تطورات كثيرة حفلت بها الإتصالات المحلية والدولية لأجل الوصول إلى تسوية لاستقالة الرئيس سعد الحريري. من لقاءاته الفرنسية، إلى لقائه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس في طريق عودته إلى لبنان، كان الحريري يقود سلسلة اتصالات ومشاورات، للبحث عن مخرج من الأزمة التي دخلها لبنان. في الكواليس الدولية، كانت الجهود الفرنسية حثيثة للوصول إلى حلّ وسط. وهذا ما ناقشه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع قوى دولية مؤثرة على رأسها الولايات المتحدة الأميركية وإيران.
في موازاة الاتصالات الدولية، كانت الاتصالات الداخلية تُفعل، لا سيما بين حزب الله ورئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، والنائب وليد جنبلاط. كان الجميع يتباحث في كيفية إخراج لبنان من المأزق، على قاعدة تقديم تنازلات متبادلة، والتزام لبنان بالنأي بالنفس. أرسل الحريري إشارات متعددة إلى اللبنانيين، بأنه مستعد للتراجع عن استقالته، لكنه يحتاج إلى ضمانات. تلقّف الثنائي بري- جنبلاط هذا الطرح، وبدأت صياغة المخرج. وهو ما تجلى في اتصالات ولقاءات مكوكية طوال ليل الثلاثاء الأربعاء. وتفيد المعلومات بأنه عقد اجتماع ضم قوى الثامن من آذار لتوفير هذا المخرج، وتقديم الضمانات إلى الحريري، في مقابل مطالبته بالتريث في الاستقالة لفسح المجال أمام البحث عن حل. عرض الحريري إمكانية قبول ذلك، وطرح مهلة أسبوعين لذلك. لكن، لدى رئاسة الجمهورية وحزب الله، لا يمكن إنجاز ما عجزت عنه السنوات بأسبوعين. وهما يعتبران أن المهلة الزمنية ساقطة. فيما هناك حديث عن إمكانية إعادة إنتاج بيان وزاري جديد للحكومة القائمة.
انسجمت المواقف المحلية مع الاتصالات الدولية الكبرى التي قادتها دول عدة مع المملكة العربية السعودية، لأجل التراجع خطوة إلى الوراء، وعدم الاستمرار في التصعيد. مع تأكيد السعودية أنها سترضى بذلك، حرصاً على الاستقرار اللبناني وعلى العلاقات الأخوية، مع اشتراط الحصول على ضمانات بوقف أنشطة حزب الله العسكرية. وهو ما بات مرتبطاً بالتسوية الإقليمية الكبرى، وكانت الدول تعمل على تعزيزه، في ضوء الاتصالات مع الإيرانيين، والمواقف التي صدرت عنهم، والتي تعتبر تمهيداً للشروع في التسوية. وقد تجلّت في مواقف الرئيس الإيراني حسن روحاني، التي تطابقت مع موقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. فهما اعتبرا أن داعش انتهى، وهذه كلمة مفتاحية لإمكانية تقديم تنازلات، على قاعدة أن إيران وحزب الله يمهّدان لمرحلة ما بعد داعش، والتي تقضي بإعلان انتهاء المعارك في أكثر من دولة.
ولكن ماذا بعد؟ حتى الآن ما زالت الأمور في إطار التخمينات والتحليلات. وهنا يقول منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد لـ"المدن" إن الاستقالة جاءت مبنية على أسباب موجبة تم تبنيها في مجلس وزراء الخارجية العرب. وتقضي بوضع ملف السلاح على طاولة التفاوض، ورئيس الجمهورية ميشال عون طلب التريث من الحريري لإيجاد حل. ولا يمكن لرئيس الحكومة رفض ذلك. والتريث يرتبط بمهلة زمنية، وبناء على ما يتمتع به رئيس الجمهورية، من صلات وعلاقات وعمق مسيحي، فإذا ما وجد حلّاً يكون الحلّ قد وجد. أما في حال بقي الوضع على ما هو عليه، فإن الأزمة ستستمر. وعليه تُتخذ إجراءات الاستقالة إلى النهاية. وحينها على الجميع الوقوف أمام الاستحقاقات التي تترتب على ما يحصل.
وينفي سعيد إمكانية أن يسهم ما حصل في إعطاء صورة عن تراجع المملكة العربية السعودية أو تسجيل لبنان انتصار على توجهاتها وسياساتها. ويعتبر أنه لا يقرأ المسألة بهذا الشكل، فإذا كان الرئيس الحريري يضع التريث في سياق انتصار ضد السعودية، يصح اعتبار ذلك، ولكن لا نرى أن الحريري يضع التريث في هذا السياق، بل هو يهدف إلى وضع النقاط على الحروف. أما إذا أراد عون وضع ذلك في هذا الإطار، فعليه أن يتحمل مسؤولية ذلك.