ينتصر حزب الله في حربه على الإرهاب ويعلن السيد حسن نصر الله إنجاز هذا الإنتصار في اللحظة التي خرج فيها اجتماع الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية ببيان كرس فيها تصنيفه كحزب إرهابي، معممًا هذا التوصيف ليشمل الحكومة التي يشارك فيها.
هكذا بتنا في لبنان أسرى شباك التوصيف المستحيل لحزب الله فهو قد نجح في إنتزاع إعتراف دولي به بوصفه محاربًا للإرهاب.
تتأتى أهمية هذا الإعتراف من كونه صادرًا عن الجهات نفسها التي تعول عليها السعودية في مشروعها لتصميم حلف دولي يستهدفه ويقضي عليه، هذا الحزب المحارب للإرهاب هو نفسه الحزب الإرهابي عربيًا، والذي تعد مشاركته في الحكومة اللبنانية مدخلا لنزع الشرعية العربية عنها، وإلحاقها بتوصيف الإرهاب.
حزب الله إذن إرهابي عربيا ومحارب للإرهاب دوليًا، وعلى الرغم من التصنيفات الدولية التي تدرجه في عداد التيارات الإرهابية فإن غض النظر عن مشاركته في الحرب على الإرهاب يجعله شريكًا غير رسمي فيها يمكن أن يترقى في أي لحظة إلى مرتبة الشريك الرسمي.
إقرأ أيضًا: لبنان بين صدمتي الحريري وعون:العالم المنكفئ وإيران التوسعية
تأثيرات هذا المناخ على لبنان بعد إنتقال رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري من السعودية إلى فرنسا وتحولها إلى ضابط إيقاع أساسي في العلاقة بين لبنان والعالم، تعلن بوضوح عن نشوء سعد حريري جديد أوروبي الملامح يقوم دوره على لعب دور الوسيط بين السعودية وإيران وأوروبا من أجل تركيب تسوية، تريدها السعودية أن تكون نوعا من مقايضة بين أمنها في اليمن الذي يعد حزب الله أبرز فصيل يقود المعارك فيه ضدها، وبين تسليم لبنان لإيران.
ما تقترحه أوروبا والذي يتلاقى مع المسعى المصري يقوم على محاولة إنتاج تسوية لبنانية على أساس النأي بالنفس تعيد الحريري إلى سدة رئاسة الحكومة بعد نسف الأسباب الموجبة لإستقالته، وتنيط به دور ضابط الإيقاع، ومهندس العلاقات الأوروبية مع المنطقة، والرجل المؤهل لقيادة مشاريع إعمار سوريا.
يعني ذلك جملة أمور أبرزها أن هناك تناقضًا بين المساعي السعودية وبين المنطق الأوروبي فالسعودية تريد،على الرغم من لهجة التصعيد العالية النبرة ضد إيران، تصميم تسوية محدودة تراعي أمنها، تنطلق هذه التسوية من خصوصية سعودية لا تتناسب مع المنطق الأوروبي عمومًا والفرنسي خصوصًا الذي يعتبر أن عدم إدراج لبنان، الذي يضم خزانًا كبيرًا من اللاجئين السوريين في عداد شروطها، يجعلها غير مقبولة.
لا يبدو الأفق الإنتصاري الإيراني الذي يعبر عنه السيد نصر الله جاهزا لتلقف التسوية بصيغتها الأوروبية في الوقت الذي يرجح فيه أن تكون إيران ميالة للقبول بتسوية مع السعودية في اليمن وحسب.
يفتح هذا السياق الباب واسعًا للتساؤل حول مصير لبنان الذي يزوره الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في محاولة لتسويق تسوية ذات أفق عربي سعودي ربما تكون قابلة للتسويق، ويمكن أن تنسجم مع المناخ الإيراني المنصرف لتوكيد وضعه في المنطقة، كونها تؤمن له إعترافًا ما بحضوره في كافة الميادين التي لا تتصل بالأمن السعودي.
إقرأ أيضًا: جمعية قتلة سعد الحريري!
قد يدفع هذا الجو إلى نشوء حالة تناقض واضحة بين سعد الحريري المدفوع بقوة الدبلوماسية الأوروبية إلى تسويق تسوية تضمن النأي بالنفس، وتضبط إيقاع الساحة اللبنانية مرحليًا، وتحول دون انفجارها التام وتبقي الحريري على رأس الحكومة، وبين تسوية تقترحها السعودية لا تلتقي مع المصالح الأوروبية وتحصر الأمور في الشأن اليمني.
بين هذين الحدين يجد لبنان نفسه أمام مأزق خسارة زخم علاقته بالسعودية أو خسارة الدعم الأوروبي والفرنسي بما يمكن أن يؤمنه من بقاء المسألة اللبنانية مطروحة على جدول الأعمال العالمي.
يوجه نصر الله في خطاب إنتصاره رسالة لأوروبا تقول ببساطة شديدة أن حربه على الإرهاب تجعله شريكا لها في صيانة أمنها، تاليًا فإن تسليمه وإيران زمام الأمور في المنطقة لا يعد فاتورة باهظة مقابل صيانة الأمن الاوروبي.
حزب الله الإرهابي شريك في صيانة الأمن الاوروبي والسعودية التي تريد إشعال حرب ضده أو تصميم تسويات لا تشمل لبنان حاضن اللاجئين السوريين الأبرز في المنطقة تدفع في اتجاه تعتبره أوروبا مهددا لأمنها.
أدخلنا حزب الله الإرهابي محارب الإرهاب في لحظة بتنا فيها غير قادرين على تحمل أعباء إنتصاراته أو هزائمه، وحولنا شئنا أو أبينا إلى منتجين لحضوره.
نحن الآن في عين العالم بسببه وليس لأي سبب آخر، وإذا كان الحديث سابقا يدور حول اتخاذه من اللبنانيين رهينة، فإن ما أسفر عنه واقع اللحظة يقول إنه لم يعد وحيدًا في هذا النزوع، وإن التنافس بينه وبين من يعدون أنفسهم خصوماً له لا يرى في اللبنانيين سوى تلك القابلية التامة للإهدار، وإن التوابيت حين تتكاثر في بيروت فإن الأمان يزدهر في مكان آخر.