الوساطة الفرنسية التي لا ترتقي حتى الآن الى مرتبة «المبادرة» مستمرة. والتحرك الاستثنائي للرئيس إيمانويل ماكرون لا يتوقف عند حدود وإنما يستمر لاحتواء الأزمة من خلال القيام بمروحة واسعة من المشاورات العربية والإقليمية والدولية.
ووفق مصادر رسمية فإن ماكرون «مستمر في القيام بالاتصالات الضرورية من أجل خفض التوتر في المنطقة والبحث عن مخارج للأزمة السياسية الحادة في لبنان».
وفي هذا السياق، فإن ماكرون تشاور مع نظيره الأميركي دونالد ترمب ومع الرئيس عبدالفتاح السيسي وأمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ومع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
تجد فرنسا نفسها وسط لعبة سياسية وديبلوماسية بالغة التعقيد على كافة المستويات. وتحديات المرحلة الجديدة التي ستبدأ مع تقديم الحريري استقالته لرئيس الجمهورية ستشكل اختبارا لمدى قدرة الرئيس ماكرون على جمع الأضداد، وهو المبدأ الذي يشكل شعاره السياسي والديبلوماسي لا بل سياسته العامة في الداخل والخارج.
وتفيد تقارير فرنسية بأن ماكرون الساعي إلى تحصين لبنان ومنع تحوله إلى ساحة لتصفية الحسابات، بادر إلى «اختبار» مجموعة من الأفكار، أولها معرفة مدى إمكانية تقيد العهد بسياسة «النأي» بلبنان عن النزاعات الإقليمية وإعادة حزب الله إلى الداخل اللبناني ووضع حد لانفلاته الخارجي.
وهذه النقطة بالذات التي تشكل السبب الرئيسي لاستقالة الحريري طرحها ماكرون على الرئيس ميشال عون في آخر اتصال هاتفي معه. وثمة أوراق بيد الرئيس الفرنسي أولها إمكانية الدعوة لاجتماع لمجموعة الدعم الدولية للبنان على المستوى الوزاري. وحتى اليوم، لم تحسم باريس أمرها بل تنتظر ما سيحصل في اليومين القادمين من تطورات في لبنان.
وتسعى باريس لبلورة أفكار تحقق هدفين اثنين: توفير الاستقرار السياسي والأمني في لبنان في الداخل ومع محيطه، والثاني إيجاد السبل لاستمرار عمل المؤسسات، أي بكلام آخر العمل على إيجاد مخارج للأزمة التي فتحت مع استقالة الحريري وتوفير العناصر التي يمكن أن يقوم عليها توافق سياسي جديد يجنب لبنان الهزات والفراغ على السواء.
وترفض المصادر الفرنسية أن تكشف عن هذه العناصر بحجة أن الاتصالات مازالت مستمرة، وأنه يتعين إيجاد نقطة توازن بين ما يطلبه الحريري من جهة لسحب استقالته أو لقبول تكليف جديد برئاسة الحكومة وبين ما يقبل الطرف الآخر (أي حزب الله وحلفاؤه) تقديمه من جهة أخرى.
بيد أن هذه المصادر تعترف بأن الأمور تبدو بالغة الصعوبة بسبب التوتر المتصاعد في المنطقة حول دور إيران في تأجيج بؤر الصراع، وبيان المجلس الوزاري للجامعة العربية الذي يوجه سهام الانتقاد لحزب الله مباشرة.
وترى أوساط سياسية في باريس، على اطلاع على بما يدور من مشاورات، أن الحريري رغم الدفعة القوية التي وفرتها له استقالته، إلا أنه سيجد نفسه في وضع سياسي صعب حيث سيستحيل عليه أن يكون في حكومة واحدة مع حزب الله الذي وصفه بيان الجامعة العربية بـ«الإرهابي».