كتبت جنى جبور في صحيفة "الجمهورية": "ليس غريياً على لبنان أن يشهد كل فترة إنجازات تحققها أدمغة لبنانية شابة في مختلف المجالات، لا سيما العلمية منها. فهذا البلد الصغير بجغرافيته والكبير بأدمغته، يُذهل العالم بإبداعاته اللامتناهية، ولعلّ أحدث خطوة في هذا الإطار كانت ابتكار شاب لبناني ثياباً متطوّرة لعلاج عدد من الامراض. فكيف بدأت فكرة هذا الاختراع؟ ومتى يمكن للمرضى الحصول عليه؟ لطالما برع اللبناني في مختلف المجالات في العالم أجمع. فكم مِن مخترع من أصل لبناني أدهش العالم بابتكاراته العلمية، وكم مِن مصمّم أزياء لبناني شكّل فارقاً في دور الازياء صانعاً الموضى العالمية، الّا أنّ المهندس فؤاد مقصود الذي يحمل خلفية مختلفة تمكّن من صنع ثياب تحمل منحاً آخر، ما جعله يفوز بلقب أفضل مخترع في العالم العربي.

نظامٌ علاجيّ متكامل

كلنا نرتدي الثياب لغايات عدة، لكنّ فؤاد صمَّم ثياباً علمية علاجية، فعمل على اختراع يجمع بين الامور الهندسية والاخرى الطبية. وفي هذا السياق، قال حديث خاص مع المهندس البيتروكيميائي الحاصل على اجازة في الكيمياء وماجيستير في الهندسة الكيميائية، ودراسات الأبحاث العليا في قسم الهندسة الميكانيكية فؤاد مقصود الذي استهلّ حديثه شارحاً عن اختراعه، وقال: "استفدنا من مبادئ تقنية الـ"نانو" (Nano Technology)، وبدأنا استكشاف سبل دمجها في المواد التي نستخدمها بشكل يومي لمضاعفة وظائفها، فسمحت لنا هذه التقنية المتناهية الصغر، بضخّ جزيئيات صغيرة في القماش، فتمكنّا من تغيير تركيبته.

وفي هذا الاطار، عملتُ على اختراع آلة تضخّ الدواء داخل ثياب المريض التي جعلتُها عازلة للمياه والبكتيريا من الخارج، أمّا من الداخل فلديها نظام علاجي متكامل يضخّ الدواء الى الجسم ليعالج مشكلات صحية ثلاث: الاولى الحروق البالغة، الثانية التقرّحات التي يعاني منها مرضى السكري، والثالثة التشنّجات العضلية. ويمكن لهذه الملابس أن تكون قميصاً أو سروالاً أو جوارب، تعمل جميعها ضمن آلية عمل مبتكرة".

متى بدأت فكرةُ الإختراع؟

فؤاد الذي فاز في البرنامج الأكبر للعلوم والابتكارات في الشرق الاوسط "نجوم العلوم"، تمكّن من الوصول الى النهائيات في المسابقة التي ضمّت 8600 مخترع عربي، تأهّل منهم 133 الى التصفيات الاولية، ليبقى 9 اشخاص، وفاز فؤاد مقصود بالمرتبة الأولى، وحاز على أعلى علامات في تاريخ البرنامج اضافةً الى نسبة التصويت.

وأوضح مقصود: "تعرّفتُ إلى تقنية الـ"نانو" في الجامعة الاميركية في بيروت، وكنتُ واثقاً أنّ هذه التكنولوجيا لا يجب أن تبقى داخل جدران المختبر بل يجب أن تكون متاحة للجميع.

فبدأتُ التفكير بهذه الخطوة جدّياً وتحويلها لخدمة البشرية، ومن هنا انطلقت. وفي التفاصيل، بدأت الفكرة منذ سنتين، أمّا تصميم الابتكار فباشرت به منذ سنة ونصف في مختبرات "نجوم العلوم".

وعلى مدى 4 أشهر متواصلة عشت في المختبر ليلاً نهاراً، لإنهاء جمع هذه الآلة وتحويلها الى نموذج كامل متكامل. وتجدر الاشارة، الى أنّ الآلة المخترعة وزنها نصف طن، ويمكن أن تكون موجودة في المستشفى مثلاً، أو في معمل متخصّص لهذه الغاية، وهي كفيلة بتغيير طبيعة الثياب وتحويلها الى وسيلة علاجية".

تحدّيات عدّة!

أكّدت التجارب فعالية المنتج خلال المسابقة عبر ثلاثة أمور، وهي الوقاية من الماء وتنفّس القماش ومتانته. ولكن ما هي التحدّيات التي واجهت فؤاد مقصود؟ يجيب: «تنوّعت التحدّيات على مختلف الأصعدة لتشمل التحدّيات العلمية، المادية والمعنوية، ولكن تمكّن برنامج «نجوم العلوم» من حلّها.

