كانت مصر وما زالت وستبقى، «أم الدنيا». ما يصيبها يصيب كل عربي ومواطن من المحيط إلى الخليج. فالعلاقة مع مصر تتجاوز الرابط القومي العربي، لأنها تتعلق بالأمن الاستراتيجي لمنطقة الشرق الأوسط كلها، ولكل دولة من مجموع دولها. نار حريق مصر، يخترق الحدود، لأنّه «كرة نار» لا تنطفئ ولا تذوب إلا إذا عادت مصر إلى صحتها.
الإرهاب الأسود الذي قتل أكثر من 345 مصلّياً وأوقع حوالى 150 جريحاً، لم يكن موجّهاً فقط إلى جماعة صوفية تستعد للاحتفال بمولد النبي محمد (ص). كان موجّهاً إلى كل شعب مصر، وهو أصابه في قلبه وأدماه. لا يكفي الثأر من الجماعات الإرهابية بالنار والحديد. يجب العمل على اقتلاع الإرهاب فكراً وممارسة.
الخطر في هذا الإرهاب أنّه تطور في الفترة الأخيرة وتمدد وضمّ مجموعات جديدة لا تتوانى عن إغراق مصر في الدمّ. اغتيال ثلاثة أرباع رجال قرية كاملة
ينتمون إلى قبيلة واحدة، هدفه تأليب هذه القبيلة على محيطها، وبالتالي تشريع الانجراف القاتل نحو الإرهاب سواء كان أسود أم مضاداً. حسناً فعلت قبائل العريش ومحيطها في الاتحاد والانضمام إلى الجيش بحثاً عن القتلَة. مثل هذا الانخراط يخفف عن كاهل قبيلة «السواركة» هول الجريمة وعدم الغرق في الوحدة وما تجرّه من تعلّق بالروايات التي قد يكون بعضها مفبركاً ومعدّاً لتغذية الانقسامات والخروج عن الدولة.
ما يضع ويضيف ألف سؤال وسؤال على هذه العملية الإرهابية المتقنة إعداداً واختياراً للعناصر الذين أطلقوا النار على المصلين بلا رحمة، أنّ مصر تتحرك لمواجهة عمليات حصار متعددة لتفكيكها، وإسقاطها في تجاذبات على السلطة بعيدة عن روح مصر، ومحاولة إرباك الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو يعمل على استعادة مصر لدورها العربي والإقليمي، الذي بدونه تبقى مساحة جغرافية مليئة «بالأفواه» وانخفاض الموارد.
مصر تحركت هذا العام بقوة في كل الاتجاهات وحققت نجاحات ملحوظة، خصوصاً في مرحلة القتال لإلحاق الهزيمة النهائية بإرهاب «داعش» و«القاعدة».
مسارعة العالم إلى دعم مصر مهمة جداً، خصوصاً من الخصوم مثل تركيا، ما يؤشر إلى أن انفتاح الرئيس السيسي على المنطقة يؤكد أن سياسته هذه مطلوبة ومدعومة.
ما يرفع منسوب الأسئلة والشكوك حول «مَن يُريد إحراق مصر»، أنّ الحركة المصرية المهمّة جداً في إقفال «ثغرة غزّة»، نتيجة لانفصال غزّة عن الضفة الغربية وتبديد الوحدة الفلسطينية، تتعثر في الفترة الأخيرة رغم أن إعادة الوحدة الفلسطينية حاجة فلسطينية ومصرية وعربية. إيران تلعب بالنار في غزّة. لأنها لا تريد أن تفقد «حماس» بعد أن استعادتها بفعل الحصار والتجويع. «الجهاد» لا تكفي إيران، لأنّها منظمة صغيرة ومكشوفة، وأي خطوة خاطئة تقوم بها لا يمكنها إخفاء نسبها لها، وبالتالي تحمّل مسؤوليتها. إقفال ملف الخلافات الفلسطينية في غزّة يُساهم بقوة في محاصرة الإرهاب في سيناء وضربه. أيضاً يجب متابعة ما تقوم به إسرائيل. حتى ولو تعاونت مع مصر في ضرب الإرهاب، فإنها لن تكون سعيدة في عودة الوحدة إلى الشعب الفلسطيني وعودة غزّة «الابن الضال» إلى السلطة الوطنية الفلسطينية.
وكأنّه لا يكفي مصر كل هذا، إضافة إلى وضع اقتصادي صعب تمثّل في انهيار الجنيه حوالى 50 بالمئة من سعره السابق، فإن تسريع أثيوبيا لبناء «سد النهضة»، في وقت «ما زالت الخطط الأثيوبية لتشغيل السد واستخدام مياهه في الري غامضة». مشكلة سدّ النهضة ليست حديثة. لقد جرى التحذير كثيراً من خطر بناء هذا السدّ خصوصاً أن لإسرائيل أيدي في دفع النظام الأثيوبي نحو هذه السياسة التي قد تؤدي خصوصاً إذا ما تبع ذلك بناء سدود أخرى، إلى حصار مصر وضربها عبر «تعطيشها».
ذلك أنّ مصر تحصل على 85 بالمئة من مياهها من الهضبة الأثيوبية، فإذا ما أقفلت أثيوبيا ممر النيل أو أفقرته وخفّفت من انسياب مياهه، فإنّ ذلك يعني قطع «شريان الحياة» عن مصر. يكفي أن المصري لن يحصل في العام 2025 على أكثر من 552 متراً مكعّباً من المياه حتى تتجسد الكارثة القادمة والتي تتضخّم عاماً بعد عام.
العالم كله، وليس مصر وحدها على وقع ما أصبح يُعرف بـ«حروب المياه». ذلك أن أزمة الحصول على المياه ستتحوّل مع الزمن والتضخم السكاني وقلّة الموارد إلى أنهار من نار تحرق الحدود والمدن. المثال المصري في قمة الدراسات المعروضة، خطر نشوب حرب مباشرة بين مصر وأثيوبيا إذا ما صعدت الأخيرة «سرقة» ماء النيل من دون ضوابط.
محاصرة مصر بالإرهاب في الجنوب وفي الشمال مع ليبيا، والعمل الأثيوبي على تعطيشها، ليس نتاجاً لتطورات استثنائية فقط. توجد أيدٍ مهما قيل عن «عقدة المؤامرة» تعمل على ضرب مصر، وقد حان الوقت للوقوف مع مصر قبل فوات الأوان.