شيء واحد كشفته عودة الرئيس سعد الحريري، وحركة الاتصالات والاجتماعات والزيارات والاستقبالات التي كان هو محورها، ان الاستقرار مطلب لدى اللبنانيين، على كافة انتماءاتهم واتجاهاتهم، وأن «تجاوب الرئيس الحريري مع تمني رئيس الجمهورية التريّث في تقديم الاستقالة، هو «خطوة حكيم لأجل المزيد من التشاور»، على حد تعبير البيان الصادر عن الاجتماع المشترك لكتلة المستقبل والمكتب السياسي والمكتب التنفيذي لتيار المستقبل برئاسة الرئيس الحريري.
ومحور المشاورات، الذي اطلقته عودة الحريري، وقراره بالتريث بتقديم استقالته رسمياً يدور حول نقاط ثلاث، وفقاً لما ردّده رئيس الحكومة امام زواره، وعكس بيان الاجتماع المشترك للمستقبل:
1- إعادة الاعتبار للنأي بالنفس عن الحروب والصراعات المحيطة.. بشكل فعلي وعملي، ضمن تفاهم يوضع وضع التنفيذ.
2- الامتناع عن كل ما يُسيء إلى علاقات لبنان بأشقائه العرب.
3- رفض تدخل أي جهة لبنانية أو إقليمية في الشؤون الداخلية للبلدان العربية..
وقالت مصادر مطلعة ان هذه النقاط محور المشاورات الثنائية أو الموسعة التي سيطلقها الرئيس عون بالتفاهم مع الرئيسين نبيه برّي والحريري.
وكشفت المصادر ان الأزمة التي يُعمل علىاحتوائها الآن ما تزال قائمة، وأن الرئيس الحريري يحرص على وضع فحوى استقالته قيد البحث الجدي.
وقال مصدر وزاري لـ«اللواء» ان لا جلسات لمجلس الوزراء في هذه المرحلة، مشيراً إلى ان فترة التريث قد تطول، وهي بالتأكيد ليست خلال أسبوعين كما تردّد سابقاً.
وأكّد المصدر ان جميع الأطراف معنية بالتوصل إلى «تفاهم ما لمواجهة محاولات حصار لبنان سياسياً واقتصادياً، عبر الابتعاد عن سياسة المحاور».
وتوقف المصدر عند ما نقله التلفزيون الإيراني عن قائد الحرس الثوري الإيراني محمّد علي جعفري، من انه «نزع سلاح حزب الله غير قابل للتفاوض»، معلناً رفضه لهذا الموقف، من زاوية ان هذا النوع من التصريحات يعقد الأمور، ولا يقدم أو يؤخر في مقاربة صحيحة لأوضاع لبنان، مع العلم ان لا أحد في لبنان يطرح هذا الموضوع الآن، والموضوع المطروح يتعلق بابتعاد حزب الله عن الصراعات الإقليمية والانخراط بحوار حول الاستراتيجية الدفاعية.
التريث
ابدت مصادر رسمية متابعة للاتصالات واللقاءات التي تلت إعلان الرئيس سعد الحريري التريث بتقديم استقالته رسميا، عن ارتياحها للاجواء السياسية والشعبية التي اعقبت بيان الحريري من القصر الجمهوري، وبيان اجتماع «تيار المستقبل» بكتلته النيابية ومكتبه السياسي، وكذلك بيان كتلة «الوفاء للمقاومة» امس، واعتبرت انها كلها مؤشرات جيدة تبشّر بالسعي الجدي لإيجاد حل للأزمة السياسية – الحكومية.
واوضحت المصادر ان الرئيس عون اجرى امس في اتصالاته ولقاءاته تقييماً للموقف وللمناخات السياسية، لكنه سيأخذ وقته الكافي لتقرير المسار الذي سيسلكه في مشاوراته مع القوى السياسية، مستبعدة احتمال عقد طاولة مستديرة تجمع كل الاطراف لأن التجربة السابقة بالطاولات المستديرة لم تكن مشجعة. لكن قدتكون اللقاءات مصغرة ثنائية او ثلاثية ولا سقف زمنياً لها.
واشارت المصادر الى ان لا خلاف على مبدأ «النأي بالنفس» لكن هناك اختلافاً في تفسيره، فالبعض يريد النأي بالنفس عن الصراعات الاقليمية-العربية، والبعض الاخر يرى النأي بالنفس عن الصراعات العربية – العربية.والمهم في البحث كيف تتم ترجمة النأي بالنفس. لذلك سيأخذ الرئيس عون وقته لأن الامور غير واضحة بعد.
