ذُهل العالم كلّه من تلك الصورة الدموية التي وضعَت مصر من جديد على مذبح الارهاب، ولعلها مأساة بكل المعاني الحزينة راح ضحيّتها المئات من المصلّين الأبرياء في أحد جوامع سيناء. في هذه المجزرة الفظيعة، قدّم الارهاب صورته البشعة المقزّزة التي اشمَأزّ منها كل العالم، ولم يعد السؤال مُجدياً عن ايّ دين يحللها أو يُجيزها؟ بل عن كيفية اجتماع العالم في حرب جدية لاجتِثاث هذا الارهاب الذي بات يقضّ مضاجع العالم بأسره. هذا المشهد الدموي، إستدعى تَعاطف العالم مع مصر في محنتها، ولبنان المكوي بنار الارهاب، تابعَ المأساة وعَبّر عن تضامنه ومواساته وإدانته لهذه المجزرة التي بالقطع لا تمتّ الى الإنسانية والبشرية بصِلة.
الواضح من مسار الامور في المنطقة أنها تسير على خطين متوازيين، تتبدّى في الاول محاولات لإنضاج تسوية سياسية حول الازمة السورية، وتتبدّى في الثاني حال من الغليان الشديد الآخِذ في التصاعد على الخط السعودي الايراني، حيث ظَهّرت الساعات الاخيرة مستوى عالياً جداً من التوتر بين البلدين عَكسته الحرب الكلامية المتبادلة بينهما.
وكان لافتاً في هذا السياق، ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز الاميركية عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث وصفَ المرشد الأعلى للثورة الاسلامية السيّد علي خامنئي بـ«هتلر جديد في منطقة الشرق الأوسط، لكننا تعلمنا من أوروبا أنّ الاسترضاء في مثل هذه الحالة لن ينجح. ولا نريد أن يُكرر هتلر الجديد في إيران ما حدث في أوروبا».
وهو كلام رَدّت عليه ايران عبر وزارة خارجيتها، التي اعتبرت تصريحات ولي العهد السعودي «غير ناضجة وغير موزونة وسخيفة»، ودَعته الى «أخذ العبَر من المصير المحتوم للحكام المُستبدّين المعروفين بالمنطقة».
أمّا البارز لبنانيّاً، في ما نقلته الصحيفة الاميركية المذكورة عن ولي العهد السعودي، فكان تناوله الملف اللبناني وما أحاطَ استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، وكذلك هجومه على «حزب الله»، حيث قالت «نيويورك تايمز»: بالنسبة الى الملف اللبناني، أصَرّ بن سلمان على أنّ خلاصة القضية تتمحور حول أنّ الحريري لن يستمر في توفير غطاء سياسي للحكومة اللبنانية التي تخضع بشكل رئيسي لسيطرة ميليشيا «حزب الله» اللبنانية، والتي بدورها تخضع بشكل رئيسي لسيطرة طهران».
كلام ولي العهد السعودي، شَكّل نقطة اهتمام أساسية في الداخل اللبناني، وأثيرت علامات استفهام حول مضمونه، من قبل مستويات سياسية ورسمية، إقترنت بمحاولات للغَوص في أبعاده والوقوف على مراميه، حيث خلصت بعض القراءات الى اعتبار ما قاله ولي العهد السعودي تأكيداً على الموقف السعودي المعلن منذ إعلان الحريري استقالته في 4 تشرين الثاني الجاري، ومحاولة لرسم «حدود سعودية» من الازمة السياسية الراهنة في لبنان.
مشاورات
يتزامَن هذا الموقف مع انطلاق ورشة مشاورات مكثّفة لتجاوز مرحلة «التريّث»، والتوَجّه نحو مرحلة تفاهمّية على أسس جديدة.
