يستعد حزب الدعوة الإسلامية الحاكم في العراق، لتوجيه ضربة قوية إلى زعيمه نوري المالكي، من خلال تبني دعم غريمه، رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، في الانتخابات القادمة.
وحتى أسابيع قليلة مضت، كان الحزب الحاكم يحاول تحقيق توازن داخلي في دعم كل من المالكي والعبادي، اللذين قررا النزول بقائمتين منفصلتين في الانتخابات، عندما تداول أنصاره معلومات عن توجيهات تؤكد حرية الأعضاء في الوقوف إلى جانب أي من الطرفين.
ووفقا لمصادر سياسية مطلعة تحدثت لـ”العرب”، فإن “حزب الدعوة يشهد حاليا ميلا كبيرا لدعم العبادي على حساب المالكي، بسبب تصاعد حظوظ الأول”.
ومن شأن هذا التطور أن يضيق الخناق على المالكي، الذي تضعه الكثير من الأطراف السياسية العراقية في “خانة التشدد الشيعي”.
ويقول مهند الساعدي، وهو من المقربين من العبادي، إن “قادة الدعوة” يعملون الآن على تشكيل قائمة يقودها رئيس الوزراء “بدقة متناهية، ستقنع الناخبين لدعمها بقوة”.
وأوضح الساعدي أن قائمة الحزب والحلفاء سيترأسها حيدر العبادي، موضحا أن هذه القائمة تتضمن “بعض المفاجأة”، وأنها “تركز على نزاهة ونظافة المرشحين بطريقة ومعايير غير مسبوقة”، و”على التحالف بعد الانتخابات”.
وذكرت المصادر السياسية أن “ميل حزب الدعوة، نحو قائمة العبادي، يرتبط بمؤشرات داخلية، صدرت مؤخرا”، كاشفة عن أن “إيران توقفت عن مساعي جمع العبادي والمالكي في قائمة واحدة، بعدما تأكد لها أن الأخير مصر على المشاركة في الانتخابات عبر قائمة يقودها بنفسه”.
وحاولت طهران أن تقنع المالكي بالتخلي عن قيادة قائمة ائتلاف دولة القانون للعبادي لكنه رفض، فيما حاولت إقناع العبادي بالرقم 2 في قائمة المالكي أو الرقم 1 عن القائمة نفسها في البصرة ولكنه رفض.
ويعتقد مراقبون أن المنافسة ستكون شرسة بين العبادي والمالكي في الانتخابات المقبلة، إذ يستهدفان الجمهور نفسه، مع أفضلية متوقعة لرئيس الوزراء الحالي.
وسبق للمالكي أن حقق نتائج انتخابية كبيرة في دورتين سابقتين، عندما كان يشغل منصب رئيس الوزراء.
ويقول المراقبون إن “طيفا واسعا من الجمهور الشيعي يتأثر بزعامات السلطة، ويتجه نحو تأييدها في الانتخابات”، وهو ما يعزز حظوظ العبادي.
وأعاد العبادي إلى سلطة الدولة العراقية جميع الأراضي التي خسرها العراق لتنظيم داعش منذ 2013، عندما كان المالكي رئيسا للحكومة، فيما تنفذ القوات العراقية حاليا، عمليات تطهير في مناطق ضمن بادية الأنبار الغربية، لم يسبق أن وصلتها قوات عسكرية، أميركية أو عراقية، منذ 2003.
ويعتمد العبادي على رصيد شعبي ازداد كثيرا بعد أزمة استفتاء كردستان، إذ نجح في دفع القوات الاتحادية إلى فرض سيطرتها على مواقع كانت تحت سيطرة القوات الكردية منذ 2014، وبعضها منذ 2003، بينها مدينة كركوك الغنية بالنفط.
ويقول مراقبون إن معركة العبادي ضد الفساد تقويه، وأنها ربما تنال من بعض خصومه السياسيين ومن بينهم المالكي.
وتأتي انتخابات 2018 في وضع غير مسبوق على مستوى تشظي القوى السياسية في العراق.
