من لم يفهم من صقور 14 آذار ان رئيس الحكومة سعد الحريري عاد عن استقالته فعلاً عشية عيد الاستقلال في قصر بعبدا عندما استجاب لرغبة رئيس الجمهورية ميشال عون وأوصاه بـ”التريث”، فإنه تيقّن ان الاستقالة التي اعلنت من الرياض اصبحت في خبر كان عند سماعه لخطبة الحريري الجماهيرية العاطفية وهو يلقيها من أمام منزله في بيت الوسط، والتي نسفت الاستقالة المشؤومة فعلاً وقولاً.
امام منزله في وسط بيروت، احتشد الآلاف من مناصري “المستقبل” لتهنئته بسلامة العودة من محنته في الرياض، فشكرهم، وقال «لبنان أولا…أنا باق معكم ومستمر معكم، باقون معا ومستمرون معا لنكون خط الدفاع عن لبنان وعن استقرار لبنان وعن عروبة لبنان، وهذا اللقاء اليوم سيتكرر معكم، ليس فقط هنا، سترونني في عكار والمنية والضنية وطرابلس والقلمون وكل الشمال.. سترونني عندكم في البقاع، وعندكم في صيدا والجنوب، وعندكم في الإقليم والشوف وجبل لبنان، لندافع سويا عن بلدنا وحرية بلدنا وعروبة بلدنا واستقرار بلدنا».
لم يخيّب سعد رفيق الحريري امل اللبنانيين ولا أمل جمهوره، ولو انه من الخاضعين الأذلاء لكانت اكتفت السعودية بالاشارة له وهو في بيروت كي يستقيل ويرعد ويزبد ويحرّض على خصومه كما يفعل غيره، ولكن “ابن الملك” اضطر ان يستدعيه الى الرياض ويجرّده من أمنه الشخصي كي يملي عليه هذه الاستقالة الركيكة التي شعر اللبنانيون من جرائها بذلّ مهين لا يحتمله موالٍ ولا معارض.
السعودية هي مرجعية تاريخية للمسلمين السنة في لبنان والعالم العربي، ولكن عندما تحاول ان تصبح دولة وصية فان تيار المستقبل العلماني لا يفهم لغة “ولي الأمر” ولا “البيعة” كما قال وزير الداخلية نهاد المشنوق، لقد استشهد الرئيس رفيق الحريري كي يتحرّر لبنان من الوصاية السورية، واليوم مسح نجله سعد الحريري عار الاستقالة الجبرية في السعودية لانه يرفض الخضوع لوصاية الحليف العربي، حتى ولو كان القصد منها التصدي لوصاية قادمة عبر الخليج الفارسي.