وفيما تُجمع المواقف الرئاسية انّ البلد تخطى قطوع الازمة حالياً، الّا انّ الشغل الأساس منصَبّ على معالجة ذيولها ومسبباتها، التي تتطلب جهداً ووقتاً، وصولاً الى صياغة موحدة ومتّفَق عليها لمعنى «النأي بالنفس» وحدوده.
دعم أميركي
وفيما طَمأنَ رئيس الجمهورية الى انّ «لبنان اجتاز الازمة»، جَدّد رئيس المجلس النيابي نبيه بري الإعراب عن أمله في تجاوز قطوع الازمة الراهنة نهائياً بما يُعيد البلد الى الانتظام في وضع طبيعي وتفاهمي. وأعرب الحريري عن ارتياحه لمسار الامور، ملاحِظاً إيجابيات في الاتصالات الجارية.
وكان اللافت أمس، تَلقّي الحريري دعماً أميركياً لافتاً، عبر اتصال هاتفي تلقّاه مساء امس من مستشار الأمن القومي الأميركي، الجنرال هربرت مكماستر، الذي أكد له «تَمسّك الإدارة الأميركية باستقرار لبنان ودعمها للدولة ومؤسساتها الشرعية».
توجّهات القوى
وعلمت «الجمهورية» انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أنهى جولة الاتصالات الاولى التي قام بها خلال الـ ٤٨ ساعة الفائتة، ويعمل على جَوجلتها وإجراء تقييم أولي لمقاربة العناوين الثلاثة المطروحة للحوار؛ أي: الطائف والنأي بالنفس والعلاقات مع الدول العربية.
وبحسب المعلومات فإنّ رئيس الجمهورية سيباشر بداية الأسبوع سلسلة لقاءات ثنائية لبلورة تصوّر أوّلي للحل، تلتزم فيه كل الأطراف ولا يكون مُجتزأ.
وقالت مصادر مواكبة لحركة الاتصالات لـ«الجمهورية»: المشكلة الحالية لا تكمن باستقالة الحكومة او تعويمها او تشكيل حكومة جديدة، إنما تكمن في الاتفاق النهائي على النقاط الثلاث هذه، والالتزام بها للسير قُدماً من دون مطبّات جديدة.
ولم تستبعد المصادر أن يكون الحل موثّقاً ومكتوباً وموقّعاً من كل الأطراف، ويتّسِم بوضوح لا يحتمل التأويلات. مؤكدة انّ كل مرجعية من موقعها، قامت بالاتصالات اللازمة مع حلفائها للخروج من الأزمة سريعاً، لكن من دون تسرّع. ونَفت ان تكون هناك اي مهلة زمنية محددة.
مصادر وزارية
وقالت مصادر وزارية بارزة لـ«الجمهورية» ان لا شيء مستبعداً في حركة المشاورات والاتصالات، وكذلك في الحوار الذي قد يجري في وقت قريب بين الفرقاء السياسيين برعاية رئيس الجمهورية.
فالوضع في لبنان أثبتَ خلال الازمة الاخيرة أنه يعاني هشاشة كبيرة تتطلّب تحصيناً وعملية إنقاذية يشترك فيها الجميع، وعلى وَجه الخصوص القوى السياسية الكبرى التي عليها مسؤولية ان تساهم إيجاباً على طريق بلوغ التسوية والتفاهم، وثمّة علامة إيجابية تتبدّى في انّ أداء هذه القوى خلال الازمة، أوحى بأنها تنحى في اتجاه المعالجة.
وإذ اشارت المصادر الى انه حتى الآن لم يتبلور شكل الحوار الذي سينطلق، سواء على طاولة موسّعة على غرار الجولات الحوارية السابقة، او طاولة رئاسية ثلاثية مُطعّمة بعدد مُختار من السياسيين، او طاولة محصورة بالقوى السياسية الكبرى.
