فيما غادر الرئيس سعد الحريري إلى باريس، مشيراً إلى أن الأسبوع المقبل سينطوي على إيجابيات، وفيما يزور الرئيس ميشال عون إيطاليا، يستمرّ الرئيس نبيه بري، بتوفير المخرج الآمن لرجوع الحريري عن استقالته، وإيجاد صيغة ملائمة لتثبيت النأي بالنفس مع حزب الله.
ثمة من يتحدث في تيار المستقبل عن رغبة بأن يستمر الحزب في إيجابيته وحرصه على الاستقرار، ويقدّم تنازلاً جوهرياً وعملياً في الداخل اللبناني. وهذا التنازل، وفق المستقبليين، هو أن يعلن الحزب حلّ سرايا المقاومة، أولاً لما يحققه ذلك من تقدّم في العلاقة بين الطرفين، وثانياً يرسّخ التسوية ويمنح الحريري ورقة قوّة جديدة، وثالثاً لأنه يؤدي إلى تهدئة الأمور وسحب فتائل التوتر على الأرض. ويستند بعض المستقبليين في طرحهم إلى توجه دولي ضاغط على حزب الله يطالب بضرورة حل الميليشيات المسلّحة.
لا جواب حتى الآن لدى حزب الله بشأن إمكانية تسليم هكذا ورقة، خصوصاً أن المنتصر لا يسلم أوراقه ولا يتخلّى عن نقاط قوته. ربما لم يطرح الموضوع بشكل جدّي أو رسمي بعد، لكن يجري تداوله في بعض الكواليس. أما بالنسبة إلى الحزب فيبدو التفكير في هكذا خطوة مستحيلاً، لاسيما أن السرايا التي تأسست في العام 1997، تعتبر جزءاً أساسياً ومهماً من منظومة الحزب، وليس من السهل التخلّي عنها.
عند تأسيس السرايا، كان حزب الله يرغب في ضمّ عناصر من غير الطائفة الشيعية إلى صفوفه، ممن يؤيدون خيار المقاومة ويرغبون في المشاركة في قتال العدو الإسرائيلي. وبما أنه لا يمكن لغير الشيعي الانتساب إلى حزب الله، أوجد الحزب هذا الفرع الموازي. لكن بعد التحرير، طرحت أسئلة عديدة عن مصير السرايا، وبما أن القتال ضد العدو قد انتهى فلماذا يبقى هذا التنظيم المسلّح؟ وكانت الاجابات أن المعركة لم تنته، ولبنان لا يزال على عداء مع إسرائيل، وهو يريد تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
مرّت سنوات وتنظيم السرايا ينمو ويكبر، تتعزز موازنته ويتوسع إطار عمله، إذ أصبح يضم ما بين 20 و30 ألف عنصر متفرغ، بالإضافة إلى آخرين متعاونين يتوزعون على مختلف الأراضي اللبنانية، من الشمال إلى الجنوب، وفي بيروت والبقاع والجبل. من يطالب بحلّ السرايا يعتبر أن عناصرها خارجون على القانون، ومنهم من لا يهتم في قتال إسرائيل، بل يعمل وفق حساباته المصلحية الضيقة. إذ ينتشرون في الأحياء والشوارع ويفرضون الخوات، ولا أحد قادراً على مساءلتهم أو محاسبتهم. ويعود البعض في الذاكرة إلى الأحداث التي شهدتها مدينة صيدا، بين عناصر السرايا وحلفاء الحزب وليس خصومه. ما دفع بعض حلفاء الحزب إلى رفع الصوت عالياً بوجه السرايا على ما يقترفه عناصرها.
في الحوار السابق بين تيار المستقبل وحزب الله، طرح وفد المستقبل في أكثر من جلسة ملفّ حلّ سرايا المقاومة. في حينها، لم يوافق حزب الله، لكنه لم يغلق الباب أمام الحوار. وفي حينها اقترح الحزب أن يقدّم مبادرة تقتضي بحصر إنتشار عناصر السرايا والتخفيف من مظاهرها، لكن لم يتحقق شيء عملي على هذا الصعيد.
يعتبر حزب الله أن السرايا عامل مهم في مسيرته العسكرية، وهو يرتكز عليها في تشكيل عامل مفاجأة في أي مواجهة عسكرية مع إسرائيل. فيما خصوم الحزب يعتبرون أن عناصر السرايا هم عامل مفاجأة لأبناء المناطق اللبنانية، كما حصل في أحداث السابع من أيار 2008، وفي أحداث عبرا وغيرها من الأحداث في الداخل. فيما الحزب يركز على أن السرايا نفّذت نحو 400 عملية ضد العدو الإسرائيلي، وعناصرها يقومون بعمليات لوجستية تتعلق بنقل الأسلحة وغيرها.
يحيط قادة السرايا أنفسهم بسرّية تامّة، تكاد توازي سرّية قيادات الحزب العسكرية أو الأمنية، وهم يعتبرون أن عدم الظهور عامل قوّة يسجّل لهم. لذلك، ليس من السهل الحصول على معلومات عنهم أو منهم. لكن الأكيد، أنهم يتمتعون بموازنة مرتفعة، تنقسم إلى قسمين: قسم للمنتسبين المتفرغين، وقسم آخر تشبه مخصصاته المخصصات السرّية، يحصل عليها بناء على تعاون الشخص معهم، سواء أكان في عمليات رصد وجمع معلومات أم في عمليات الحراسة.
توقف كثيرون أمام توقيت الاجتماع الذي عقده قادة السرايا من مختلف المناطق، مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، إذ تزامن مع تقديم الرئيس سعد الحريري استقالته من الحكومة (4 تشرين الثاني 2017)، وخروجه ببيان تصعيدي تجاه الحزب وإيران. لذلك، جرى الربط بين الاجتماع وواقعة الاستقالة. وهناك من ذهب بعيداً ليعتبر أن تمرير خبر اللقاء، وأنه ضمّ "ألف قيادي" من السرايا، وهو رقم كبير جداً، بمثابة رسالة تهديد مبطنّة من حزب الله بأنه لا يمكن لأحد أن يلوّح بهز الاستقرار. لكن نصرالله سرعان ما أشار إلى أن لا علاقة لهذا اللقاء بالتطورات السياسية، الذي كان محدداً مسبقاً، وفقه. إلا أن الإشارة الأساسية التي يمكن التقاطها من حصول اللقاء، هي مدى أهمية السرايا بالنسبة إلى الحزب، وبأنه ليس من السهل عليه التخلّي عنها، أو وضعها على طاولة المفاوضات، إلا بعد حصول تغيرات كبيرة جداً.