إذا تبيّن صحة الإدعاء في موضوع الضعط على الرئيس سعد الحريري لتقديم إستقالته وعن بُعد وفي حال تبيّن دور قائد القوّات اللبنانية في دفع عجلة المملكة إلى التأزيم الحكومي طالما أن الحكومة برئاسة الحريري تُشرع دور حزب الله الإقليمي وتسكت بلسان رئيسها عن عناوين وملفات خلافية كونها مركبة بطريقة هشة إذ سرعان ما تنفرط عند أي تهديد لطرح إشكالي بين مكوناتها السياسية ، أصبح من العسر إذا ما اطمأنينا إلى صحة الإدعاء هذا لقاء قياديي جبهة 14 آذار الحريري والحكيم بنفس الروحية التي كانت قبيل الإستماع السعودي لجعجع بأذن صاغية وبنفس المستوى السياسي خاصة و أن تصريحات الحريري الشاكرة والداعمة لم تشمل إلاّ أخصامه في المحور الآخر وقد أكدّ على حرارة التعاون مع الرئيسين عون وبري وبطريقة عاطفية تعكس مستوى من العلاقة التي تتجاوز حدود المصالح السياسية كما كانت قبل الإستقالة .
إن طبيعة التريث ومستلزمات العمل الحكومي الجديدة ستعكس الصورة الحقيقية لمضمون هذه العلاقة وبالتالي ستضع بيضاً جديداً في سلة التحالفات إذا ما تمكن الرئيس عون تحديداً من جمع الجميع على طاولة حوار جدي يُتيح فرص العودة إلى عمل حكومي مشترك من خلال بيان رسمي يدعو ويلتزم بسياسة النأي بالنفس وهذا قرار ليس بصعب إذ أن حكومة الميقاتي والتي اعتبرها حزب الله والتيّار الحرّ بأنها حكومتيّهما قد أكدت في بيانها الحكومي على سياسة النأي بالنفس ويبدو أن الحريري غير طامع بأكثر من ذلك .
إقرا أيضا: الحريري بين قصرين!
في العودة إلى قطبي السيادة والإستقلال الحريري وجعجع ثمّة رهان قوي على عدم ردم الهوة بين الإثنين من خلال تجاوب فريق 8 آذار كلامياً مع الحريري وتضخيم صورة المنقذ الوطني لضم رئاسة الحكومة إلى الرئاستين وهنا تسقط كل محاولات النأي عن النفس بمضمونها الفعلي لا الكلامي وتصبح السلطة كاملة في عهد حلف سياسي غير معلن ولكنه قائم من خلال التفاهمات الرئاسية وقد أكّد الحريري نفسه على إستراتيجية هذه العلاقة ولم يعتبرها علاقة مرحلة بل أبدا استعداداً تاماً لإكمال مشروع المحاصصة وقد تكون طبخة الإنتخابات النيابية المدخل الأساسي لمرحلة الحلف الرئاسي الذي يشكل الغطاء المطلوب ولمن يحتاجه داخلياً وخارجياً باعتبار أن الدولة بمؤسساتها القيادية هي من رسمت سياسات لبنان وبالتالي يصبح الطعن فيها طعن بشرعية المؤسسات الوطنية لا الطائفية أو الحزبية المرتبطة بدول خارجية .
إقرا أيضا: المستقبل في ذمّة الإستقالة
هذا الرهان قوي جداً خاصة و أن فريق 8 آذار مجمع على خصومة القوّات ولا إمكانية لهضم الحكيم طالما أنه عنيد ومازال خارج الطوعية ولم يتأقلم بعد مع موازين القوى وما زال يحرص على سحب سلاح غير شرعي في حين أن الجميع تسالم وتصالح مع هذا السلاح بل إستقوى به لتثبيت حصة سياسية في السلطة أو للحصول على سهم من أسهم الشركة السياسية القائمة بين مجموعة تحالفات تشمل المؤمنين أو المنتفعين من محور الممانعة .
لم يعد الرهان على السبهان السعودي مُجد لتغيير طبيعة مادة التحليل السياسي بعد أن تبيّن وهن الموقف لنحلل بإمكانية أن يجدي نفعاً الضغط السعودي الملزم بعودة علاقة الحريري بالحكيم باعتبارهما أصدق الصديقين للمملكة إلى سابق عهدها إذ إنبرى واقع جديد تعزّز فيه دور الرئيس سعد الحريري وهو دور لم يعد دوراً يستمع لأحد ممن معه في السياسة بل هو دور تقريري على الآخرين الإلتحاق به دون نقاش وهذه سنة الأولين و الآخرين من أهل السياسة والحكم في تجاربنا العربية و الإسلامية خاصة وأن الجماهير تعمي الأبصار لهذا نرى أن من تحوكم حوله الناس قد أصابه مس وعمى دفعا به إلى الظلم و الإستبداد والنماذج كثيرة في هذا المجال .
يبدو أن هناك رهان آخر و إن كان أقل مونة من الرهان الأول وهو يسعى إلى لقاء قريب يجمع الحريري بجعجع لإزالة العوائق وتبديد كل ما من شأنه أن يمنع عودة العلاقة الثابتة بين الشخصين وبين التيارين وبقرار ملكي من الرجل الأقوى في المملكة ويُسهم فيه " صقور" تيّار المستقبل إستعداداً لمرحلة إنتخابية سوف تقرر من هو الرئيس ؟ وفقاً لأحجام الكتل النيابية التي تملك دستورياً وحدها الإجابة عن ذلك لمعرفة لبنان بعهد من ؟ وبمحور من ؟ وهذا ما سيضع لبنان واللبنانيين في آتون جديد .