قبل أن يعلن الرئيس سعد الحريري من الرياض إستقالته من الحكومة اللبنانية بأيام، غرد وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان على تويتر داعيًا إلى "تطيير حزب الله" من الحكومة اللبنانية.
بعدها بأيام قليلة، أعلن الحريري إستقالته في سياق إستراتيجية تصعيدية بدأها الحريري نفسه في لبنان قبل إستقالته بأسبوعين وتوجها بالإستقالة من الرياض كإشارة سياسية واضحة لطهران.
وترافق إعلان الحريري عن إستقالته مع أخبار تسربت عن شروط جديدة للتسوية في لبنان لن يقبل سعد الحريري العودة للحكومة إلا بتلبيتها في ظل عجز رئاسي حتى الآن عن تكليف شخصية سنية بديلة عن الحريري لعدة إعتبارات، وورد في سياق هذه الشروط أن تكون الحكومة المقبلة من دون حزب الله وأن لا يشارك فيها لا من قريب أو بعيد.
وبعيدًا عن إستحالة هذا الشرط خصوصًا في لحظة إقليمية ترى طهران نفسها متفوقة لناحية الدور والمشروع والنفوذ، فإن هذا الشرط قد ينقلب على المطالبين به ويتحول إلى خسارة سياسية وتكريس لأمر واقع لا تريده السعودية وحلفاءها في لبنان.
إقرأ أيضًا: نفق مظلم يدخله لبنان بعد إستقالة الحريري
العزل لن يؤثر على حزب الله:
فتطيير حزب الله من الحكومة أو بالأحرى عزله داخليا سيقوي الحزب أكثر ويعطيه مساحة من التحرر من مسؤوليات كانت مضبوطة إلى حد بعيد بسبب مشاركته وتمثيله في الحكومة اللبنانية.
فلو عدنا إلى العام 2005 بعد إغتيال الرئيس رفيق الحريري، كانت دعوات قوى 14 آذار تصب كلها في إتجاه جذب حزب الله للمشاركة في الحكومات اللبنانية كونهم كانوا يعتبرون أن الأمر سيمهد لحزب الله الطريق للعبور إلى الدولة والتأقلم معها وسيسهل ضبطه.
خسرت بالتأكيد قوى 14 آذار الرهان فالحزب خرج عن حدود جغرافيا الدولة وبدأ يحارب في عدة بلدان عربية ولم تؤثر مشاركته في الحكومة على مشروعه الجهادي العابر للحدود.
لكن ما حققته هذه المشاركة على رغم إنهيار الرهانات أنها خلقت سقفا معينا أو منصة للتحاور مع حزب الله جعلت الحزب نفسه يخوض معارك سياسية وإعلامية ويجهد ويتعب لكي يتم ذكر كلمة "المقاومة" في البيان الوزاري وكانت هذه المحاولات تأتي غالبًا على حساب طول عمر تأليف الحكومات المتعاقبة فالحزب في مكان ما وعلى رغم "فائض القوة" الذي راكمه منذ سنين لا يزال يبحث عن غطاء قانوني يغطي سلاحه "المقدس" بنظر جمهوره والباحث عن "شرعية" يفتقدها لدى شرائح واسعة لدى اللبنانيين، فكانت صولات وجولات البحث والتفاوض من أجل ذكر كلمة "المقاومة" في هذه البيانات.
عند هذا الحد، أراد حزب الله العمل والتوسع تحت غطاء الحكومة اللبنانية لكن في الوقت نفسه يدرك الحزب ويدرك من يراقب ويحلل أداء الحزب والتنظيمات المشابهة له أنه في اللحظة التي تصبح الحكومة والمشاركة فيها تحدي وحاجة لا بد من التمسك بها خصوصًا في زمن التسويات والمراحل الإنتقالية من أرض الميدان إلى صالونات التفاوض والسياسة كما هو حال اليوم بعد إنتهاء معارك البوكمال.
لكن أيضًا لا بد من القول أن الثمن الذي يريده حزب الله في النهاية كتعويض عن مشاركته في تلك الحروب تتجاوز المشاركة في حكومة أو وزارة لتصل إلى إحتكار الحصة الأكبر والمساحة الأوسع من النظام وشكله في المستقبل، وتصبح بالتالي مسألة المشاركة في الحكومة على الرغم من أهميتها بلا قيمة على المدى الإستراتيجي وليست عامل إبتزاز للحزب.
إقرأ أيضًا: مخالفات دستورية حصلت في العام الأول للعهد
وعليه، فإن محاولات عزل حزب الله كما جرى سابقًا مع حزب الكتائب في الحرب الأهلية اللبنانية ستجعله أقوى ضمن السرد الذي تقدم لأن ما يطمح إليه أولا ليس حصة وزارية بل حصة في النظام وازنة لم يحن موعد التفاوض عليها بعد.
وأيضًا سيخلق حالة من "مظلومية حزب الله" بنظر اللبنانيين وسيتعاطفون معه، بالإضافة إلى أن الماهية الجهادية للحزب تجعله أقوى في حالات "العزل" لأنها تحرره من إلتزامات كانت مضبوطة بحكم المشاركة في الحكومة وستفقد قناة الإتصال الوحيدة معه المؤمنة من خلال منصة الحكومة وبالتالي هو من سيبتز مستغلًا "فائض القوة" بعد تحرره من ضوابط الشرعية اللبنانية.
حينها سيتصرف حزب الله على قاعدة أن لا شيء سيخسره فهو خارج الحكومة وسينطلق بأريحية من دون عوائق في ظل إنفتاح الحدود بين لبنان وسوريا والعراق.
فأي محاولة لعزل حزب الله لن تكون ذات أهمية إستراتيجية ولن تضعفه بل ستعطيه عوامل قوة إضافية، وعلى من يخطط لمواجهة الحزب وإضعافه أن يفصل بين حزب الله ككيان وجمهور وكوادر وبين لبنان الدولة والفكرة لأنه سيخطىء في الحسابات حتمًا في حال خلط بين الأمرين، فلبنان ليس حزب الله والعكس صحيح والواقع يقول أن الأزمة ستطول والعزل لأي مكون لبناني وبالأخص حزب الله سيعقد الأزمة أكثر ولن يضع لها حلول سريعة وجدية.