لا أحد يسأل عن الصح في بلد الخطأ والخطيئة ولا أحد على استعداد للتصرف بالطريقة الصحيحة لا في السياسة حتى لا يقال ما لا يجب أن يقال بحق الخائفين على وطن مهدد من قبل أبنائه أكثر مما هو مهدد من قبل أعدائه.
لا شيء يبعث على الطمأنينة في لبنان فالأوضاع مُزرية كعادتها وتتفاقم باستمرار دون حلول تُذكر والناس نيام على بلاط المسؤولين ولا همّ عندهم لفقرهم الذي يتعاظم كل يوم فالمهم عندهم هو الزعيم الصغير والكبير والقائد الفذ ولا يقبلون أقلّ من أسماء الدلع هذه لمن سلب منهم حياتهم وجعلهم منصة لإطلاق الخطب النارية والتي لا تصيب العدو بقدر ما تُصيب مصالح الناس المتحوكمين خلف مذياع هنا و آخر هناك.
إقرأ أيضًا: المستقبل في ذمّة الإستقالة
أصبح لبنان بفعل الممانعة والسيادة أكثر فقراً من بلدان الفقر من الصومال إلى جنوب السودان إلى سكان القبور في مصر فالبطالة تتسارع بوتيرة عالية والمديونية على ذات الإرتفاع والغلاء الفاحش هو الآخر سيد السوق عوضاً عن المشاكل الإجتماعية وانتشار حالة من الهلوسة داخل المجتمعات اللبنانية والمدمنة على الأدوية والعقاقير والمواد المخدرة دون رقيب أو حسيب ويبدو أن هناك موافقة ضمنية على تعاطي اللبنانيين بالممنوع لإراحتهم مما هم فيه من تعاسة تقليداً لما هو متبع في بعض الدول التي تسمح بالحشيشة وبمواد أخرى لإسعاد الناس والزهزهة حتى يتنفس الناس الصعداء من السموم.
هرج ومرج في كل وسط سياسي وكل يغني على كتف زعيمه ولا يبكي على حاله ولا على بؤسه ولا على حاضره المهدد بالمخاطر ولا على مستقبله الضائع والمفقود إلى أجل غير مسمى وكل الطوائف تُزمر و تُطبل وترقص وتغني على ذبح أبنائها وهي غير مستعدة للتقدم ولو لخطوة واحدة تجاه الدولة بالمعايير المفقودة لا بالمعايير الموجودة لهذا تمّ تكريس لبنان كإطار سياسي قيد الدرس باعتباره غير قادر على أن يكون بلد مواطنة وهوية لفراغ أهله من الأهلية إذ لا أحد ينتمي إلى لبنان فكل اللبنانيين الفاعلين والمؤثرين فيه أي من جماعات الطبقة السياسية غير لبنانيين فأكثرهم يُدين بدين غير لبناني مما أعطوا نظرة عن إنتماءاتهم الفعلية لدول خارجية وهم على إستعداد تام للذود عنها ولو أدّى ذلك إلى إحراق لبنان بمن فيه والتجربة قائمة وما زالت مفتوحة على إحتمالات أسوأ مما مضى منها.
هذه التعاسة لناس باعوا أنفسهم لشيطان السياسة تُنذر بعواقب وخيمة لا باعتبارهم وقود حرب لمشاريع السلطة فحسب بل كعناصر مساهمة في وصول لبنان إلى هذا الإزدراء المتعدد الوجوه فلولا تغطية هذه الجماهير الغفيرة لسلاطين الطوائف لما مرّت مشاريع التفقير الممنهج بسلام وعبر ممرّات شعبية آمنة إذ أن تشكيلات هذا المجتمع كانت ضمانة لتمرير ما تريده السلطة دون إزعاج بل بتأييد وترحيب عارم من قبل شبكات الرأي التي تعمل لصالح النخبة السلطوية.
على مدار إستقالة الحريري والكل مستنفر لأغراض هذه الإستقالة من الأعلى إلى الأدنى وماذا كانت المحصلة شكر على الشكر في حين لا يهتز أحد لأي أزمة حتى أزمة السير لا أحد يراها والموت البطيء بفعل سياسات تُحسد من قبل جهابذة في العمل الحكومي تعيد "أنتجة" توابيت الموت لا أكثر مع كل حكومة إذ تتعزز حسابات السلطة على حسابات الناس.
إقرأ أيضًا: الحريري زعيم بدون سلاح وصواريخ
طالما أن الناس مجرد جماهير لخطابات السلطة لا تعويل على تصحيح المسارات بل رهان دائم على وضع لبنان تحت سطوة المالكين للجماهير ولا إمكانية لفتح ثغرة في جدار السلطة ما دامت محميّة بقوّة من الإسمنت الطائفي حيث تلعب شبكات هذه الطوائف الدور المطلوب منها على أكمل وجه وقد رأينا كيف تحركت وسائط هذه الطوائف من لحظة الإعلان عن الإستقالة في القصر الملكي إلى لحظة التريث المعلنة من على باب القصر الجمهوري وهنا برز الوسيط الإعلامي كإحدى المحركات الأساسية لتسويق ما تريده السلطة بكل حرفة وتعبئة مباشرة لعقل لبناني جمعي يعبأ تماماً كما تعبأ أي قنينة فارغة في المستوعبات والمخازن.