أحد عشر يوماً، هي فترة صمت المسؤولين في السعودية وامتناعهم عن توجيه التهديدات إلى لبنان، منذ أن عاد رئيس الحكومة سعد الحريري إلى بيروت. وزير الخارجية السعودي عادل الجُبير، كَسَر صمت بلاده، بعد تهدئة سعودية فرضها تدخل الولايات المتحدة الأميركية. فقد استأنف الجُبير معاركه ضدّ حزب الله، موجهاً اتهامات غير مسبوقة إلى القطاع المصرفي اللبناني.

فخلال مشاركته في منتدى الحوار المتوسطي في روما، اتهم الجبير حزب الله بأنه «يستخدم البنوك اللبنانية لتهريب الأموال». هي محاولة جديدة لممارسة الضغوط على الاقتصاد اللبناني، وتهديده بغية هزّ استقراره، بعد أن تبين أنّ السعودية أوهن من أن تتمكن من التأثير مباشرةً في القطاع المصرفي، من خلال سحب ودائعها. فمجموع المبالغ الخليجية في المصارف اللبنانية لا يتجاوز الـ2.5% من مجموع الودائع التي تبلغ قرابة 160 مليار دولار. قرّرت السعودية نقل هجومها إلى مستوى مُتقدّم، لم تسبقها إليه واشنطن، التي تُعَدّ «قائدة» المعركة العالمية ضدّ حزب الله. فالولايات المتحدة الأميركية غالباً ما تتحدّث عن ضرورة منع حزب الله من استخدام القطاع المصرفي، من دون أن «تجرؤ» على اتهام القطاع المصرفي ككل، بتبييض الأموال لمصلحة «الحزب»، بل كانت تشدد على ضرورة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع الحزب من استخدام الصارف اللبنانية.
الطرف الوحيد الذي استخدم هذه التهمة في وجه المصارف اللبنانية هو إسرائيل، ما يؤكد مرّة جديدة التماهي الكبير وتقاطع المصالح بين السعودية والعدّو، رغم أنّ الجبير نفى أن يكون «لدينا علاقات مع إسرائيل ونحن بانتظار عملية السلام».
ووصف الجبير الوضع في لبنان بـ«المأساوي، لأنّ هذه الدولة اختُطفت من دول أجنبية عبر جماعات إرهابية. يُسيطر على لبنان ويهيمن عليه حزب الله». لذلك، يكمن الحلّ من وجهة نظر وزير مملكة الوصاية الجديدة على لبنان، بـ«نزع سلاح حزب الله وتحويله إلى حزب سياسي يعمل فى الإطار الوطني اللبناني. فلبنان دولة مهمة جداً للعالم العربي، هو نموذج للتعايش بين مختلف الديانات، ولا يمكن السماح بفشله. لن يكون هناك سلام في لبنان ما دامت هناك ميليشيا مسلحة».


 

