وفق المعطيات المتوافرة، لا تبدو جولة المشاورات التي أطلقها رئيس الجمهورية ميشال عون للبحث عن مخرج للأزمة الحالية، ستخرج بما هو استثنائي، أو ستتخذ قرارات مصيرية. وتشير مصادر متابعة فإن أقصى ما يمكن أن تصل إليه هذه المشاورات، هو إصدار بيان رئاسي يعلن نهاية المشاورات، والتزام لبنان بالاجماع العربي، وبأنه عربي الهوية والانتماء، وحريص على عدم إدخال أي جهة في شؤونه، كما أنه ينأى بنفسه عن الصراع الإقليمي. لدى حزب الله استعداد لتليين موقفه ووقف الحملات الإعلامية التي من شأنها إلحاق الضرر بالرئيسين عون وسعد الحريري معاً، بشكل يريح رئيس الحكومة في إعادة تفعيل عمل حكومته. أما على الصعيد العملي، فحتى الآن ليس هناك ما يشير إلى متغيرات ستحصل على الأرض.
عملياً، تلخص يوم المشاورات في مواقف رؤساء الكتل، ويمكن استشراف المرحلة المقبلة، من كلام النائب وليد جنبلاط والدكتور سمير جعجع. فالأول اعتبر أنه لا بد من النأي بالنفس والبحث في كيفيته، داعياً على عدم فتح السجال بشأن سلاح حزب الله، لأنه يعتبر أن هكذا سجال يؤزم الوضع بدون تحقيق أي خرق إيجابي، بل سيعيد الإنقسام إلى البلد. أما جعجع فاعتبر أن التسوية مستمرة، ويجب تصويبها، مشدداً على بقاء وزراء القوات في الحكومة. وهي إشارة إلى أن الحكومة ستعود إلى العمل.
وقد اختتم عون يوم المشاورات بلقاء الرئيسين نبيه بري والحريري. وتفيد المصادر بأنه جرى الإتفاق على كسب مزيد من الوقت لبلورة صورة الحلّ والمخرج من الأزمة. وهذا ما رمى إليه بري حين قال: "تفاءلوا بالخير تجدوه". ولاحقاً، وضع القصر الجمهوري الأمور في نصابها، إذ اعتبر أن نتائج المشاورات ستبلّغ للمؤسسات الدستورية بعد عودة عون من زيارته إلى إيطاليا.
يعتبر البعض أن الكرة في ملعب حزب الله. ولا شك أن الحزب يطرح تساؤلات عن كيفية التعاطي مع هذا الوضع، وهو يزن أي خطوة سيتخذها بميزان الجوهرجي. لم تمرّ مرحلة مشابهة لهذه المرحلة. وهو يقرأ ما بين سطور التطورات الخارجية، رغم غلبته الواضحة في لبنان. لا شك أن لديه تحسب للتحولات التي ستحصل، لأن هذه المرحلة هي مرحلة المقدمة لبداية تكوين معادلات جديدة في المنطقة، وقد تؤدي إلى متغيرات جذرية، تسعى لإحداثها دول عدة.
لكن السؤال يبقى، ماذا ستفعل السعودية، بعد انتهاء المهلة التي منحتها للبنان، لوقف تدخل الحزب في عدد من الدول العربية؟ الجواب غير واضح بعد، لكن السعوديين يعتبرون أنهم أعطوا تنبيهات، ومنحوا مهلة لتطبيق ذلك والإلتزام العملي بالنأي بالنفس، وبما أنه لم يتم الالتزام بذلك، فهذا يعني أن السعودية ستبرر أي خطوة قد تتخذها.
هنا، ثمة من يطرح سؤالاً جديداً: هل ستحمل الأيام المقبلة، تغييراً في أداء الحريري؟ ثمة من يعتبر أن الحريري سيتجيب في الفترة المقبلة وبعد انقضاء فترة التريث، التصعيد السعودي، ويعود إلى نبرة التصعيد ضد حزب الله. وما قد يشجع الحريري على ذلك، هو تهيّب حزب الله للحظة، وبعض المؤشرات التي تفيد بأن القضية أكبر من السعودية والحريري، خصوصاً أن في السابق، كان حزب الله يواجه كل هذا الكلام بالتصعيد. أما اليوم فتجنّب التصعيد بوجه السعودية يعود لتوجسه من خطوات خطرة ربما في المستقبل، بناء على معطيات دولية.
تعمل السعودية الجديدة وفق منطق أساسي، هو استقطاب الرأي العام السنّي، بالإشارة إلى عدم السماح بالتفريط بحقوقهم. هذا ما تستند إليه السعودية، مقارنة مع عدم وجود أي حاضنة شعبية لإيران في سوريا. بالتالي، فإن مطلب استعادة حقوق السنّة، لا يمكن لإيران أن تقف بوجهه. وهذه ما تراهن عليه السعودية مع روسيا، لأجل محاصرة إيران، انطلاقاً من أن المجتمع السوري لا يميل إلى القوات الحليفة لإيران. بالتالي، تستثمر السعودية اليوم بالبنية الاجتماعية السنية في سوريا. وهو ما يشكل نقطة قوة لها، مقابل نقطة ضعف لإيران. مع الإشارة إلى أن العلويين في سوريا، لا يشكلون حاضنة لإيران، بل إن الولاء لروسيا.
لا يمكن لروسيا أن تعارض هذا التوجه ولا أن تكون تركيا بعيدة عنه، وتوافق عليه واشنطن. لذلك، مهما كان الحلّ في سوريا، وإن كان يقضي بقاء بشار الأسد، إلا أن الهم الأساسي للسعودية هو ضرب الوجود الإيراني، من خلال الاستثمار في البنية المذهبية وفي الهوية المذهبية الإيرانية. ونظراً لضعف المشروع الإيراني خارج البيئة الشيعة، فهذا سيمنح السعودية فرصة استعادة قواها. وسيكون العنوان الأساسي للمواجهة التي تطرحها.