لفتت الى ما وَصفته بالأمر الاساسي، وقالت: ليس المهم شكل طاولة الحوار او طولها او عرضها، بل انّ الأهمّ هو ان يتفاهم «حزب الله» وتيار المستقبل على أي صيغة على أيّ طاولة ثنائية كانت او موسّعة او حتى بالواسطة، وساعتئذ تنتهي المشكلة، علماً انّ الوضع الداخلي لا يحتمل المزيد من الانتظار».
تغيير الحكومة وارد ؟
وعلمت «الجمهورية» من مصادر موثوقة «ان لا فيتو سياسياً على أي طرح او فكرة تؤدي الى التفاهم المنشود، وبالتالي لا شيء مستبعداً. وهنا ثمّة فكرة مطروحة تفيد بأنّ الاقرب مدى للمعالجة يكون بإعادة إحياء الحكومة الجالية ودَفعِها الى العمل من جديد.
ولكن اذا ما اضطرّ الامر الى تعديل الحكومة، او حتى تغيير الحكومة على رغم عمرها القصير لأقلّ من ستة اشهر ربطاً بموعد اجراء الانتخابات النيابية في ايار المقبل، فليكن اذا كان هذا الامر سيخدم الوصول الى تفاهم. على ان يجري النص على «التفاهم السياسي الجديد» في البيان الوزاري للحكومة الجديدة.
وبحسب المصادر نفسها لا توجد اي تحفظات او موانع لدى ايّ من القوى السياسية، اذا ما نَحا الخيار في اتجاه تغيير الحكومة كسبيل لمعالجة الازمة الراهنة.
«التيار»
وفيما اكدت اوساط التيار الوطني الحر لـ«الجمهورية» انّ التيار لن يشكل عقبة في طريق المعالجة، أيّاً كان سبيلها. وهو امر اكّد عليه مرجع سياسي بقوله لـ»الجمهورية»: المعالجة السليمة هي الاساس، وكذلك عدم الاصغاء لمنطق المزايدين والمبالغين الذين حشروا أنفسهم في الزاوية ولن يكون لهم أي تأثير.
«حزب الله»
قال مصدر قيادي في «حزب الله» لـ«الجمهورية»: انّ الحزب مع كل ما يؤدي الى ترسيخ الاستقرار الداخلي وتأكيد الجو التضامني والوحدوي الذي تجلّى في الآونة الأخيرة، وهذا ما أكدناه للجميع».
«المستقبل»
وقال احد وزراء تيار المستقبل لـ«الجمهورية»: انّ الرئيس الحريري حَدّد من بعبدا المسار الذي يفترض ان تسلكه الامور للخروج من الازمة. والتريّث الذي أبداه رئيس الحكومة يَفترِض ألّا تكون فترة الانتظار طويلة.
عون
وقال النائب الان عون لـ«الجمهورية»: نحن حالياً في مرحلة العودة المتدرّجة الى ما كنّا عليه من ناحية عودة الامور الى نصابها على صعيد المؤسسات. ثمة ممر إلزامي عبر حوار يعيد صياغة تفاهم مشترك لمنطق النأي بالنفس. وما هو مهم حالياً هو أننا بحاجة الى تحمّل مسؤولية من قبل الجميع، فالوقت ليس وقت تسجيل انتصارات ولا مزايدات ولا شيء من هذا القبيل، بل السعي الجدي والمسؤول لإنتاج هذا التفاهم الجديد.
وردّاً على سؤال، أكّد على اهمية وضرورة تحصين التسوية السياسية، مشيراً الى انّ رئيس الجمهورية متحمّس لإعادة الامور الى نصابها في اقرب وقت ممكن، خصوصاً انّ البلد لا يحتمل اي نوع من الانتظار. فما يَهمّ الرئيس هو التوصّل الى معالجة نهائية للأزمة تُرَسّخ الاستقرار وتحصّن التسوية السياسية القائمة.
