بعد طول انتظار انعقد مؤتمر الرياض2 بحضور عدد من ممثلي جماعات المعارضة السياسية والمسلحة، وممثلين عن منصات المعارضة المعروفة في القاهرة وموسكو وشخصيات مستقلة. ومثل عادة كل المؤتمرات السورية التي درجنا عليها منذ انعقاد المجلس الوطني السوري 2011 وما بعده، فان البعض استبق المؤتمر بإعلان معارضة انعقاده، ورفض المشاركة فيه، فيما ذهب قسم من الهيئة العليا للمفاوضات التي انتخبها الرياض1، وكان يفترض ان يكونوا مشاركين في الرياض2 الى اعلان استقالتهم من الهيئة، مما يعني عدم مشاركتهم في الرياض2.
وسط هذه التفاصيل وغيرها، انعقد المؤتمر، وقام بما تقوم به المؤتمرات المماثلة. فاقر بياناً تعريفياً، حدد فيه رؤيته للقضية السورية والموقف منها، والمهمات التي يأخذها على عاتقه في المرحلة المقبلة، وانتخب ايضاً الهيئة العليا للمفاوضات الجديدة، وعين منسقها العام، وأسماه في الوقت نفسه رئيساً للوفد المفاوض.
وكما هي العادة. فقد قوبلت نتائج المؤتمر بردات فعل متفاوتة، البعض ايد النتائج، واخرين اعترضوا، والبعض اخذ موقفا وسطاً. لكن اغلبية السوريين ظلت صامته، ليس لان الأكثرية، اعتادت الصمت في سنوات السابقة بفعل ما أصابها، ولحقها من كوارث. بل لانها تأمل بخطوة ما، تقربها من نهاية الكارثة، التي صار السوريون وسوريا في عمقها. خطوة تضع القضية على سكة تغيير عميق للواقع السوري في اهله وكيانه.
ماجرى كله، سلوك درجت عليه أوساط المعارضة، التي عرفناها وشاركنا فيها، واعتدنا على مواقفها وردات فعلها، وكثيراً ما ألفنا التبريرات، التي يسوقها المعترضون، او المؤيدون لدعم مواقفهم، بل اننا درجنا على رؤية أسماء تشارك المعترضين اعتراضاتهم، وتدعم وجهات نظر المؤيدين وتقويها الى درجة التباس مواقف هذه الأسماء، فلم نعد نميزهم بين المؤيدين والمعارضين!.
احد الأسباب الرئيسية في التباسات الموقف من مؤتمر الرياض2، ان النخبة السورية، ضيعت البوصلة الرئيسية للقضية السورية، باعتبارها قضية شعب عانى ما عاناه من قتل وتشريد وتهجير غير مسبوقين، وحولتها الى قضية مكاسب تنظيمية او شخصية، مرتبطة بما يمكن ان تحققه من مواقع ومكاسب في أي نشاط يحصل، او يتم القيام به، والبعض من أعضاء النخبة السورية، اختلطت عليه الاجندة المفترضة، وضاع مابين الهدف الرئيس للسوريين وهو التغيير العميق، والأهداف المرحلية المؤدية الى تحسين الموقف السوري والمراكمة على الخطوات المرحلية في خدمة الهدف الرئيس الذي هو هدف الثورة بالتغيير الشامل، وخلاص السوريين من نظام الاستبداد والقتل، وبناء سوريا جديدة لامكان فيها للاسد وبطانته، وفق ما اقرته المرجعية الدولية للحل السوري القائم على بيان جنيف1 والقرارات الدولية ولاسيما القرار 2254.
وبين الأسباب الرئيسية لما يحدث، حجم التدخلات الدولية والإقليمية، التي تجاوزت الضغوط السياسية والخطوات الإجرائية، ووصلت حد تركيز الوجود العسكري والسياسي المباشر، وتحويل القسم الأكبر من السوريين وجماعاتهم السياسية والعسكرية بمن فيهم نظام الاسد الى أدوات في خدمة التدخلات الدولية والإقليمية، والانتظام في سياق الاجندات المتصارعة في سوريا وحولها.
ولان الأمور على هذا النحو، ونحن نتابع ردة الفعل السورية لما بعد الرياض2، فان المطلوب وقفة سورية جادة، وتقييم موضوعي لواقع الصراع في سوريا وحولها، وسعي من اجل وجود سوري فاعل ومؤثر في القضية السورية، واذا كان ذلك كله محاطاً بصعوبات وتحديات كثيرة، لدرجة يراها البعض مستحيلة، فليس لدى السوريين شيء آخر يمكن القيام به اذا أرادوا ان يخرجوا من عنق الزجاجة.
ان التفكير المختلف في تقييم الوقائع، واستخلاص النتائج والمعطيات، وإعادة ترتيب الأولويات، ووقف حملات التخوين والهجمات الشخصية والتنظيمية غير الموضوعية، وتوحيد الجهود ما امكن على الهدف الأساسي، وجعل الخطوات والإجراءات المرحلية، تصب في سياق الهدف الرئيس، هي مهمات أساسية للنخبة السورية سواء كانت في مخرجات الرياض او غيره، او خارجهما، حيث لم يعد امام السوريين من مهمات أخرى.َ