقٍ في نفقٍ مظلم.
إقرأ أيضا : بعد انتهاء الأزمة الحكوميّة: مشهد جديد للعلاقات بين القوى السياسيّة والحزبية
ثالثاً: حرب العزل العونية
يخوض التيار الوطني الحرّ هذه الأيام، وبالتقاطع مع قوى سياسية رئيسية في البلاد حملة عزلٍ منظّمة بوجه القوات اللبنانية، في الوقت الذي باتت فيه القوات ذات مصداقية عالية في الأوساط المسيحية والوطنية على السواء، وإذ يحاول اليوم من تحالفت معهم القوات، ووثقت بهم وأوصلتهم إلى أعلى المراتب أن يقلبوا لها ظهر المجن، فإنّما يرتكبون غلطة تاريخية فظيعة، ربما تجلس مع غلطة الحركة الوطنية جنباً إلى جنب، بانتظار يومٍ ما يخرج علينا من يقول بأنّ عزل من لا يمكن عزلُه يبقى عملاً أخرق وفعلاً غير مسؤول، وسقطة سياسية، ولعلها أخلاقية إن كان ثمّة مجال للأخلاق في السياسة.