وتحدثت بعض المعلومات ان الرئيس نبيه بري سيشارك في الاتصالات والمشاورات وقد يكون لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط دوراً ما أيضا. خاصة انه بدأ تحركه مساء امس بلقاء مع الرئيس الحريري في بيت الوسط، رأى بعده ان «الغيمة مرّت وهناك أصدقاء كثر جداً للبنان وللشيخ عد، في إشارة إلى الرؤساء الفرنسي والمصري والقبرصي»، متمنياً ان «لا تطول لحظة التريث وأن تعود المياه الى مجاريها».
تفاؤل برّي
ومن جهته أبدى الرئيس برّي امام زواره ارتياحه لمضمون بياني كتلة «المستقبل» وكتلة «الوفاء للمقاومة»، مؤكداً اننا «تجاوزنا 90 في المائة من القطوع الحكومي»، مشيراً إلى ان «الكل يعمل وسترون الحل امامكم».
واعتبر برّي الذي تلقى رسالة من جنبلاط حملها إليه النائب غازي العريضي، ان الحكومة الآن طبيعية، متوقعاً ان لا يكون الحل بعيداً «لا شهرين ولا ثلاثة ولا حتى أسابيع، لكنه آثر عدم كشف النقاب عن ماهية هذا الحل، الا انه شدّد على انه مرتاح جداً للأجواء السائدة».
وإذا كان الرئيس برّي شاء بوصف وضع الحكومة حالياً «بالطبيعي» من دون ان يُؤكّد انها «قائمة» بالمعنى الدستوري لها على اعتبار ان الرئيس الحريري تريث بتقديم الاستقالة، بناءً على تمني الرئيس عون، فإن وزير الداخلية نهاد المشنوق وصف الحكومة بأنها «عادية لكنها لا تجتمع»، مشيراً إلى ان الأزمة مفتوحة، لكن الرئيسين عون وبري يتصرفان على قاعدة احتواء هذه الأزمة التي هي خارجية بالدرجة الأولى، موضحاً بأن الرئيس عون أقرب إلى الشراكة مع الرئيس الحريري في كيفية تناول موضوع النأي بالنفس في المرحلة المقبلة، وانه يهمه الحفاظ على الأمن والاستقرار بالشراكة مع الحريري.
وشدّد المشنوق في حديث إلى تلفزيون المؤسسة اللبنانية للارسال على ان التريث لا يعني إلغاء مضمون الاستقالة، لأن لبنان لا يستطيع ان يتحمل مسألة تمدد «حزب الله» خارج لبنان، مضيفاً بأننا «نعوّل على استراتيجية دفاعية يكون فيها سلاح حزب الله موجهاً ضد اسرائيل فقط، وليس أي دولة عربية، موضحاً بأن كل الكلام عن «لائحة ضحايا» في ما يتعلق بما قيل عن انقلاب ما في تيّار «المستقبل» لا حقيقة له، لكنه لفت إلى اننا «مررنا بأزمة كبيرة كان فيها تعدد أراء، لكنها، عبرت، والرئيس الحريري موجود وبابه مفتوح يناقشنا في أي موضوع استراتيجي، تاركا النقاش حول العلاقة مع «القوات اللبنانية» للرئيس الحريري والدكتور سمير جعجع.
«المستقبل»
وفي المعلومات، ان الرئيس الحريري شدّد خلال الاجتماع المشترك الذي رأسه ظهر أمس، لكتلة وتيار «المستقبل» على التفاهم إلى حل بينه وبين الرئيس عون، لافتا إلى ان موضوع الاستقالة بات في عهدته، وهو قيد التشاور لديه، بالتعاون مع الرئيس برّي، طالبا من نواب الكتلة التوقف عن انتقاد التيار الوطني الحر، خاصة وأن التفاهم معه سيكون حاسما للاستقرار اللبناني، مشيرا إلى انه سيكون هناك حوار مع «القوات» في الأيام المقبلة، وانه سيعالج بنفسه مسألة الحوار داخل «المستقبل».
