وأخيرًا قطع الشك باليقين وحسم الجدل المتفاقم بين اللبنانيين والذي انطلق منذ اللحظات الأولى لإعلان إستقالته ولبى رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري المتواجد في المملكة العربية السعودية الدعوة الفرنسية وزار باريس والتقى الرئيس الفرنسي يوم السبت الماضي واضعًا حدا للشائعات والأقاويل التي تناولته بكثير من الخفة والإتهامات المبنية على أوهام وأحلام والتي لا تمت للحقيقة بصلة بأن وجوده في منزله في السعودية خاضعًا للإقامة الجبرية وللمراقبة الأمنية الدقيقة ومقطوع الإتصال بالعالم الخارجي ومسلوب إرادة التواصل حتى مع أقرب المقربين إليه بعدما تمت مصادرة هواتفه الخاصة أو مراقبتها بدقة شديدة وأنه فاقدا لإمكانية التحرك والتنقل داخل المملكة وخارجها ومعتقل داخل أربعة جدران وعاجزًا عن الإدلاء بأي تصريح والتعبير عن مكنونات نفسه وتم وضعه تحت أنظار الأمن السعودي لمراقبة حركاته وسكناته وكلامه وحتى مضمون بيان الإستقالة كان خاضعا لتوجهات السياسة السعودية وتم كتابته في الغرف السوداء والمغلقة التي تعبر عن نزوات وطموحات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان!
إقرأ أيضًا: إهتمام دولي بإستقرار لبنان بعد إستقالة الحريري
وبلغ منسوب الإسفاف لدى بعض المراجع اللبنانية إلى مستوى إتهام السلطات السعودية بمصادرة حرية الرئيس الحريري والإحتفاظ به كرهينة دون إعطاء أي معلومات أو معطيات واضحة أو وقائع ميدانية تثبت إدعاء الإعتقال، وانبرى البعض للمطالبة بعرض قضية الحريري على المنظمات والهيئات العربية والدولية لمطالبة السعودية بفك أسره.
فجاءت زيارته إلى فرنسا لتدحض هذه الشائعات والترهات وتنفي هذه الإفتراءات والإدعاءات الواهية والكاذبة ولتصويب البوصلة في الإتجاه الصحيح وإعادة إلقاء الضوء على أسباب الإستقالة وحيثياتها والمطالبة بفك أسر البلد من القبضة الإيرانية وتحريره من قيود التبعية للمشروع الإيراني في المنطقة القائم على التمدد خارج الحدود بإشعال المعارك وإثارة المشاكل والفتن في العديد من دول المنطقة باللجوء إلى إنشاء ميليشيات وتنظيمات وأحزاب مسلحة في تلك الدول تابعة مباشرة للحرس الثوري الإيراني وهو الجهاز العسكري الأقوى في إيران والممسك بمفاصل النظام التابع لسلطة الولي الفقيه والذي يهيمن على كافة مقدرات ومؤسسات وإدارات البلاد والمتحكم بقراراتها المصيرية والمفصلية.
ويعتبر حزب الله الذراع الإيرانية الأكثر تسليحًا وخبرة الذي استطاع أن يوسع دائرة نشاطه العسكري لتشمل سوريا والعراق واليمن والبحرين وأطراف السعودية لإمتلاكه منظومة عسكرية هائلة وخاصة السلاح الصاروخي وخبرات واسعة في الحروب والقتال وتقنيات عالية في إستخدامات الأسلحة المتطورة.
إقرأ أيضًا: نقل معركة الإستقالة من مرحلة الأسباب إلى مرحلة عودة الحريري
وفي الداخل اللبناني إستطاع حزب الله أن يصادر دور الدولة وإدارتها ومؤسساتها وأجهزتها السياسية والعسكرية والأمنية ونسبة كبيرة من قراراتها المصيرية وخصوصًا تلك المتعلقة بالحرب والسلم لدرجة أثارت حفيظة إسرائيل ودفعت قادة العدو الصهيوني في الشهور القليلة الماضية لتوجيه التهديدات المباشرة إلى حزب الله والدولة اللبنانية باعتبارها أنها هي من يغطي نشاطات الحزب العسكرية وتصاعدت حدة التهديدات المتبادلة بين قياديي حزب الله ومنهم الأمين العام السيد حسن نصرالله والمسؤولين الإسرائيليين وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لدرجة بدت الحرب بين إسرائيل ولبنان هي الخيار الأوحد والأقرب والقابل للإشتعال، سيما بعد التهديدات الإسرائيلية ليس فقط بإستهداف مواقع ومراكز الحزب العسكرية والأمنية والاجتماعية بل أن التهديد شمل كافة البنى اللبنانية وأن البلد بأكمله تحت مرمى القصف الصهيوني بإعتبار أن الدولة اللبنانية تشكل غطاءًا شرعيًا لممارسات وأعمال حزب الله القتالية.
وفي سياق هذه التطورات الدراماتيكية جاءت إستقالة الرئيس سعد الحريري لرفع الغطاء عن تجاوزات حزب الله في الداخل وعن انخراطه في الحروب الإقليمية وكصوت لبناني مسؤول ومرتفع وخطوة متقدمة لتجنيب البلد أي حرب قد يجرها إليه الحزب مع إسرائيل واختار المكان الآمن في السعودية لإعلان هذه الإستقالة.
وجاءت المبادرة الفرنسية بدعوة الحريري لزيارة باريس كمحطة في طريق عودته إلى وطنه الأم لبنان كدور لفرنسا لا يخرج عن سياق إبعاد شبح أي حرب إسرائيلية محتملة ضد لبنان.