«القوات» و«المستقبل»
من جهة ثانية، تتراكَم الغيوم الداكنة في أجواء حزب «القوات اللبنانية» وتيار المستقبل، وسط تأكيد الطرفين على جو سلبي بينهما. وفيما اكد المستقبل على لسان اكثر من مسؤول فيه، وكذلك وزير الداخلية نهاد المشنوق على انّ هناك ما انكسَر بين الطرفين. وقالت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية» انّ حرصها على أفضل العلاقات مع تيار «المستقبل» لم يبادل بالمثل من قبل بعض قيادات التيار، الذين عمدوا في المجالس الخاصة أو عبر اعتماد أسلوب التسريب أو في الإطلالات الإعلامية إلى شَن حملة من الافتراءات على «القوات»، بالتوازي مع الحملة التي يشنّها إعلام محور الممانعة ضد «القوات».
ولفتت المصادر الى انه في وقت كانت «القوات» تؤكد على عمق العلاقة الاستراتيجية التي تجمع بينها وبين «المستقبل»، في سياق قضية مشتركة هدفها قيام دولة فعلية في لبنان، كانت بعض قيادات «المستقبل» تستغلّ غياب الرئيس الحريري من أجل إطلاق سهامها ضد «القوات» في حملة غير مفهومة ولا تخدم سوى «حزب الله» الذي لم يوفر وسيلة منذ العام 2005 إلّا واستخدمها بغية الفصل بين «القوات» و«المستقبل» تمهيداً للإطباق على القرار السياسي اللبناني.
أضافت: وإذا كان ليس جديداً على «القوات» تعرّضها لحملات من هذا النوع منذ تأسيسها ربطاً بدورها كرأس حربة المشروع السيادي في لبنان، فإنّ المستغرب، ويا للأسف، أن تتعرّض لحملات مشبوهة من قبل قوى يفترض ان تكون حليفة، كما يفترض ان تكون مُدركة لخطورة سلوكها وتصرفاتها وأن تتحلى ببُعد النظر، لأنّ هدف «حزب الله» في نهاية المطاف استفرادها وضرب الخط السيادي في لبنان، كما لا يفترض ان يَسهو عن بالها انه في حال نجح بفصل العلاقة بين «القوات» و«المستقبل»، ولن ينجح، سيدفعها إلى خيار من خيارين: إما الاستسلام لشروطه أو إخراجها من المعادلة السياسية.
وقالت المصادر انّ الحملة التي تتعرض «القوات» لها مرفوضة شكلاً ومضموناً، فليس «القوات» مَن تُحيك المؤامرات او تستخدم أسلوب الوشايات، لأنها لا تتكلم سوى لغة واحدة في الغرَف المقفلة وفي العلن، وتُبدّي باستمرار القضية على اي عنوان آخر، وهمها الأساس الوصول إلى نأي فعلي للبنان ودولة فعلية.
ولفتت الى أنه إذا قرّر البعض الخروج من الخط السيادي فهذا شأنه، ولكن لن تسمح له «القوات» باستهدافها تحت عناوين مُغرضة ومفبركة ومسيئة وتضليلية وكاذبة من أجل إثارة الغبار تبريراً لتوجهاته المُستجدة، وإذا كان هذا البعض يريد ان يقدّم خدمات مجانية لـ«حزب الله» أو دفعات على الحساب للحزب لأغراض وحسابات خاصة، فلن تسمح له «القوات» بالتطاول عليها.
وأكدت المصادر انها تنتظر من الرئيس الحريري ان يضع حداً لهذا البعض داخل تيار «المستقبل»، والذي يُسيء بسلوكه إلى تحالف سيادي استراتيجي، ويساهم عمداً أو عن جهل بخدمة مشروع «حزب الله» وأهدافه.
