تقاطعتْ المواقف والإشارات التي صدرت في بيروت عند أن الأسبوع المقبل سيَحمل ترجمةً أكيدة لخريطة الطريق التي جرى التفاهم عليها لإنهاء الأزمة السياسية التي عبّرتْ عنها استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري التي أعلنها من الرياض في 4 نوفمبر الجاري، قبل أن يُدْخِلها في دائرة التريث مع عودته إلى بيروت قبل 8 أيام.
وإذا كان لبنان يعيش أجواء «قرْع جرس» الحلّ الذي سيكرّس رسمياً عودة الحريري عن استقالته والذي يتمحور حول «النأي بالنفس» عن الصراعات العربية والإقليمية وعدم الإساءة الى الدول العربية وتأكيد مرجعية اتفاق الطائف، فإن مسار الانفراج الذي سيَطوي واحدة من أكثر الأزمات التي عكستْ انكشاف لبنان بالكامل على «عواصف» المنطقة وعلى المواجهة السعودية - الإيرانية يبقى مشوباً بغموض يلفّ 3 نقاط:
* الأولى الصياغة اللفظية لـ «العبارة السحرية» التي سيتضمّنها البيان الذي سيصدر عن اجتماع مجلس الوزراء المرتقب الأسبوع الطالع والذي سيؤكد النأي بالنفس بما يوائم بين صون استقرار لبنان وحفظ علاقاته مع الدول العربية وعدم التعرض لأمنها.
وكان بارزاً أمس ان رئيس البرلمان نبيه بري كشف عن «شكل المَخرج» الذي لن يتضمّن تعديلاً على البيان الوزاري للحكومة، باعتبار ان هذا البيان كانت الحكومة نالت على أساسه ثقة مجلس النواب، لافتاً كما نقل عنه زوّاره الى انه بعد إعلان النأي بالنفس قد تصدر بيانات منفصلة عن الكتل والأحزاب السياسية تؤكد على هذا الإعلان.
* والنقطة الثانية، ما الذي سيقدّمه «حزب الله» عملياً ليكون الحلّ أبعد من «مَخرج لفظي» ولترجمة النأي بالنفس «فعلاً وليس قولاً» كما يصرّ الحريري، علماً أن هذا البُعد بالتحديد ليس رهناً فقط بالدينامية الداخلية التي شكّل رئيس الجمهورية ميشال عون محورها الأساسي الى جانب الدور الذي اضطلع به بري، بل هو بالدرجة الاولى محكوم بالحِراك الذي تتولاه باريس في اتجاه كل من طهران والرياض وبيروت.
وفيما كان بعض الإعلام القريب من «حزب الله» في بيروت يوحي بأنّ ما يجري العمل لوضع اللمسات الأخيرة عليه هو بمثابة «سلّم» يتيح للحريري النزول «عن شجرة الاستقالة» مع حفْظ ماء الوجه تجاه جمهوره والسعودية من دون أن ينطوي الحلّ على ترجماتٍ حقيقية تبدّل في المسار الاستراتيجي لـ «حزب الله» وأدواره الميدانية في أكثر من ساحة، أعطى السفير الروسي في بيروت الكسندر زاسبكين إشارة لافتة حين قال لصحيفة «النهار» ان الحريري كان تمنى بصراحة أن تكون موسكو مسهّلة للتفاهمات التي يُعمل عليها نظراً الى دورها وعلاقاتها مع بعض الأطراف في لبنان والمنطقة، كاشفاً أن الحلول قد تكون من خلال مرونة تُقْدِم عليها إيران و«حزب الله» بغية الحفاظ على هذه الحكومة، وذلك من خلال انسحابات من العراق وسورية باعتبار الأوضاع هناك باتت أفضل بكثير من السابق. «وبالتالي قد يحصل تقليص للقوات الروسية وكلّ القوى التي تنضوي في محور الممانعة وتقاتل في سورية والعراق».
* أما النقطة الثالثة فهي أين ستقف الرياض من أيّ «روزنامة حلّ» ما لا تتضمّن مراعاةً لمرتكزات «غضْبتها» على لبنان الرسمي، وتحديداً لجهة انخراط «حزب الله» في ممارسات تمسّ أمْنها كما دول عربية أخرى، لا سيما في اليمن وسورية، وهي الممارسات التي شكلت المرتكز لتصنيف «حزب الله» في اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير «إرهابياً»، مع إشارةٍ ذات مغزى كبير الى كونه «شريكاً في الحكومة»، وفتْح الباب أمام نقل ملف إيران والحزب الى مجلس الأمن الدولي. علماً ان دوائر سياسية ترصد إذا كان المَخرج الذي سيُعتمد سيلحظ عنوان التصدي للإرهاب بما يجعله منصة لـ «الالتفاف» على دور «حزب الله» في سورية خصوصاً.
وكان عون وفي معرض تأكيده قرب «تصاعُد الدخان الأبيض» رسمياً في ما خص أزمة الاستقالة، أطلق مواقف داعمة لـ «حزب الله» ربطتْ «عودته الى لبنان» بانتهاء الحرب ضدّ الإرهاب، وهو ما ترك علامات استفهام حيال مرتكزات الحلّ الذي سيُعلن الأسبوع المقبل ووقْعه خارجياً.
فرئيس الجمهورية وبعيد وصوله الى روما في زيارة رسمية تستمر حتى يوم غد ويشارك خلالها بمؤتمر «حوارات المتوسط 2017 MED»، أكد «أن الأزمة الأخيرة باتت وراءنا وستجد لها حلاً نهائياً في بضعة أيام»، وأن «الرئيس الحريري سيواصل مسيرة قيادة لبنان».
وفي حديثه الى صحيفة «لاستامبا» الإيطالية، قال عون «إن (حزب الله) حارب إرهابيي (داعش) في لبنان وخارجه، وعندما تنتهي الحرب ضد الارهاب، سيعود مقاتلوه الى البلاد... ومن الواجب علينا ان ندرك ان (حزب الله) يشكل قوة مقاومة لبنانية نشأت بوجه الاعتداءات الاسرائيلية وهي مقاومة شعبية، وان اللبنانيين يعتبرونه قوة دفاع وليس حزباً إرهابياً».
وسبقت إشارة التفاؤل الرئاسية التي أطلقها عون حيال آفاق الأزمة مواقف للحريري الذي أكد ان «الحوار سيستكمل في الأيام المقبلة بكل إيجابية وانفتاح، وهو جدي لإيجاد الحلول الجدية للحفاظ على علاقاتنا مع كل أصدقائنا العرب، وخصوصاً الخليج... والاسبوع المقبل يكون بداية الفرج بإذن الله لكل اللبنانيين»، قبل ان يكشف في إشارة الى بدء تعاطيه مع مرحلة ما بعد طي صفحة الاستقالة انه «أعاد فتح كل الملفات الحكومية منذ عودته إلى بيروت، و سنواصل دراسة موازنة العام 2018 وننهيها قبل نهاية العام الحالي في حدّ أقصى»، كما أشار إلى «الإعداد لمؤتمر باريس 4 ومؤتمر روما 2 وغيرهما من الاجتماعات التي كانت مقررة سابقاً».