حصل التريث اللبناني، وتجميد الاستقالة، والبحث عن مخرج للأزمة وإعادة تفعيل التسوية، بناء على ضغوط دولية. توقيت الاستقالة، الذي تزامن مع حراك دولي لإيجاد حلّ للأزمات المشتعلة في المنطقة، أوحى بأن السعودية من خلال تصعيدها في لبنان أرادت تجميع مزيد من الأوراق، لتحسين شروط التفاوض، فكانت استقالة الحريري عامل استدراج لإيران وحزب الله إلى تقديم تنازلات. حتى الآن لا تزال في الإطار الشكلي. لا شك أن ضغوطاً دولية كبيرة حصلت دفعت الحريري إلى التراجع عن استقالته، لكن الملف اللبناني لم يكن منفصلاً عن الملف اليمني، ولا عن مؤتمر الرياض 2، ولا عن قمة سوتشي الثلاثية، وكل هذه الاشارات تفيد بأن قطار التسويات أو الحوار الجدي قد انطلق.

بعد إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن استعداده لتقديم تنازلات وضمانات للحريري، تتعلق بالانسحاب من العراق، والابتعاد عن أزمة اليمن، تريث الحريري في تقديم استقالته، ودخل لبنان ضمن محاور التشاور الدولية. ووسط هذه المشاورات، تفيد مصادر بأن الملف السوري الذي سلك طريق الحلّ وفق ما أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سيشهد تطورات لافتة في الأشهر المقبلة. وقد تبدأ بتقديم حزب الله تنازلات جديدة تخص السلسلة الشرقية، ويستكمل ما كان بدأه سابقاً في تسليم بعض المواقع للجيش اللبناني.

وتكشف مصادر مطّلعة عن مساع تبذل لانسحاب حزب الله من بلدة الطفيل وتسليمها للجيش اللبناني. وهذا ما يحصل بناء على تنسيق غير مباشر ما بين الجيشين اللبناني والسوري، مع الإشارة إلى أن المسألة لا تزال بحاجة إلى مزيد من الوقت، للوصول إلى صيغة لتأمين الحدود بين البلدين، على أن تبدأ من تأمين بلدة الطفيل وانسحاب حزب الله منها.

أما في لبنان، فإن المسار السياسي سلك طريقه، لا سيما أن الحريري يبلغ جميع من يلتقي بهم بأن مرحلة ما قبل عودته إلى لبنان اصبحت وراءه. وهي اشارة إلى طي صفحة الاستقالة والعودة إلى تعزيز وضعيته في الحكم والتسوية، والتريث هو للاتفاق على تثبيت بعض الثوابت المتعلقة بالنأي بالنفس. فيما هناك من لديه وجهة نظر أخرى تفيد بأن السعوديين اضطروا إلى اتخاذ خطوات تراجعية بفعل الخطأ في التصرف والإخراج، وهم منحوا الحريري وقتاً لتعزيز مبدأ النأي بالنفس وتحصيل مكتسبات سياسية، وفي حال لم يحققها فحينها سيتم تخييره بين استمراره بما هو عليه أو الاستقالة، ليبنى على الشيء مقتضاه فيما بعد، حيث أن السعودية ستعاود البحث عن أفق لتصعيدها.

وعن المرحلة الحالية تقول المصادر: لا حوار حالياً، ستحصل اتصالات سياسية عادية قبل عودة الحكومة إلى العمل، ضمن مسار توافقي جديد يرتكز على مبدأ النأي بالنفس من قبل كل الاطراف. وقد طلب الحريري من الرئيس نبيه بري أن لا يسأله عما قبل العودة إلى لبنان، لأنها مرحلة ومرت. ما يعني أن مفاعيل الاستقالة انتهت، والامور ستعود لتثبيت التسوية، وتعزيز العلاقة بين المستقبل والتيار الوطني الحر. فالمرحلة ستكون للتحضير للانتخابات النيابية وتثبيت حكم الحريري عون.

هذا الحراك يندرج ضمن سياق أوسع، يرتكز على استعداد للحوار مع السعودية، لكن لدى إيران شرطاً لإنهاء التسوية السورية قبل الدخول في حوار حول اليمن، فيما يبرز مسعى روسي يعمل على تأمين ملف تفاوضي بشأن سوريا واليمن والعراق والبحرين. ومن ضمن هذا السياق، حصل الحريري على ضمانات تتعلق بخروج حزب الله من العراق، والتبرؤ من صواريخ اليمن، بالإضافة إلى إعادة تموضع في سوريا تمهيداً للانسحاب بعد إنجاز الحلّ السياسي. فيما المعلومات تفيد بأن إيران ستعمل على سحب قواتها من سوريا، في الفترة المقبلة، انسجاماً مع الكلام الروسي عن تقليص القوات الروسية من سوريا.

وتتوقّع المصادر أن ينطلق الحوار بين السعودية وإيران قريباً، وأن يهدف إلى إيجاد حلّ لأزمة اليمن. وقد أبدت إيران استعدادها لتقديم تنازلات هناك، أبرزها تجنّب تكرار ظاهرة حزب الله لدى الحوثيين، الأمر الذي يرفضه السعودي بشكل قاطع، والعمل على إنضاج التسوية السياسية على أساس المقررات الدولية، بحيث يتم تشكيل حكومة تضم جمع المكونات. وهذا الحلّ ينطبق على الوضع السوري، بحيث سيتم تشكيل مجلس انتقالي، أو حكومة انتقالية تضم مختلف الأطراف، مع تقليص صلاحيات الرئيس، على طريقة إتفاق الطائف في لبنان.