وخَتمت المصادر بالدعوة إلى التركيز على الأسباب الموجِبة التي دفعت الرئيس الحريري إلى الاستقالة، بدلاً من حَرف النقاش عن تلك الأسباب كما يفعل «حزب الله»، هذه الأسباب التي أعاد الحريري التشديد عليها من القصر الجمهوري لجهة الالتزام الفعلي باتفاق الطائف، والذي يستدعي من «حزب الله» تسليم سلاحه للدولة ضمن فترة معقولة، كما يستدعي خروجه من أزمات المنطقة وصولاً إلى تحييد فِعلي للبنان، ومنع استخدام لبنان كمنصّة لاستهداف الدول الخليجية والعربية، فضلاً عن انّ هناك فرصة ذهبية لانتزاع تنازلات جوهرية من الحزب تَصبّ في خانة تعزيز مشروع الدولة وتحصين الواقع اللبناني. وبالتالي، من المعيب على قوى يفترض ان تكون حليفة وفي قلب المشروع السيادي أن تكون في موقع المساهِم في ضرب «لبنان أولاً» و«الدولة أولاً».
وكان لافتاً في هذا السياق، ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز الاميركية عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث وصفَ المرشد الأعلى للثورة الاسلامية السيّد علي خامنئي بـ«هتلر جديد في منطقة الشرق الأوسط، لكننا تعلمنا من أوروبا أنّ الاسترضاء في مثل هذه الحالة لن ينجح. ولا نريد أن يُكرر هتلر الجديد في إيران ما حدث في أوروبا».
وهو كلام رَدّت عليه ايران عبر وزارة خارجيتها، التي اعتبرت تصريحات ولي العهد السعودي «غير ناضجة وغير موزونة وسخيفة»، ودَعته الى «أخذ العبَر من المصير المحتوم للحكام المُستبدّين المعروفين بالمنطقة».
أمّا البارز لبنانيّاً، في ما نقلته الصحيفة الاميركية المذكورة عن ولي العهد السعودي، فكان تناوله الملف اللبناني وما أحاطَ استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، وكذلك هجومه على «حزب الله»، حيث قالت «نيويورك تايمز»: بالنسبة الى الملف اللبناني، أصَرّ بن سلمان على أنّ خلاصة القضية تتمحور حول أنّ الحريري لن يستمر في توفير غطاء سياسي للحكومة اللبنانية التي تخضع بشكل رئيسي لسيطرة ميليشيا «حزب الله» اللبنانية، والتي بدورها تخضع بشكل رئيسي لسيطرة طهران».
كلام ولي العهد السعودي، شَكّل نقطة اهتمام أساسية في الداخل اللبناني، وأثيرت علامات استفهام حول مضمونه، من قبل مستويات سياسية ورسمية، إقترنت بمحاولات للغَوص في أبعاده والوقوف على مراميه، حيث خلصت بعض القراءات الى اعتبار ما قاله ولي العهد السعودي تأكيداً على الموقف السعودي المعلن منذ إعلان الحريري استقالته في 4 تشرين الثاني الجاري، ومحاولة لرسم «حدود سعودية» من الازمة السياسية الراهنة في لبنان.
مشاورات
يتزامَن هذا الموقف مع انطلاق ورشة مشاورات مكثّفة لتجاوز مرحلة «التريّث»، والتوَجّه نحو مرحلة تفاهمّية على أسس جديدة.
وفيما تُجمع المواقف الرئاسية انّ البلد تخطى قطوع الازمة حالياً، الّا انّ الشغل الأساس منصَبّ على معالجة ذيولها ومسبباتها، التي تتطلب جهداً ووقتاً، وصولاً الى صياغة موحدة ومتّفَق عليها لمعنى «النأي بالنفس» وحدوده.
دعم أميركي
وفيما طَمأنَ رئيس الجمهورية الى انّ «لبنان اجتاز الازمة»، جَدّد رئيس المجلس النيابي نبيه بري الإعراب عن أمله في تجاوز قطوع الازمة الراهنة نهائياً بما يُعيد البلد الى الانتظام في وضع طبيعي وتفاهمي. وأعرب الحريري عن ارتياحه لمسار الامور، ملاحِظاً إيجابيات في الاتصالات الجارية.
