ما قام به الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، تجاه لبنان والرئيس سعد الحريري، مهم وجميل وثمين جداً. وهو كذلك لأنه فعل سياسي نابع من العقل والقلب معاً، وهو يأتي في سياق سياسة فرنسية تاريخية ومتواصلة، تؤكد في كل مساراتها على العلاقة الاستثنائية الفرنسية – اللبنانية.
كان يُقال دائماً إن فرنسا هي «الأم الحنون»، لأنّها تحتضن المسيحيين وخصوصاً الموارنة منهم. لكن فرنسا أثبتت وخلال جميع المسارات التي عاشتها ومرّت بها على مختلف الرؤساء الذين تسلّموا قيادتها، أنّ فرنسا تهتم بلبنان ككيان متكامل، وأنّ استقراره سياسياً واقتصادياً جزء أساسي من استراتيجيّتها في منطقة الشرق الأوسط. لذلك أنجدتْهُ دائماً ووقفت إلى جانبه تساعده على الوقوف والصمود ودعمه بقوّة وعبر تحرّك سياسي واسع، كما حصل في مؤتمرات باريس الاقتصادية.
ولا شك أنّ الدعم الفرنسي الكبير للبنان، تحقّق بالاتفاق مع دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية في وضعه تحت «خيمة» تقيه من «نار» موجات الأعمال الإرهابية الضخمة المبرمجة، وتحول دون حصول عمليات تهجير واسعة، كما حصل في سوريا والعراق. وإذا كانت تفاصيل سياسة وقاية لبنان من نار الحروب الأهلية والداخلية لا تُعرَف الآن، فإن الزمن كفيل بالكشف عنها، وبالتالي الشكر لأنّ
لبنان كان يقف على حدود «حزام» ناري من القنابل المكشوفة والكامنة.
تأكيداً لكل هذا، فقد كشَفَ مصدر ديبلوماسي مطّلع، بعد لقاء الرئيس ماكرون السياسي الحار والشخصي الاستثنائي بالرئيس الحريري وعائلته، أنّ السياسة الفرنسية للرئيس ماكرون في منطقة الشرق الأوسط تقوم على ركيزتَين:
] «همّ فرنسا الكبير هو تحقيق استقرار منطقة الشرق الأوسط». ولا حاجة كبيرة لشرح ذلك لأنّه منذ عقود وخصوصاً في عهد الرئيس جاك شيراك، يُعتبر استقرار المنطقة التي على ضفافها الجنوبية البحر الأبيض المتوسط أساسياً بكل ما يعني ذلك من تواصل وتداخل في نتائج هذا الاستقرار، خصوصاً في زمن تسلّل الإرهاب الداعشي من الضفاف الجنوبية إلى الضفاف الشمالية الأوروبية.
] «إنّ فرنسا تعمل على تفكيك كل أزمات المنطقة»، أما كيف ينعكس ذلك على لبنان، فإن المصدر الفرنسي المهم يتابع: «إن هدفنا بالنسبة للبنان هو حمايته من أزمات المنطقة الكثيرة والمتعددة». ولذلك كله فإنّ فرنسا تعمل على حل الأزمات خصوصاً الأزمة السورية منها. وتأكيداً لذلك فقد قال الرئيس ماكرون: «إنّ فرنسا ناشطة جداً وهي على اتصال وتواصل مع كل الأطراف والقوى حتى اليمن منها».
وبما خصّ لبنان، فإنّ الرئيس ماكرون أكّد أن «المجموعة الدولية المهتمّة بلبنان تنتظر إشارة من فرنسا للاجتماع وتقرير كل ما يُساهم في إخراج لبنان من أزمته» ودعمه كما سبق وحصل في المؤتمرات السابقة.
] الاهتمام الفرنسي الرسمي الاستثنائي بلبنان عبر العمل على ضمان أمنه واستقراره، لا يعود فقط إلى العلاقات التاريخية ولكن «لأنّ لبنان ثمين جداً للتوازنات في كل قضايا المنطقة». ولذلك أيضاً فإنّ فرنسا تدعم استمرار الاتفاق النووي مع إيران إلا أنّها تتحدث معها حول مختلف القضايا الشرق - أوسطية.
ولوحظ في مداخلة المصدر الديبلوماسي الفرنسي «أنّه تجنّب الحديث عن أي محادثات مع إسرائيل حول كل ما يتعلّق بحزب الله، مؤكداً أنّ فرنسا تحكي بهذا الموضوع مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية لأنّ فرنسا مهتمة بالحفاظ على استقرار لبنان». وليس خافياً في هذه الإشارة أنّ الولايات المتحدة الأميركية هي التي تمسك بالقرار الإسرائيلي ولا داعي للحوار المباشر طالما أنّه سيعود بعملية التفافيّة إلى واشنطن.
جهود فرنسا لحماية وضمان استقرار لبنان مهمة جداً، لكنها لا تكفي إذا لم يتّحد اللبنانيون ويتحرّكون على قاعدة متينة عمادها «لبنان أولاً».