فعلى الصعيد العلمي، ساعدت الجامعة الأميركية في بيروت كثيراً في هذا الموضوع، إضافةً الى المستشارين في البرنامج الذين قدّموا مساعدة علمية ممتازة. وعلى المستوى المادي تكفّل البرنامج بتغطية كل مصاريف الاختراع أي أكثر من نصف مليون دولار.

أمّا في ما يخصّ التحدّي المعنوي، فلم يكن من السهل الابتعاد من وطني وعائلتي، ولكن تغلّبت على ذلك بمجرّد أنني أمثّل بلدي واعمل على رفع اسمه عالياً، فكان لهذه الفكرة طعم من نوع آخر».

قريباً في السوق؟

بعد نجاح الاختراع الذي جعل من مقصود أفضل مخترع في العالم العربي، يتساءل الجميع متى يمكن أن تصبح هذه الآلة في متناول المرضى؟ وبحسب مقصود: «تمكنّا من الحصول على براءة اختراع من الولايات المتحدة الأميركية، ولكن في المنحى الطبّي هناك بعض الخطوات والموافقات التي يجب الحصول عليها كموافقة ادارة الدواء والغذاء FDA، ونحن نعمل على ذلك، ولكنّ الموضوع بحاجة لبعض الوقت ونحن سائرون على هذا الدرب».

كما كشف مقصود لـ«الجمهورية» أنّ هناك بعض الاضافات، التي يعمل على زيادتها على هذه التكنولوجيا، وفضّل عدم الإفصاح عنها مشيراً الى أنّه «سيتكلّم عنها، عندما ينجح بإضافتها».

«لنكبر كلنا سوا»

لا يمكن خلال محادثة مقصود إلّا لمس الحماسة والثقة العالية في النفس التي يتمتّع بها الشاب إبن الـ25 سنة، ناهيك عن تواضعه وحبّه لوطنه، هو الذي أكدّ أنّ «هذه التكنولوجيا الجديدة تشبه جيلنا، ونحن قادرون على تطويرها لتخدم الهدف الطبي الذي كان وراء اختراعها».

أمّا عن مشاريعه المستقبَلية، فلفت الى أنه يطمح إلى «رؤية المرضى يرتدون اختراعه بأسرع وقت ممكن، ما يُسرّع على المريض عملية الشفاء والتخفيف من آلامه، ومساعدته على اكمال حياته بشكل طبيعي، خصوصاً مرضى الحروق البالغة».

وختم حديثه متوجّهاً الى الشباب اللبناني، وقال «النجاح كان الخطوة الأولى ولا يمكن التوقف عند هذه الأبحاث، بل يحب أن نعمل ليلاً نهاراً للوصول الى تكنولوجيا متطوّرة تخدم المريض.

وأنا أعلم اني في بداية مسيرتي، ولا اقول هذا من أجل المثاليات، بل أنا شخصياً لمستُ أنه حتّى لو كانت الأمور أصعب علينا من غيرنا في هذا البلد الصغير، لدينا مقوّمات فكرية يجب استغلالها، وكل إنسان يمكن أن يخترع ويحوّل حلمه الى واقع مهما كان اختصاصه. لذلك، أدعو الشباب والشابات الجامعيّين التوجّه نحو الأبحاث الطبّية، من أجل مواجهة التطوّر الذي يشهده العالم ككل.

وكما صوّت لي الجميع من كلّ لبنان لأفوز، بل ليفوز لبنان، يجب أن نتّحد من أجل عالم الابتكار والتكنولوجيا لاسيما أنّ مجتمعنا اللبناني باستطاعته استيعاب هذه الامور، ولديه مقوّمات أكثر من غيره بكثير، ونحن نقوم بتصديرهم الى الخارج بينما الهدف أن يبقوا في لبنان «لنكبر كلنا سوا».

الإبداع اللبناني

منذ سنتين تقريباً فاز الطبيب اللبناني عدنان البكري بالجائزة الأولى في مسابقة أجرتها مجلة «Bonjour Idée» في باريس للابتكارات الجديدة، حيث حلّ مشروعُه لتطوير الطبّ الإلكتروني «E-Health» في المرتبة الأولى، والسنة تصدّر اختراعُ فؤاد مقصود العالم العربي، وغيرهما هناك الكثيرون.

ولكن، لماذا نحن دائماً بانتظار الخارج لمعرفة قدرات أبناء وطننا، ولنحتفل بإنجازاتهم عندما قد يعودون ناجحين بها الى لبنان؟ وكم من «فؤاد» و«عدنان» يوجد بيننا؟ ألم يحن الوقت لتسليط الضوء على شبابنا ليبرعوا ويكتشفوا قدراتهم ويفيدوا بلدهم؟