وكان اللافت أمس، تَلقّي الحريري دعماً أميركياً لافتاً، عبر اتصال هاتفي تلقّاه مساء امس من مستشار الأمن القومي الأميركي، الجنرال هربرت مكماستر، الذي أكد له «تَمسّك الإدارة الأميركية باستقرار لبنان ودعمها للدولة ومؤسساتها الشرعية».
توجّهات القوى
وعلمت «الجمهورية» انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أنهى جولة الاتصالات الاولى التي قام بها خلال الـ ٤٨ ساعة الفائتة، ويعمل على جَوجلتها وإجراء تقييم أولي لمقاربة العناوين الثلاثة المطروحة للحوار؛ أي: الطائف والنأي بالنفس والعلاقات مع الدول العربية.
وبحسب المعلومات فإنّ رئيس الجمهورية سيباشر بداية الأسبوع سلسلة لقاءات ثنائية لبلورة تصوّر أوّلي للحل، تلتزم فيه كل الأطراف ولا يكون مُجتزأ.
وقالت مصادر مواكبة لحركة الاتصالات لـ«الجمهورية»: المشكلة الحالية لا تكمن باستقالة الحكومة او تعويمها او تشكيل حكومة جديدة، إنما تكمن في الاتفاق النهائي على النقاط الثلاث هذه، والالتزام بها للسير قُدماً من دون مطبّات جديدة.
ولم تستبعد المصادر أن يكون الحل موثّقاً ومكتوباً وموقّعاً من كل الأطراف، ويتّسِم بوضوح لا يحتمل التأويلات. مؤكدة انّ كل مرجعية من موقعها، قامت بالاتصالات اللازمة مع حلفائها للخروج من الأزمة سريعاً، لكن من دون تسرّع. ونَفت ان تكون هناك اي مهلة زمنية محددة.
مصادر وزارية
وقالت مصادر وزارية بارزة لـ«الجمهورية» ان لا شيء مستبعداً في حركة المشاورات والاتصالات، وكذلك في الحوار الذي قد يجري في وقت قريب بين الفرقاء السياسيين برعاية رئيس الجمهورية.
فالوضع في لبنان أثبتَ خلال الازمة الاخيرة أنه يعاني هشاشة كبيرة تتطلّب تحصيناً وعملية إنقاذية يشترك فيها الجميع، وعلى وَجه الخصوص القوى السياسية الكبرى التي عليها مسؤولية ان تساهم إيجاباً على طريق بلوغ التسوية والتفاهم، وثمّة علامة إيجابية تتبدّى في انّ أداء هذه القوى خلال الازمة، أوحى بأنها تنحى في اتجاه المعالجة.
وإذ اشارت المصادر الى انه حتى الآن لم يتبلور شكل الحوار الذي سينطلق، سواء على طاولة موسّعة على غرار الجولات الحوارية السابقة، او طاولة رئاسية ثلاثية مُطعّمة بعدد مُختار من السياسيين، او طاولة محصورة بالقوى السياسية الكبرى.
لفتت الى ما وَصفته بالأمر الاساسي، وقالت: ليس المهم شكل طاولة الحوار او طولها او عرضها، بل انّ الأهمّ هو ان يتفاهم «حزب الله» وتيار المستقبل على أي صيغة على أيّ طاولة ثنائية كانت او موسّعة او حتى بالواسطة، وساعتئذ تنتهي المشكلة، علماً انّ الوضع الداخلي لا يحتمل المزيد من الانتظار».
تغيير الحكومة وارد ؟
وعلمت «الجمهورية» من مصادر موثوقة «ان لا فيتو سياسياً على أي طرح او فكرة تؤدي الى التفاهم المنشود، وبالتالي لا شيء مستبعداً. وهنا ثمّة فكرة مطروحة تفيد بأنّ الاقرب مدى للمعالجة يكون بإعادة إحياء الحكومة الجالية ودَفعِها الى العمل من جديد.