وكان الإجتماع عبر عن ارتياحه لعودة الرئيس الحريري إلى موقعه الطبيعي في قيادة المسيرة السياسية والوطنية، ورأى في التحرّك الذي سعى ويسعى إليه التزاما مسؤولا بالخيارات التي تحمي استقرار البلاد وتجنبه مخاطر الانزلاق في الحرائق المشتعلة من حوله، معتبرا تجاوب الحريري مع تمني رئيس الجمهورية التريث في تقديم الاستقالة خطوة حكيمة لأجل المزيد من التشاور حول الأسباب والخلفيات وإعادة الاعتبار لمفهوم المادة النأي بالنفس عن الحروب والصراعات المحيطة والامتناع عن كل ما يُسيء إلى علاقات لبنان باشقائه العرب ورفض تدخل أي جهة لبنانية أو إقليمية في الشؤون الداخلية للبلدان العربية، وهي النقاط الثلاث التي شدّد عليها الرئيس الحريري في بيان التريث عن تقديم الاستقالة الذي اذاعه في بعبدا، على هامش حفل الاستقبال بعيد الاستقلال، وتم الاتفاق عليه بين الرؤساء الثلاثة على أنت تكون محور البحث والتشاور بشأنها في المستقبل.
وجزمت مصادر المعلومات لـ «اللواء» ان تعتمد بعبدا دبلوماسية محترفة بالنسبة للاتصالات التي ستتم حول العناوين الثلاثة التي حددها الرئيس الحريري، وأن الحوار في شأنها لن يكون على شكل طاولة حوار، مرجحة ان تتخذ الطابع الثنائي في المرحلة الأولى، متوقعة ان تساعد التطورات الحاصلة في المنطقة، لا سيما ما يتعلق بترجيح كفة الحل السياسي في سوريا بعد انتهاء وجود تنظيم «داعش» هناك وفي العراق، في مواكبة الحراك الداخلي بهدف الوصول إلى مناخ إيجابي يمهد للخروج بنتيجته، مشيرة الىان هناك اطرافا داخلية لها دورها في المساعدة برزت مؤشرات هذا الدور سواء في الإيجابية التي تجلّت في الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، أو في بيان كتلة الوفاء للمقاومة الذي تجنّب الإشارة للمرة الأولى بالاسم الى السعودية، مستخدما عبارة «بعض الدول الخليجية»، منوهاً بعودة رئيس الحكومة إلى البلاد والتصريحات الإيجابية التي صدرت عنه، وكذلك المسار الإيجابي الذي تسلكه المساعي، معتبرا انها تبشر بإمكانية عودة الأمور إلى طبيعتها».
وإلى جانب تطورات المنطقة، ثم مسعى آخر عربي، رفض الكشف عن تفاصيله الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، بعد زيارته أمس للرئيس الحريري في «بيت الوسط»، لكنه تحدث عن «مستقبل يبشر بالخير بالنسبة إلى لبنان».
وعلمت «اللواء» ان أبو الغيط الموجود حاليا في بيروت، زار الأردن خلال اليومين الماضيين في سياق الجهد الذي يقوم به على صعيد مساعدة لبنان لتخطي ازمته الحالية.
لحظات الوفاء والصدق
كل هذه التطورات جاءت عقب عودة الحريري إلى لبنان، حيث كان «نجم» العرض العسكري الذي اقامته قيادة الجيش في ذكرى الاستقلال في جادة شفيق الوزان، وحيث  لقي ترحيباً حاراً من الرئيسين عون وبري، ثم انتقل بسيارة واحدة مع رئيس المجلس التي قادها بنفسه إلى بعبدا، وهناك عقد الرؤساء الثلاثة اجتماعاً طويلاً، قبل أن يتحوّل إلى خلوة ثنائية، أذاع بعدها الحريري بيان التريث عن تقديم الاستقالة.
ومن بعبدا، انتقل الحريري إلى «بيت الوسط» الذي شهد تجمعاً شعبياً قدر بعشرات الألوف من المواطنين جاؤوا من مختلف المناطق اللبنانية للترحيب به والإعراب عن مبايعة رئيس التيار الأزرق، والتشديد على زعامته الوطنية، وأعلنت هذه الحشود عن دعمها وتأييدها لنهج الحريري ووقوفها إلى جانبه في كل الظروف والمواقف التي يتخذها، ما دفع اجتماع كتلة وتيار «المستقبل» إلى وصف ما جرى بأنه «زمن التيار الأزرق» الذي ينتفض مجدداً دفاعاً عن استقرار لبنان وسلامة العيش المشترك بين أبنائه، وتحصيناً لعروبته في وجه المتطاولين عليه».