اجتمعت بالرياض عشرات حركات المعارضة السورية، إلى مستقلين وعسكر، وأهمها أربع: الهيئة العليا للمفاوضات، وهيئة التنسيق، ومنصة موسكو، ومنصة القاهرة، وكان المقصود التوافق على وفد واحد للذهاب إلى جنيف في دورته السابعة أو الثامنة من أجل الانطلاق في مفاوضات الحل السياسي على أساس القرار 2254. إنما بعد مفاوضات عسيرة، وتنازلات صعبة من جانب الهيئة العليا خصوصاً، انسحبت منصة موسكو أولاً، ثم انسحبت أخيراً منصة القاهرة! وفي وقت متأخر من يوم الخميس الماضي، كان المجتمعون ما يزالون ينتظرون عودة منصة القاهرة عن انسحابها!
منذ أشهر افتتح الروس مؤتمر أستانا بكازاخستان، والذي أرادوه بديلاً لجنيف. وهذا أمرٌ سُرّت به كلٌّ من إيران وتركيا، وإيران أكثر من تركيا. ففي جنيف كان المفروض دائماً التفاوض على الانتقال السياسي، والذي يبدأ أو ينتهي بتنحّي بشّار الأسد. وهذه هي المشكلة الرئيسية بعد انتهاء الإرهاب في البلاد. فقد كان النظام السوري مصراً على عدم الدخول في مناقشة أي بند من بنود التفاوُض، قبل ملف الإرهاب، والذي أراد من الجميع الدخول في خضمّ مقاتلته بالنيابة عنه. والآن وبعد النهاية الوشيكة لإرهاب «داعش» و«النصرة»، فإنّ الروس بدؤوا يتحدثون عن سحب معظم قواتهم في آخر هذا العام. إنما في الوقت نفسه تعددت المهام لديهم ولدى شريكيهم الإيراني والتركي. فقد أرادوا أولاً وعن طريق «مناطق خفض التصعيد»، البدء في أستانا أيضاً باشتراع الدستور، والتهيئة للانتخابات بشتى أنواعها، بحيث لا تعود لجنيف أية فائدة أو مهمة! لكن الدول الأوروبية والولايات المتحدة أبت ذلك، فضلاً عن إباء الهيئة العليا للتفاوُض، وكثير من عسكريي «الجيش الحر» والكتائب القريبة منه. إنما الأهمّ أن الأميركيين، والذين كانوا يتفاوضون مع الروس حول الترتيبات على الأرض، ما قبلوا الوصول إلى أفق مسدود، لصالح حل روسي بحت، لا يشارك فيه عملياً غير الإيرانيين ثم الأتراك. لذلك لجأ الروس إلى خطوة وسطية، لكنها لا تُقرّبُ كثيراً لجنيف. فقد أرادوا جمع ألف سوري في سوتشي المدينة السياحية الروسية، تحت عنوان: مؤتمر الشعوب السورية! ويبدو أنهم فكّروا في أن يكونَ القادمون إلى سوتشي هم مَن يذهبون لاحقاً إلى جنيف إرضاءً للأميركيين والعرب. لكنّ هذا الأمر ما حظي باستحسان أحد، حتى اضطروا إلى عقد اجتماع للرؤساء الثلاثة بسوتشي، بوتين وروحاني وأردوغان. وذلك لتكوين تنسيق أدق بعد الاتفاق الأميركي الروسي على حاشية مؤتمر بفيتنام على الحل السوري، والذي اعترف فيه الأميركان بفائدة مناطق خفض التصعيد في الوصول إلى وقف شامل للنار، بينما اعترف الروس بضرورة العودة إلى جنيف! وبقيت نقاط خلافية بشأن الجنوب السوري، وبشأن الحدود السورية العراقية، وبشأن نوايا الأتراك والإيرانيين. واتفق الطرفان على دعم مناطق خفض التصعيد، لكن النظام وحلفاءه ما يزالون يقصفون «دومَا»، ويجوّعون سكانها وسكان القرى والبلدات المجاورة. يحاول الروس الاتفاق مع شريكيهم على ضرورة الانسحاب من سوريا، وبخاصة الميليشيات. وهذا أمر لا يقبله الإيرانيون. أما الأتراك فما يزالون يريدون الاستيلاء على منبج وعفرين، لكي يمكن التفكير بالانسحاب إنما ليس في الأمد القريب!
لدينا إذن رغبة موسكو في التوافق مع حليفيها قبل جنيف، وحول عدة مسائل إضافةً لإمكان الانسحاب. وهناك همّ الإيرانيين والأتراك أن لا يخسروا إن سرى الحلّ السلمي بشأن الانتقال السياسي، لأن الإيرانيين (وربما الروس أيضاً) لا يحبون التفكير الآن بضرورة تنحّي الأسد في بدء الحل أو في وسطه! لذلك، فكما هم مترددون في الانسحاب، الإيرانيون رافضون قطعاً لكل تدخل سياسي يمسُّ حليفهم، بينما هَمُّ الروسي التجاوُب مع الولايات المتحدة بشأن اعتبار مسار جنيف مساراً جدياً، ولكي يثبت بوتين أنه جادٌّ، استدعى الأسد وأخبره بما يُرادُ منه. واتصل بالملك سلمان بن عبد العزيز راجياً المساعدة في أن يكون هناك وفدٌ موحَّدٌ للمعارضة. وبذلك لا تتخلى موسكو عن حلفائها أو تظهر ذلك، بينما لا يزال الإيرانيون والنظام مصرين على الحلّ العسكري، الذي اتفق الروس والأميركيون في فيتنام على أنه لا يشكل بديلاً للحلّ السياسي!
لقد عمل المعارضون السوريون بجدّ وجدية، وبضغط سعودي، على تشكيل الوفد الموحد. لكنّ أهل المنصات الذين لم تنقطع علائقهم بالنظام، وتتغير الآن علائقهم بموسكو تدريجياً، يخشون التجاهُل. هل يكون هناك فشل في تشكيل الوفد الموحد؟ أياً ما يكن، فالحل في سوريا لا يزال صعباً.. صعباً!
* نقلا عن "الاتحاد"