ولكن اذا ما اضطرّ الامر الى تعديل الحكومة، او حتى تغيير الحكومة على رغم عمرها القصير لأقلّ من ستة اشهر ربطاً بموعد اجراء الانتخابات النيابية في ايار المقبل، فليكن اذا كان هذا الامر سيخدم الوصول الى تفاهم. على ان يجري النص على «التفاهم السياسي الجديد» في البيان الوزاري للحكومة الجديدة.
وبحسب المصادر نفسها لا توجد اي تحفظات او موانع لدى ايّ من القوى السياسية، اذا ما نَحا الخيار في اتجاه تغيير الحكومة كسبيل لمعالجة الازمة الراهنة.
«التيار»
وفيما اكدت اوساط التيار الوطني الحر لـ«الجمهورية» انّ التيار لن يشكل عقبة في طريق المعالجة، أيّاً كان سبيلها. وهو امر اكّد عليه مرجع سياسي بقوله لـ»الجمهورية»: المعالجة السليمة هي الاساس، وكذلك عدم الاصغاء لمنطق المزايدين والمبالغين الذين حشروا أنفسهم في الزاوية ولن يكون لهم أي تأثير.
«حزب الله»
قال مصدر قيادي في «حزب الله» لـ«الجمهورية»: انّ الحزب مع كل ما يؤدي الى ترسيخ الاستقرار الداخلي وتأكيد الجو التضامني والوحدوي الذي تجلّى في الآونة الأخيرة، وهذا ما أكدناه للجميع».
«المستقبل»
وقال احد وزراء تيار المستقبل لـ«الجمهورية»: انّ الرئيس الحريري حَدّد من بعبدا المسار الذي يفترض ان تسلكه الامور للخروج من الازمة. والتريّث الذي أبداه رئيس الحكومة يَفترِض ألّا تكون فترة الانتظار طويلة.
عون
وقال النائب الان عون لـ«الجمهورية»: نحن حالياً في مرحلة العودة المتدرّجة الى ما كنّا عليه من ناحية عودة الامور الى نصابها على صعيد المؤسسات. ثمة ممر إلزامي عبر حوار يعيد صياغة تفاهم مشترك لمنطق النأي بالنفس. وما هو مهم حالياً هو أننا بحاجة الى تحمّل مسؤولية من قبل الجميع، فالوقت ليس وقت تسجيل انتصارات ولا مزايدات ولا شيء من هذا القبيل، بل السعي الجدي والمسؤول لإنتاج هذا التفاهم الجديد.
وردّاً على سؤال، أكّد على اهمية وضرورة تحصين التسوية السياسية، مشيراً الى انّ رئيس الجمهورية متحمّس لإعادة الامور الى نصابها في اقرب وقت ممكن، خصوصاً انّ البلد لا يحتمل اي نوع من الانتظار. فما يَهمّ الرئيس هو التوصّل الى معالجة نهائية للأزمة تُرَسّخ الاستقرار وتحصّن التسوية السياسية القائمة.
«القوات» و«المستقبل»
من جهة ثانية، تتراكَم الغيوم الداكنة في أجواء حزب «القوات اللبنانية» وتيار المستقبل، وسط تأكيد الطرفين على جو سلبي بينهما. وفيما اكد المستقبل على لسان اكثر من مسؤول فيه، وكذلك وزير الداخلية نهاد المشنوق على انّ هناك ما انكسَر بين الطرفين. وقالت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية» انّ حرصها على أفضل العلاقات مع تيار «المستقبل» لم يبادل بالمثل من قبل بعض قيادات التيار، الذين عمدوا في المجالس الخاصة أو عبر اعتماد أسلوب التسريب أو في الإطلالات الإعلامية إلى شَن حملة من الافتراءات على «القوات»، بالتوازي مع الحملة التي يشنّها إعلام محور الممانعة ضد «القوات».
