تمكّنت القوات اللبنانية من اجهاض التعديل الوزاري، الذي يبحثه الرئيس سعد الحريري مع الوزير جبران باسيل. لم تخطط القوات لاجهاض التعديل، لكنه بالتأكيد كان يهدف إلى إقصائها عن الحكومة. في الأيام القليلة الماضية، كثرت الحملات ضد القوات، من التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، وكان هناك ما يجري تحضيره، لتوفير ثلثي مجلس الوزراء، لفرض إقالة وزراء القوات من الحكومة. لكن هناك من عارض هذه الخطوة، لأنها ستؤدي إلى تحويل القوات إلى ضحية لهذه التسوية. ما سيدفع رئيسها سمير جعجع إلى إعلان الثورة، وحصر شعارات 14 آذار به وحده، بمواجهة هذه التسوية، وسيكون لذلك نتائج إيجابية جداً لمصلحة القوات في الانتخابات المقبلة.

بالإضافة إلى عدم تحويل القوات ضحية، قد تقودها إلى إحداث تسونامي انتخابي، فإن أسباباً أخرى أدت إلى إلغاء البحث في التعديل الوزاري، على رأسها معارضة كثير من الأفرقاء ذلك، لأن الإنتخابات قريبة، ولأن عدد المطروح استبدالهم أصبح كبيراً، وهو بحاجة إلى جلسة ثقة في مجلس النواب ويرفضه الرئيس نبيه برّي حالياً. إذ كان التيار الوطني الحر يريد استبدال الوزارء، يعقوب الصراف، رائد خوري ونقولا تويني، فيما تيار المستقبل يريد استبدال الوزيرين جمال الجراح بسبب خلافات معه، والوزر معين المرعبي لأنه مزعج في السياسة، والزمن زمن تسوية.

لدى القوات اللبنانية قناعة تترسّخ يوماً بعد يوم، بأن ثمة من يحاول تكرار سيناريو عزلها مجدداً. مقاربات كثيرة تتطابق مع حقبة توقيع إتفاق الطائف، يستعيدها القواتيون في ذاكرتهم، أو كانوا يتركونها في خلفيات أفكارهم، عادت وتقدّمت على ما عداها. طال اللقاء بين الحريري وجعجع، وهو بالتأكيد سيحصل عاجلاً أم آجلاً، لكن بمعزل عن مضمونه وما سيخرج عنه، فإن القوات تستشعر خطر المواجهة وحيدة، واستعادة مشهدية غدراس طوال السنوات التي رفض فيها جعجع الدخول في تسوية غير متكافئة، رفض جعجع حينها توزيره، كما رفض الهروب، وأصرّ على المواجهة، فلاقى مصيره في السجن. اليوم، عرض على القوات مقاعد وزارية، وافقت عليها، وسجّلت ولا تزال اعتراضات على الأداء، وصولاً إلى طرح الاستقالة بسبب اختلال التوازن، لم تجد حليفاً يساندها.

حين تقدّم الحريري باستقالته، سبقته القوات ولاقته، وأعلن جعجع أنه لا يمكن البقاء في هذه الحكومة. أراد جعجع أن يوفر الغطاء السياسي الداعم للحريري وخياره، كي لا يكون وحيداً، وكل المواقف التي أطلقها، كانت مبنية على قناعة جعجع بما يسمى، افتراضاً، "تحالف مقدّس" مع الحريري، ويؤمن بتوجهات 14 آذار. وبناء على هذه المواقف والمعطيات، أعلن جعجع مواقفه التصعيدية، وذلك لهدف سياسي أساسي، هو إبعاد شبح الأقاويل التي رافقت وجود الحريري في السعودية، وكي لا يكون الحريري وحيداً في ذلك، وأجبر على هذه الخطوة. أراد جعجع أخذ الموقف "بصدره" والقول أنا في لبنان، وأوافق على الاستقالة وأتمسك بها.

لكن حسابات الحقل اختلفت عن حسابات البيدر، كان جعجع يرمي إلى إعادة لم شمل 14 آذار. وهي فكرة كان قد طرحها أكثر من مرّة سابقاً، فيما حسابات الحريري أو المقربين منه، في مكان آخر، إذ تركّز بحثهم على كيفية لملمة الموضوع، وطي صفحة الاستقالة عبر إيجاد مخرج للحفاظ على ماء الوجه، واستعادة الحكومة وتأمين استمراريتها.

دقّت استقالة الحريري وتداعياتها، وتعاطي لبنان الرسمي، وتيار المستقبل معها، ساعة حصار القوات. بدأت حملة التشهير والتخوين، إذ وصف مستقبليون جعجع بأنه "شكى الحريري لدى ولي العهد السعودي". الأمر الذي تستسخفه القوات، وتردّ عليه بالقول: "نحن من سبقنا الحريري إلى تغطية موقفه، وهو يعرف من هو جعجع، الذي يقول ما له وما عليه، بالحضور كما بالغياب". يضيف القواتيون: "هل هذا عمل في السياسة، أم تلاعب بين أطفال؟ هل حين يطرح شخص رأيه السياسي، أو يقدّم تحليله لآخر التطورات في لبنان بموضوعية وواقعية، يكون من كتبة التقارير؟ هذه كلها اختباءات خلف الأصابع لأن المراد مختلف، والمقصود هو إحراج القوات.

تعتب معراب كثيراً على الحريري. ثمة خشية لديها من أن تنجح كل محاولات إيقاع الشرخ بينها وبين المستقبل. هناك من يعتبر أن كثيرين سيستثمرون في الأزمة الحالة، لا سيما التيار الوطني الحر، حزب الله، حركة أمل، لاستمالة الحريري انتخابياً ونسج تحالف بوجه القوات، لتركها وحيدة في الساحة. لكن، في معراب، ثمة من يقابل هذا الكلام بترحاب، فالقانون الجديد واضح، وتحالف من هذا النوع، يعني أن جعجع سيتحول إلى تسونامي.