كشفت مصادر إيرانية مطلعة أن طهران تبدي قلقا من تصاعد الضغوط الأميركية والأوروبية بشأن برنامج إيران للصواريخ الباليستية، وأن التصريحات الصادرة عن جنرالات الحرس الثوري تعبر عن استراتيجية يراد منها استدراج مفاوضات تنتهي باتفاق حول البرنامج الصاروخي على نحو يمثل اعترافا دوليا بالبرنامج بصيغة “دفاعية” لطالما روجت له إيران.
وقالت المصادر إن إيران ستمارس ضغوطا على الغرب، وستعتمد استراتيجية الهجوم والتهويل بنفس المنوال الذي استخدم قبل سنوات بشأن البرنامج النووي، والذي انتهى إلى إبرام الاتفاق الشهير مع مجموعة الخمسة زائد واحد في يوليو 2015.
وحذر نائب قائد الحرس الثوري الإيراني العميد حسين سلامي، أوروبا من أن بلاده ستزيد مدى صواريخها لأكثر من ألفي كيلومتر إذا شعرت بتهديد.
ونقلت وكالة “مهر” الإيرانية، الأحد، عن سلامي قوله في مقابلة تلفزيونية “حتى الآن نشعر أن أوروبا لا تمثل تهديدا لنا، ولذلك لم نزد مدى صواريخنا، ولكن إذا كانت أوروبا تريد أن تتحول إلى تهديد فسنزيد مدى صواريخنا”.
ورأى مراقبون أن تصريحات سلامي تندرج في إطار الابتزاز الذي درجت طهران على ممارسته ضد الدول الأوروبية لانتزاع اعتراف بدورها ونفوذها في الشرق الأوسط.
وأضاف هؤلاء أن سلسلة اعتداءات إرهابية ضربت فرنسا في الثمانينات من القرن الماضي وعلم أن لها علاقة بنزاع مالي بين طهران وباريس يعود إلى عهد الشاه، فيما كشفت الصحف البريطانية فضيحة نفتها لندن تفيد بدفع الحكومة البريطانية مبلغ 400 مليون جنيه إسترليني لتسديد قسم من نزاع مالي مع طهران مقابل الإفراج عن مواطنة بريطانية من أصل إيراني مسجونة في إيران.
وقال سلامي إن “إبقاء مدى الصواريخ عند ألفي كيلومتر ليس بسبب عدم امتلاكنا للتكنولوجيا اللازمة (…) إيران تلتزم بمبدأ استراتيجي، وإذا تغيرت الظروف فمن الطبيعي ستتغير منظوماتنا التسليحية”.
وكانت فرنسا دعت مؤخرا إلى حوار “حازم” مع إيران بشأن برنامجها للصواريخ الباليستية، على أن يتم هذا بصورة منفصلة عن الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران مع القوى الكبرى بشأن برنامجها النووي.
وشدد سلامي على أن “القدرات الدفاعية والصاروخية هي الضامن لأمن واستقلال إيران ولقوتها الدبلوماسية”، مؤكدا على أن “إيران لن تفاوض نهائيا بشأن قضاياها الدفاعية، وستطور قدراتها الصاروخية بما يتناسب مع التهديد”.
وكان الجنرال محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري الإيراني قد قال الشهر الماضي إن مدى الصواريخ الإيرانية الذي يبلغ ألفي كيلومتر يمكن أن يغطي “معظم المصالح والقوات الأميركية” في المنطقة، ومن ثم فإيران لا تحتاج إلى زيادته.
وأضاف جعفري أن مدى الصواريخ الباليستية الإيرانية يقوم على أساس المدى الذي حدده الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي القائد الأعلى للقوات المسلحة الإيرانية.
وإصرار مسؤولين إيرانيين دائما على التلويح بإمكانية تطوير مدى الصواريخ كي تصل إلى أوروبا هو جوهر استراتيجية إيرانية، تهدف للتوصل إلى اتفاق بطابع دولي يسمح لهم بإنتاج صواريخ تبقي على التهديد الإيراني للمنطقة وخصوصا منطقة الخليج.
لكن إن لم يحدث ذلك فستمكن تصريحات المسؤولين في الحرس الثوري طهران من الإبقاء على إمكانية تطوير قدرات البرنامج الصاروخي، ورسم هذه السياسة في إطار النزاع والحرب الكلامية، دون الوصول إلى حل واقعي للمسألة برمتها. وتمنح هذه الصيغة، إن تحققت، نصرا وقتيا لإيران على الغرب.
وعلى الرغم من نفي إيران وحزب الله تزويدهما الحوثيين في اليمن بصواريخ باليستية، إلا أن النفي يراد منه تأكيد ذلك الاحتمال بغية تقوية أوراق التفاوض المقبل مع المجموعة الدولية.
ونقلت وكالة “فارس″ عن سلامي قوله إن”اليمن محاصر بشكل كامل. كيف يمكن أن نكون قدمنا لهم أي صواريخ؟ إذا كان بوسع إيران إرسال صاروخ إلى اليمن فهذا يثبت عجز (التحالف السعودي). ولكننا لم نعطهم صواريخ”.
وقال سلامي إن الحوثيين نجحوا في زيادة مدى ودقة صواريخهم في “إنجاز علمي”.
وفيما يبدو أنه تصحيح لتصريحات جعفري، قال سلامي السبت إن دعم إيران للحوثيين “سياسي ومعنوي”.
وكان جعفري قال الخميس إن إيران لا تقدم سوى “المشورة والدعم المعنوي” للحوثيين.
ولفت دبلوماسيون أوروبيون إلى أن إيران، التي تتوجس من تطور الموقف الأوروبي في مواجهة برنامجها الصاروخي، تلجأ هذه الأيام إلى سياسة التهويل مهددة بالعمل على تطوير صواريخها لتصل إلى المدن الأوروبية. وتقول هذه المصادر إن هذه التكتيكات الإيرانية باتت رتيبة ومعروفة، وتهدف إلى رفع سقف التحديات الأمنية التي يشكلها عدم الاتفاق مع إيران في سعي لجرّ الأوروبيين للقبول باتفاق حول البرنامج الصاروخي وفق مدى يبقى ضمن الدائرة الجغرافية لإيران ولا يصل إلى أوروبا.
وتؤكد مراجع دبلوماسية خليجية أن إيران اعتادت التراجع أمام الضغوط الدولية كما حصل في مسألة البرنامج النووي، وأن طهران ستتراجع مرة أخرى أمام الضغوط الأميركية والأوروبية لكي تصل إلى اتفاق يمنحها شرعية دولية لإنتاج صواريخ تبقي على التهديد الإيراني للمنطقة وخصوصا لدول مجلس التعاون الخليحي.
غير أن مصادر عسكرية غربية ذكرت في بروكسل أن التوافق الدولي الإقليمي على مواجهة النفوذ الإيراني سيضيف هامش المناورة لدى إيران، وأن واشنطن وباريس ولندن كما موسكو، باتت تعتبر أن إيران تشكل تهديدا للسلم العالمي يعرقل مداخل التسويات في عالم ما بعد داعش.
وأضافت هذه المصادر أن القيود على البرنامج الصاروخي سيكون الهدف منها لجم البرنامج لكي لا يشكل أي خطر على دول المنطقة أساسا قبل أن يشكل خطرا على دول أخرى لا سيما في أوروبا.