داخلياً، من المفترض أن تُسجّل الثلاثاء المقبل، النهاية «السعيدة»، لـ«الكابوس» السعودي الذي كان يُعَدّ للبنان، إذ من المتوقع أن يعود مجلس الوزراء إلى الانعقاد، إن لم يطرأ أي جديد. رئيس الحكومة «المُحرّر» سعد الحريري، قرّر نهائياً طيّ صفحة إجبار المملكة له على تقديم استقالته، وذلك بعد أن نجحت الجهود الدبلوماسية للرئيس ميشال عون، بالتعاون مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، والنائب وليد جنبلاط، والأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، ووجود قرار وطني بالتمسك بـ«الإيجابية» والاستقرار. مسار المخرج لعودة الحريري إلى السلطة، كان قد أطلقه عون، يوم الاثنين الماضي، عبر إجراء مشاورات في قصر بعبدا، للكتل والأحزاب السياسية للحصول منها على إجابات عن الأسئلة الثلاثة التي طرحها الحريري كشرط لتجميد استقالته تمهيداً للعودة عنها: اتفاق الطائف، النأي بالنفس، والعلاقات العربية. وبحسب معلومات «الأخبار» فإنّ الصيغة التي سيعتمدها مجلس الوزراء ستتضمن التمسك «بالنأي بالنفس بما يتوافق مع المصلحة الوطنية اللبنانية».
وفي هذا الإطار، قال الوزير نهاد المشنوق بعد زيارته برّي، إنّ «دولة الرئيس كان واضحاً في أنّ الأجوبة عن هذه الأسئلة الثلاثة في البيان ستكون صارمة وأكيدة وواضحة وليست خاضعة لأي التباس». ومن جهة تيار المستقبل، «نحن مُصرون على أن يكون البيان واضحاً وينهي هذه الأزمة على خير وصدق وجدية وتماسك. ويجب أن يكون واضحاً أنّ الرئيس الحريري بكلامه عن التريث قصد تقديم مصلحة البلد وأمنه على أي شيء آخر». وأكد المشنوق أنّ «الانتخابات النيابية ماشية»، مُعلقاً بأنّ الكلام عن تعديل وزاري «غير جدي. فالفترة التي تفصلنا عن الانتخابات محدودة إلى درجة لا تسمح بالتفكير في هذا الأمر أو تنفيذه».
الانفراجة الحكومية الأسبوع المقبل، لا يبدو أنها ستنسحب قريباً على العلاقة بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية، التي تواجه العثرات يومياً. فقد أطلّ عضو المكتب السياسي في «المستقبل» الزميل جورج بكاسيني في حوار على شاشة الـ«Mtv» أمس ليُعلن أنّ الحريري «اطلع على محاضر لقاءات بعض المسؤولين السعوديين مع الشخصيات اللبنانية. وهو بصدد إعادة تقييم علاقته بالقوات اللبنانية وغيرها»، مشيراً إلى أنّ موقف عون مع الحريري «كان أفضل من كُثر كان يفترض أن يكونوا أوفياء له». وجدّد هجومه على النائب السابق فارس سعيد والوزير السابق أشرف ريفي والكاتب رضوان السيّد، قائلاً إنّهم «يريدون المواجهة بسواعد غيرهم ولم يسبق أن وُجد لهم أثر في المواجهات، وهم لا يجيدون إلا الصراخ والتحريض».
أما النائبة ستريدا جعجع، فقد أصدرت بياناً لا تستغرب فيه تعرّض القوات «لحملة منهجية مبرمجة»، لأنّها «تخوض معركة مزدوجة، الأولى وطنية ــ سيادية، والثانية ترتبط بالشفافية ومحاربة الفساد والتصدي للسماسرة الذين يعملون على تمرير الصفقات التي تفوح منها روائح الهدر. إنّ تكتل الأخصام السياسيين للقوات هو بحكم تحصيل الحاصل». لم تُوضح جعجع ما إذا كانت تعني تيار المستقبل أو التيار الوطني الحر بـ«الأخصام السياسيين»، ولكنها تحدتهم قائلة: «إنكم واهمون، فأنتم لم تستطيعوا النيل من القوات في أحلك الظروف».
من جهته، وصف نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، عون بأنه «رئيس أمين لأنه قال الحقائق كما هي، وشجاع لأنه لم يحسب حساباً لانزعاج أو تآمر. صدق مع شعبه ومع العالم بأن حزب الله هو مقاومة للإرهابين الإسرائيلي والتكفيري، وأنّ لبنان بحاجة إلى هذه المقاومة». وأكد قاسم أنّ حزب الله «مع عودة الحكومة إلى الانعقاد بكامل صلاحياتها وأعمالها، ومع تأكيد الشراكة الوطنية التي أنتجت رئاسة جمهورية وحكومة وقانوناً جديداً للانتخابات، ونحن مع معالجة أي قضية بالحوار الهادئ من دون المغالبة». أما بالنسبة إلى المشاورات التي أجراها عون، «فنحن مرتاحون إلى نتائجها، وهنا لا بدّ من رابح وخاسر. الرابح كل لبنان الذي يريد الاستقرار. والخاسر هم دعاة الفتنة الذين خرّبوا على أنفسهم أولاً، وفي كل حال ستكشفهم إن شاء الله صناديق الاقتراع، وسنرى أيضاً كيف تخربت تحالفاتهم التي كانوا يمنون النفس بها».
على صعيد آخر، وجه رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، رسالة إلى البرلمان التونسي المعترض على البيان الختامي لمجلس وزراء خارجية الدول العربية، يعتبر فيه أنّ الموقف التونسي «مُشرّف... وصرخة حقّ تُعبّر عمّا يجيش في نفوس وضمائر الملايين من أبناء أمتنا الرافضين للظلم والعدوان».