تشكل المسودة التي نشرتها الحكومة الروسية الخميس، بشأن اتفاق موسكو والقاهرة على الاستخدام المتبادل للمجال الجوي والقواعد العسكرية، مؤشرا قويا على أن العلاقات بين البلدين ستأخذ مسارات سياسية ودفاعية أكثر زخما في الفترة المقبلة بالنظر إلى تشابك المصالح بينهما، في ظل تراجع التأثير الأميركي والرغبة الروسية في تكريس نفوذها في منطقة الشرق الأوسط المضطربة.
ويأتي الكشف عن هذه المسودة بعد يوم فقط من زيارة وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو إلى مصر ولقائه بالرئيس عبدالفتاح السيسي ووزير الدفاع صدقي صبحي.
وتضمنت مسودة الاتفاق التي وقعها رئيس الوزراء الروسي ديميتري ميدفيديف في 28 نوفمبر الماضي، أمرا لوزارة الدفاع الروسية بإجراء مفاوضات مع المسؤولين المصريين وتوقيع الوثيقة بمجرد توصل الطرفين لاتفاق.
ووفقا للمسودة سيكون بوسع الطائرات الحربية الروسية والمصرية استخدام المجال الجوي والقواعد الجوية في البلدين بعد إخطار مسبق بخمسة أيام، ويسري الاتفاق لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد.
وهذه المرة الأولى التي يتم فيها الكشف صراحة عن وصول التعاون العسكري بين مصر وروسيا إلى درجة تبادل استخدام القواعد العسكرية.
وسبق أن نفت الرئاسة المصرية منذ نحو العام، موافقتها على إقامة قاعدة عسكرية روسية في مرسى مطروح شمال غرب البلاد.
ومؤخرا عقّب وزير الخارجية المصرية سامح شكري على أنباء تتحدث عن اتفاق بين موسكو والخرطوم لإقامة قاعدة روسية على الأراضي السودانية، قائلا “من حيث المبدأ نحن نرفض وجود قواعد أجنبية في الدول العربية، ولكن المسألة تبقى شأنا سودانيا”.
وقالت مصادر مطلعة لـ”العرب” إن الحديث عن الموافقة على استخدام روسيا لقواعدها العسكرية “لا يعكس تراجعا في موقف مصر الرافض لإقامة قواعد على أراضيها، لأن هناك فرقا بين استخدام جيش ما لقاعدة مملوكة لدولة بعينها للقيام بمهام عسكرية، وبين أن تكون القاعدة برمتها مملوكة لدولة أجنبية”.
ورأى خبراء عسكريون مصريون أن التعاون العسكري بين القاهرة وموسكو “لم يسبق أن جرى بين مصر وقوة كبيرة، بما فيها الولايات المتحدة، وهو ما يستفز الإدارة الأميركية التي لطالما اعتبرت أن أيّ تقارب مصري روسي موجه ضدها بالأساس”.
وتزامن الإعلان عن المسودة مع زيارة وفد أميركي يضم 9 من كبار المسؤولين العسكريين إلى القاهرة الخميس، بقيادة الفريق أوستن سكوت ميلر، قائد العمليات الخاصة المشتركة المركزية الأميركية، قادما من الأردن، لـ”مناقشة عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك”.
وقال الخبراء العسكريون إن الاتفاق المبدئي المصري الروسي يعكس عدم حماسة موسكو للعرض الذي تقدم به الرئيس السوداني عمر البشير، خلال زيارته قبل أيام إلى سوتشي بقبول الخرطوم إقامة قاعدة عسكرية روسية في منطقة البحر الأحمر.
ويبدو أن موسكو بالكشف عن مسودة الاتفاق وزيارة شويغو أرادت التأكيد على تمسكها بالتعاون العسكري مع القاهرة، وطمأنتها حيال العرض السوداني.
وأوضحت نورهان الشيخ الخبيرة في الشؤون الروسية، أن تعظيم التعاون العسكري بين البلدين متوقع منذ فترة، لأن بينهما “تطابق في الكثير من المواقف الإقليمية، سواء في ملف مكافحة الإرهاب أو ما يتعلق بحل الأزمتين السورية والليبية وربما اليمنية”.
وأشارت لـ”العرب” إلى أن موافقة مصر على استخدام روسيا قواعدها العسكرية تعد من التسهيلات المتعارف عليها بين الدول الصديقة التي يصل التعاون العسكري بينها إلى مستويات قياسية، بغض النظر عن إمكانية أن تكون لهذه المواقف تداعيات سلبية على علاقاتها مع دول أخرى من عدمها.
وتمكنت روسيا منذ قرارها الجريء بالانخراط مباشرة في النزاع السوري في العام 2015، ونجاحها في قلب موازين القوى لفائدة نظام الرئيس بشار الأسد، من العودة بقوة إلى الساحة الدولية وحجز مقعد على طاولة الكبار.
ولفت متابعون إلى أن توجه روسيا نحو تعزيز التعاون العسكري مع مصر التي تعتبر إحدى الدول المحورية في المنطقة، يفتح لها الباب لتعزيز حضورها في الشرق الأوسط وهو ما تعمل عليه، مستغلة حالة الارتباك التي تشهدها الولايات المتحدة في إدارة ومعالجة أزمات المنطقة، وليس أدل على ذلك من الملفين السوري والعراقي.
وأكد مصدر مصري مطلع لـ”العرب” أن استخدام روسيا للقواعد المصرية “لن يخرج عن إطار التحالف العسكري بين البلدين، وموافقة القاهرة على ذلك مرتبطة بشكل مباشر بمكافحة الإرهاب في المنطقة بما يخدم مصالح مصر في المقام الأول”.
وأضاف المصدر “كان للروس أكثر من طلب بإنشاء قواعد عسكرية في مصر وقوبلت كل هذه الطلبات برفض حاسم، ورأى المسؤولون الروس أن البديل هو استخدام القواعد المصرية”.
وأوضح أن مصر اشترطت أن يتطابق استخدام قواعدها العسكرية مع مصالح أمنها القومي، وفي إطار تعاون مشترك وتحالف عسكري لتحقيق أهداف إستراتيجية مستقبلية.
وأقر المصدر بأن هذا الإجراء غالبا ما سوف يستفز بعض الأطراف والقوى الإقليمية والدولية، لكن مصر “ليست في وارد الإصغاء إلا لما تقتضيه مصالحها العليا”.
وقال اللواء نبيل فؤاد، مساعد وزير الدفاع الأسبق لـ”العرب”، إن مصر بلغت مرحلة “سن الرشد”، بالكف عن سياسة الانحياز والانحياز المضاد، فلم يعد يعنيها سوى تحقيق مصالحها، وأن تعزيز التعاون العسكري بين القاهرة وموسكو ووصوله إلى مرحلة “التحالف الإستراتيجي” يهدف بالأساس إلى أن تكون مواقفها قوية في المحيط العربي ولها كلمة مسموعة في ما يجري بالمنطقة.