ويحاول الائتلاف الشيعي، الذي يحتكر عملية ترشيح رئيس الوزراء منذ 2005، لملمة أطرافه دون جدوى، بسبب خلافات داخلية حادة أبرزها بين المالكي وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
ويسعى المالكي بقوة للوصول إلى موقع “رئيس التحالف الوطني”، كي يضمن التأثير في عملية اختيار رئيس الوزراء القادم، لكن عمار الحكيم زعيم تيار الحكمة، يعترض على ذلك بقوة.
إيران تفشل في جمع العبادي والمالكي في قائمة واحدة
ووفقا لتوقعات المراقبين فإن أطراف هذا التحالف لن تتمكن من توحيد صفوفها قبل الانتخابات، فيما تبدو فرص التئامها بعد الانتخابات ضعيفة، بسبب التقاطعات الحادة بين قادتها.
ويرى مراقب سياسي عراقي أنه من المؤكد وجود اتفاق أميركي ــ إيراني على عدم تمكين المالكي من العودة إلى الحكم، وهو ما يعرفه المالكي الذي يسعى من خلال الانتخابات القادمة للدخول إلى البرلمان بأغلبية مريحة تمكنه من السيطرة على أي محاولة لفتح ملفات الفساد في حقبة حكمه التي امتدت ثماني سنوات ولا يزال العراق يعاني من تبعاتها.
وأضاف المراقب في تصريح لـ”العرب” أن العبادي الذي تتفق أطراف كثيرة، محلية وإقليمية على التجديد له، فإنه هو الآخر سيدخل الانتخابات مرشحا من قبل حزب الدعوة، وهو ما يعني رسميا أن حزب الدعوة بقيادته الحالية باق في السلطة وهو ما يضمن نوعا من الحماية القلقة للمالكي ولرموز الفساد الأخرى من حزبه.
وشدد على أنه ما لم يحدث انقلاب داخل التركيبة القيادية لحزب الدعوة يتم من خلاله استبعاد المالكي من زعامته فإن العبادي لن يحقق أي تقدم يُذكر في ولايته الثانية المرتقبة، لافتا إلى أن رئيس الوزراء الحالي يدرك أن هامش حركته سيكون محدودا في حال استمرار أتباع المالكي المباشرين في إدارة الاقتصاد والأمن وهما الملفان الأكثر تعقيدا في بلد هش أمنيا ومخترق اقتصاديا.
وكانت الحرب على داعش التي خاضها العبادي ذريعة له لعدم الاقتراب من الملفين المذكورين في المرحلة السابقة غير أن موقفه سيكون محرجا إن لم يفعل ذلك في المرحلة المقبلة، ما قد يعجل بالصدام بين الرجلين قبل موعد الانتخابات.
ويقول المراقب إن نتيجة ذلك الصدام هي التي ستحدد مصير كل واحد منهما، فإذا استطاع العبادي إزاحة المالكي عن طريقه قبل موعد الانتخابات فإن ذهابه إلى ولاية ثانية سيكون مضمونا من جهة سيطرته على مجلس النواب.
وعلى الصعيد السني، تتعمق الانقسامات بين القوى السياسية في مناطق العراق الغربية، في ظل غياب “الراعي الإقليمي”، وفقا للمراقبين.
ولم تعد الأحزاب السياسية السنية، التي تشهد انشقاقات مستمرة، تلفت نظر دول الإقليم كالسعودية وتركيا بسبب مواقفها الداخلية المتذبذبة، في وقت يوفر حضور العبادي في واجهة المشهد العراقي فرصة لهذه الدول “كي تتعامل مع زعيم شيعي معتدل”، بحسب ما تتحدث به أوساط سياسية في بغداد.
أما كرديا، فقد أدت أزمة الاستفتاء إلى خلافات حادة بين القوى السياسية في كردستان، فيما يحاول الحزب الديمقراطي إقناع الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير بضرورة العمل المشترك لمواجهة طموحات بغداد المتزايدة في مكاسب الإقليم.
ويحذر المراقب العراقي من أنه في ظل تهميش القوى السياسية السنية والكردية تبقى العملية السياسية برمتها في قبضة الحزب الحاكم، وهو ما يكرس زعامة المالكي الذي سيكون في إمكانه دائما التحكم عن بعد بمجريات العملية السياسية.