طالعنا في اليومين الماضيين قائد الحرس الثّوري الإيراني محمّد علي جعفري بأمور عدّة مسارها تصعيديّ لا تتوافق مع الخطوات الإسترحاميّة التي أقدم عليها دولة الرّئيس سعد الحريري من حيث التريّث بتقديم إستقالته.
فهل إعتقد حزب الله في لبنان للوهلة الأولى بأنّ خطوة الرّئيس الحريري هي تراجع إلى الوراء في الموقف اللبناني - السنيّ وفي مواقف دول الخليج؟ وهل فعلا صدّق محور الممانعة بأنّه نجح في تفريغ إستقالة الحريري من مضمونها السياسي من خلال تحريف الأنظار عن المضمون إلى الشّكل؟
يخطئ من يظنّ أنّ أهل السّنة هم قوم يرضخون لقوّة السلاح وفائضه في المنطقة من سوريا إلى اليمن فالعراق والبحرين والكويت ومن يعتقد بأنّ العرب قد يتلهّون بالبذخ الإقتصادي النّاجم عن غنى بلادهم بالثّروات الطبيعيّة لصالح تقويض حريّة شعوبهم، فضلا عن السّماح للصّ الفساد والمفسدين بالتسلّل إلى قلب المجتمع العربي النّابض، فهو حتمًا مخطئ لم يقرأ تاريخهم يومًا.
ولبنان عربيّ الهويّة على ما ورد في مقدّمة دستوره، والرّئيس سعد الحريري يمثّل السنّة اللبنانيّين كما يمثّل كلّ المجتمع اللبناني المؤمن بلبنان أوّلا.
إقرأ ايضًا: العرب وشرق أوسطي فارسي
من هنا، تنبع نقطة الخلاف الأساسيّة مع إيران وأذرعها في لبنان والمنطقة، وهم لم ينكفئوا يومًا عن قضم تاريخ العرب واللبنانيّين الأحرار لتدجينهم، تارة بقوّة السلاح وطورًا بفائضه، فمن يعتقد بأنّه إغتال النّهج الحريري فكريًّا بإغتيال الرّئيس الحريري الأب جسديًّا وجب تصحيح معلوماته إنطلاقًا من إستمرار هذا النّهج مع دولة الرّئيس سعد.
وما تريّثه عن الإستقالة إلا إفساحًا في المزيد من الفرص للتّداول في مصير كلّ الخارجين على السّلطة والشّرعيّة بإمتلاكهم السلاح غير الشّرعي وبسيطرتهم على قرار الدّولة الإستراتيجي.
أمّا بعد، لكلّ هؤلاء الذين يسوّقون لإنتصار سياسيّ إلهيّ جديد على النّهج السيادي الذي يشكّل الرّئيس الحريري ركنًا أساسيًّا من أركانه فيجب أن يدركوا بأنّ مضمون الإستقالة ثابت ثبوت صخور شاطئ رأس بيروت وساحات الطّريق الجديدة، إستقال لأنّ من يفترض أن يكون " الشّريك" ينصّب نفسه "وليًّا" وهذا هو المرفوض تمامًا. تملّك السّلاح هو حقّ حصريّ للقوى الشّرعيّة ولن يقبل وريث من ضحّى بنفسه لتثبيت "لبنان أوّلا" بأن يبيع هذه المبادئ على طاولة المفاوضات في أسواق طهران ولا حتّى في أسواق العالم كلّها.
إقرأ أيضًا: توابيتنا وأمنهم ... لبنان في مهب التسويات السعودية والأوروبية
ما لم يُقبَل به تحت قوّة إحتلال السلاح في يوم العار في السابع من أيّار لن يُقبَل به اليوم لا سيّما في عهد رئيس جمهوريّة قويّ ساهم المستقبل في صنع هذا المستقبل.
إنّه "بيّ الكلّ" ولن نقبل بأن يكون عهده محكومًا بسلبطة وغطرسة السلاح غير الشّرعي، أردناه رئيسًا قويًّا بالقول وبالفعل وسنعمل طالما أوتينا لتحقيق ذلك من خلال حكومة قويّة لا تضمّ إلّا من يؤمن بالشّرعيّة وبحصريّة السلاح بيد القوى الشّرعيّة فقط وبلبنان أوّلا.
نعم إنّ سلاح حزب الله وحده قابل للتّفاوض في هذه المرحلة ومن يرفض هذه الشّروط فإنّه لا يريد لبنان أوّلا وشؤون إيران الدّوليّة فلتحلّ بالتّفاوض مع المجتمع الدّولي لأنّه لا شأن للبنان إلا بما يختصّ به فقط.
الإستقالة فالتّريّث ما زالا موضوع السّاعة مهما حاول الجعافرة حرف الأنظار وإجبار حزب الله اللبناني على دفن رأسه في الرّمال سيعرّض أجزاء أخرى منه للخطر.
إن أرادوا لبنان أوّلا، فألف أهلا بهم، وإن لم يقتنعوا بعد فساحات العالم مفتوحة لهم.