عاد رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من المملكة العربية السعودية بعد زيارة للرياض إستمرت أقل من ثلاثة أسابيع إلى ربوع الوطن تاركًا السيف السعودي الذي هدد به بقطع الأيدي الإيرانية التي تتطاول على الدول العربية في المنطقة خلال بيان إستقالة حكومته الذي تلاه من منزله في المملكة.
في مخازن الصراع الإقليمي عابرًا في طريق العودة العديد من المحطات قادته أولًا إلى فرنسا للقاء رئيسها ماكرون وأعقبتها المحطة الثانية في القاهرة حيث التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأما المحطة الأخيرة فكانت في قبرص التي يمم شطرها في زيارة خاطفة والتقى رئيسها قبل أن تطأ قدماه أرض الوطن الأم لبنان ليشارك رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري وباقي أفراد الشعب اللبناني في المهرجان الذي أقيم في بيروت احتفالًا بعيد الإستقلال يوم الأربعاء الماضي ولكنه لم يعود عن الإستقالة بل تريث في تقديمها دستوريًا بطلب من الرئيس عون إفساحا في المجال ولفترة زمنية لم يتحدد مداها للبحث جديًا في الأسباب التي أدت لهذه الإستقالة ومحاولة معالجتها بجهود حثيثة وإستثنائية وبأقل الخسائر الممكنة لكافة الأطراف السياسية والحزبية المشاركة في الحكم.
إقرأ أيضًا: إستقالة الحريري تجنب لبنان ضربة إسرائيلية
وجدير بالإشارة إلى أن المنسوب العالي من التصعيد الذي ورد في بيان الإستقالة غاب عن التصريحات التي أدلى بها الرئيس الحريري في بيروت وعن الخطاب الذي ألقاه من مقر إقامته أمام جموع المناصرين الذين إحتشدوا قادمين من مختلف المناطق اللبنانية لإعلان التضامن مع مواقفه لكنه أصر في التصريح الذي أعلن فيه التريث بتقديم الإستقالة على ضرورة النأي بالنفس إزاء الصراعات العربية وعلى التذكير ببنود إتفاقية الطائف والمبادىء العامة التي يجب أن تتحكم بممارسة اللعبة السياسية وفي العلاقات بين مختلف المكونات اللبنانية وأمل الرئيس الحريري أن يشكل قراره بالتريث "مدخلًا جديًا لحوار مسؤول يمكن أن تتم خلاله معالجة المسائل الخلافية وإنعكاساتها على علاقات لبنان مع الأشقاء العرب".
وقرار التريث جاء في بيان مكتوب تلاه الرئيس الحريري في القصر الجمهوري بعد إجتماعه بالرئيسين عون وبري ومما جاء فيه "عرضت إستقالتي على فخامة الرئيس وتمنى علي التريث في تقديمها والإحتفاظ بها لمزيد من التشاور في أسبابها وخلفياتها السياسية فأبديت تجاوبي مع هذا التمني آملا بأن يشكل مدخلا جديا لحوار مسؤول يعالج المسائل الخلافية ويجدد التمسك بإتفاق الطائف".
ومن الطبيعي فإن قرار التريث لم يأت ابن ساعته وجاء نتيجة اتصالات سبقت الإجتماع مع عون وهو مرتبط بالآلية العملية لتطبيق مبدأ النأي بالنفس عن الصراع الإقليمي ورأت مصادر سياسية في بيروت أن في قرار التريث رغبة من الرئيس الحريري في إحراج حزب الله وتأمين أوسع دعم ممكن من الشعب اللبناني لمطالبه الوطنية وتابعت أن هناك عدة عوامل لسحب الإستقالة تتلخص في حماية إتفاق الطائف والإلتزام فعليًا بسياسة النأي بالنفس وعدم الإضرار بالعلاقات مع الدول العربية.
إقرأ أيضًا: نقل معركة الإستقالة من مرحلة الأسباب إلى مرحلة عودة الحريري
وفي السياق عينه فإن مصادر مقربة من حزب الله أكدت على إستعداد الحزب للحوار مع التأكيد أن سلاح الحزب سيكون خارج المعادلة وأن بحثه سيكون مرتبطًا بالإستراتيجية الدفاعية.
ومن جانبها كتلة الوفاء للمقاومة وفي بيان لها قالت أن "حزب الله منفتح على كل ما يحفظ الأمن والسلم الأهلي ويعيد حركة الدولة إلى سياقها الطبيعي" وتابعت أن "عودة الحريري إلى البلاد وتصريحاته الإيجابية والمسار الإيجابي للحوار تؤشر إلى إمكانية عودة الأمور إلى طبيعتها".
لا شك أن إستقالة الرئيس الحريري والتريث بتقديمها والإتصالات الدولية والعربية والمحلية المكثفة ستشكل مدخلًا لقيام رئيس الجمهورية العماد عون بدعوة كافة الأفرقاء اللبنانية للإلتقاء حول طاولة حوار جديدة لبحث أسباب الإستقالة ومعالجة ما يمكن معالجته تجنبًا لتعريض البلد لأي إهتزاز أمني أو الوقوع في فراغ حكومي مع مراعاة خصوصية كل فريق .