ولفتت المصادر الى انه في وقت كانت «القوات» تؤكد على عمق العلاقة الاستراتيجية التي تجمع بينها وبين «المستقبل»، في سياق قضية مشتركة هدفها قيام دولة فعلية في لبنان، كانت بعض قيادات «المستقبل» تستغلّ غياب الرئيس الحريري من أجل إطلاق سهامها ضد «القوات» في حملة غير مفهومة ولا تخدم سوى «حزب الله» الذي لم يوفر وسيلة منذ العام 2005 إلّا واستخدمها بغية الفصل بين «القوات» و«المستقبل» تمهيداً للإطباق على القرار السياسي اللبناني.
أضافت: وإذا كان ليس جديداً على «القوات» تعرّضها لحملات من هذا النوع منذ تأسيسها ربطاً بدورها كرأس حربة المشروع السيادي في لبنان، فإنّ المستغرب، ويا للأسف، أن تتعرّض لحملات مشبوهة من قبل قوى يفترض ان تكون حليفة، كما يفترض ان تكون مُدركة لخطورة سلوكها وتصرفاتها وأن تتحلى ببُعد النظر، لأنّ هدف «حزب الله» في نهاية المطاف استفرادها وضرب الخط السيادي في لبنان، كما لا يفترض ان يَسهو عن بالها انه في حال نجح بفصل العلاقة بين «القوات» و«المستقبل»، ولن ينجح، سيدفعها إلى خيار من خيارين: إما الاستسلام لشروطه أو إخراجها من المعادلة السياسية.
وقالت المصادر انّ الحملة التي تتعرض «القوات» لها مرفوضة شكلاً ومضموناً، فليس «القوات» مَن تُحيك المؤامرات او تستخدم أسلوب الوشايات، لأنها لا تتكلم سوى لغة واحدة في الغرَف المقفلة وفي العلن، وتُبدّي باستمرار القضية على اي عنوان آخر، وهمها الأساس الوصول إلى نأي فعلي للبنان ودولة فعلية.
ولفتت الى أنه إذا قرّر البعض الخروج من الخط السيادي فهذا شأنه، ولكن لن تسمح له «القوات» باستهدافها تحت عناوين مُغرضة ومفبركة ومسيئة وتضليلية وكاذبة من أجل إثارة الغبار تبريراً لتوجهاته المُستجدة، وإذا كان هذا البعض يريد ان يقدّم خدمات مجانية لـ«حزب الله» أو دفعات على الحساب للحزب لأغراض وحسابات خاصة، فلن تسمح له «القوات» بالتطاول عليها.
وأكدت المصادر انها تنتظر من الرئيس الحريري ان يضع حداً لهذا البعض داخل تيار «المستقبل»، والذي يُسيء بسلوكه إلى تحالف سيادي استراتيجي، ويساهم عمداً أو عن جهل بخدمة مشروع «حزب الله» وأهدافه.
وخَتمت المصادر بالدعوة إلى التركيز على الأسباب الموجِبة التي دفعت الرئيس الحريري إلى الاستقالة، بدلاً من حَرف النقاش عن تلك الأسباب كما يفعل «حزب الله»، هذه الأسباب التي أعاد الحريري التشديد عليها من القصر الجمهوري لجهة الالتزام الفعلي باتفاق الطائف، والذي يستدعي من «حزب الله» تسليم سلاحه للدولة ضمن فترة معقولة، كما يستدعي خروجه من أزمات المنطقة وصولاً إلى تحييد فِعلي للبنان، ومنع استخدام لبنان كمنصّة لاستهداف الدول الخليجية والعربية، فضلاً عن انّ هناك فرصة ذهبية لانتزاع تنازلات جوهرية من الحزب تَصبّ في خانة تعزيز مشروع الدولة وتحصين الواقع اللبناني. وبالتالي، من المعيب على قوى يفترض ان تكون حليفة وفي قلب المشروع السيادي أن تكون في موقع المساهِم في ضرب «لبنان أولاً» و«الدولة أولاً».