من السابق لأوانه الحديث عن عراق آمن ومستقر فقد إنزلق هذا البلد وعلى مدى ربع قرن من الزمن في حروب مدمرة قادها ضده تحالف دولي وعربي كرد على السياسات الخاطئة التي إعتمدها قادته في رؤيتهم للموقف الدولي الملتبس بعد الحرب العراقية الإيرانية التي إستمرت لثماني سنوات وخروج العراق منها بمنظومة عسكريه ضخمة ومخزون هائل من السلاح الحربي الجوي والمدفعي والصاروخي.
وأدت هذه الحروب إلى تدمير كافة البنى التحتية للعراق العسكرية منها والأمنية والإقتصادية والمعيشية والإجتماعية وعلى كافة المستويات بسبب الصراعات الدموية التي إجتاحت البلاد والتي كانت تأخذ شكل الحروب المذهبية بين العنصرين السني والشيعي أو الحروب القومية بين العنصر العربي والعنصر الكردي.
وعمت الفوضى كل مؤسسات وإدارات الدولة التي تغلغل فيها الفساد من رشاوى وصفقات وسمسرات بأبشع مظاهره فإنهار الوضع المعيشي في بلد الرافدين وعانى من عجز مالي كبير وبدت مظاهر الفقر واضحة للعيان على حياة معظم الشعب العراقي وظهرت آثارها في كل شارع وفي كل حي وفي كل زاروب وتحول العراق إلى محط أنظار الطامعين بثرواته وخيراته من القوى الإقليمية والدولية ووقع في القبضة الأميركية التي هيمنت على البلاد والعباد وتحكمت بقراراته السياسية والعسكرية والأمنية.
إقرا أيضا: التريث بالإستقالة هو مدخل للحوار الوطني
وبعد الإنكفاء الأميركي عن العراق وجدت إيران فرصتها المثالية للإنقضاض على الجار اللدود والأطباق على مقدراته فدفعت بألوية الحرس الثوري الإيراني لتحل محل القوات الأميركية والسيطرة على كافة تفاصيل الحياة العراقية وعمدت إلى إنشاء ميليشيات مسلحة تابعة لها تحركها وفق مصالحها وخدمة لإستراتيجيتها وإلى إثارة الفتن وصناعة الحروب الداخلية وتعويم شخصيات عراقية مرهونة لها وإيصالها إلى المواقع المتقدمة في السلطة ومن أبرزهم نوري المالكي الذي شغل منصب رئاسة الوزارة لفترتين متتاليتين والمتهم بتبديد أموال طائلة عندما كان على رأس السلطة وتسريع أبواب الفساد كما شهدت فترته الثانية سقوط أجزاء واسعة من الأراضي العراقية بأيدي تنظيم داعش الإرهابي وإعلان أبو بكر البغدادي نفسه خليفة على الدولة الإسلامية في العراق والشام. وكذلك فإن المالكي متهم بإعطاء إمتيازات لقادة ميليشيات عراقية موالية لإيران في مشاريع تجني عليهم ثروات طائلة لمساعدتهم في تجنيد الآلاف من الشباب العراقي في ما عرف يومها بمشروع المقاومة الإسلامية حيث إنضوى أعداد كبيرة منهم تحت إمرة قيادات في الحرس الثوري الإيراني وسافروا إلى سوريا للقتال إلى جانب جيش نظام الرئيس بشار الأسد.
إقرا أيضا: المنطقة على أبواب مرحلة جديدة
والمهمة التي تنتظر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لا تقل صعوبة وتعقيدا عن مهمة محاربة الجماعات الإرهابية والقضاء على داعش ومحورها البدء بحملة ضد كبار الفاسدين والهدف منها تحجيم النفوذ الإيراني داخل العراق إذ أن العبادي ووفقا لمصادر مقربة منه بصدد البدء بخطة تهدف إلى محاصرة شخصيات سياسية شيعية في العراق موالية لإيران تلبية لقرار دولي وتقف خلفه دول كبرى للحد من الهيمنة الإيرانية في العراق.
وفي تصريح له أعلن العبادي أن " المرحلة المقبلة في العراق ستشهد حربا على الفساد والفاسدين ". ومما قاله " سندخل معركة مع الفساد وسننتصر فيها و سنفاجىء الفاسدين وسيستغربون مما سنفعله. "
وتتحدث مصادر سياسية عراقية عن أن الجانب الأكبر من خطة العبادي لمكافحة الفساد يرتكز على تجفيف مصادر المال المرتبطة بإيران في العراق.
وتتابع هذه المصادر أن الحصانة التي يتمتع بها المالكي وحلفاؤه في العراق ترتبط بصلتهم العلنية بإيران.
لا شك أن الرئيس حيدر العبادي وهو المعروف برجل المهمات الصعبة والذي نجح خلال فترة حكمه من إنجاز بعض الملفات الشائكة و المعقدة وعدم الإنخراط في خصومات مع الكتل السياسية وفي الصراع الأميركي الإيراني ، عليه إتخاذ قرارات مصيرية تصب في خدمة العراق والعراقيين للحفاظ على شعبيته التي تتزايد إستعدادا لخوض الإنتخابات المقبلة للفوز بولاية جديدة .