دخل لبنان على خطّ تدويل الأزمة، وربطها بكل ما يجري في الإقليم. الاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب، كان واضحاً في توجهاته، ليس من خلال البيان الختامي، بل من خلال كلام عدد من الوزراء، وفي مقدمهم وزيرا خارجية السعودية والبحرين، اللذان صوبا الأسهم تجاه حزب الله وانخراطه في صراعات المنطقة، وتدريبه عناصر في الدول الخليجية واستهدافها. وقد تم تصنيف الحزب بأنه إرهابي.
لم تعد الأزمة اللبنانية مرتبطة بتفاصيل الداخل، ومفاوضات تشكيل الحكومة أو الاستمرار في حكومة تصريف الأعمال، ولم يعد الرئيس سعد الحريري أو موقفه أو مصيره هو الأساس في التعاطي مع التطورات في الأيام المقبلة، فالوجهة أصبحت واضحة، وهي تصعيد خليجي ضد إيران وحلفائها في لبنان.
ما لم يقله وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، قاله وزير خارجية البحرين، الذي اشار إلى أنه قد لا يكون هناك موقف موحد للدول العربية ازاء التدخلات الإيرانية، ولا يمكن البناء على العمل العربي المشترك لمواجهة هذه التحديات. وقد ذهب بعيداً حين اعتبر أن على العرب أن يصارحوا أنفسهم، بضرورة تعزيز التحالف مع الولايات المتحدة الاميركية، ومع الأسطول الأميركي السادس، لمواجهة إيران وحماية مياه الخليج. وهذه الكلمة تؤشر إلى ما ترمي إليه دول الخليج، في الأيام المقبلة، وهو البحث عن تحالف دولي لمواجهة إيران وحلفائها. وهو ما تريد السعودية تعزيزه في اجتماع سيعقد في 26 الشهر الحالي، للتحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب.
عملياً، حاول لبنان التهرب من المواجهة والتصعيد، فلم يشارك وزير الخارجية جبران باسيل في الاجتماع، بل تمثّل لبنان بمندوبه الدائم لدى الجامعة العربية انطوان عزام. والهدف من ذلك، تجنّب باسيل أي مواقف تصعيدية في الجلسة، لا سيما بعد المواقف التي اتخذها خلال جولته الأوروبية. كما أن لبنان يعتبر أنه من خلال ذلك قد يجد سبيلاً للنأي بنفسه عن مقررات الاجتماع والبيان الختامي، على قاعدة أن الحكومة لم تجتمع ولذلك نأى بنفسه. وهذا ما كان باسيل قد عمل عليه خلال سلسلة اتصالات، أجراها بعدد من الوزراء العرب، لمطالبتهم بتخفيف حدّة البيان تجاه لبنان، وتحييده عن التدخلات الإيرانية. وهذا ما شدد عليه عزام، مع إدانة لبنان أي تدخل بشؤون الدول العربية. لكنه أشار إلى ضرورة عدم التدخل بشؤونه، كما رفض ذكر حزب الله وتصنيفه بالإرهابي. وهنا تقول مصادر دبلوماسية عربية إن لبنان ومن خلال مساعي وزير خارجيته لا يزال يحاول الهروب إلى الأمام وعدم مواجهة الحقائق. وعلّقت على طلبه بتحييد لبنان عن التدخلات الإيرانية بالقول: "يبدو أن الوزير باسيل يجانبه السبب الحقيقي للاجتماع، فهو مخصص لأجل بحث التدخلات الإيرانية واعتداءاتها، فكيف يمكن تحييد لبنان عن ذلك".
لم تكن المصادر العربية تتوقع الوصول إلى قرار حاسم وواضح يحظى بالاجماع العربي ضد إيران. لأن مواقف دول متعددة معروفة، تعتبر أن التضامن مع السعودية، وإدانة أنشطة إيران وحلفائها، هو أمر كاف في هذه المرحلة، لتقديم دعوة إلى مجلس الأمن الدولي، ضد التدخلات الإيرانية والارتكابات التي يسجّلها حلفاء إيران في عدد من الدول العربية. وتعتبر المصادر أن التحركات الخليجية أو العربية ستكون ردّاً على ممارسات إيران طوال السنوات الماضية، مشيرة إلى أن المنطقة على مشارف مرحلة جديدة.
وترى المصادر العربية، أن لبنان أصبح جزءاً من هذه التطورات، التي بدأت مع استقالة الحريري، لافتة إلى أن لبنان صوّر نفسه وكأنه حقق انتصاراً على السعودية استناداً إلى دعم فرنسي وأوروبي، ويحاول تصوير أنه حرر رئيس حكومته المستقيل من الاحتجاز، فيما الصورة تبدو مغايرة. وتضع المصادر الموقف اللبناني هذا في خانة "الكذب على النفس" وادعاء انتصارات وهمية، معتبرة أن المواقف التي أطلقها باسيل خلال جولته الأوروبية لن تمرّ بشكل عابر. وهناك مساع دولية للتعامل مع هذا الواقع المستجد، لأن الدول العربية كانت تفضّل فصل لبنان عن حزب الله، إلا أن المواقف تلك اظهرت توأمة بين الموقف الرسمي للبنان وموقف الحزب ومن خلفه إيران.
أمام هذا الكلام، كان لا بد من التوقف عن الاتصال الذي أجري بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي جرى خلاله البحث بأزمة لبنان. وأكد البيت الأبيض أن الرئيسين بحثا في كيفية التصدي لحزب الله وإيران في لبنان. وهذا مؤشر لافت على التوجه الدولي، ولا يمكن فصل ذلك عن الاتصال الذي أجري بين ماكرون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي بحث أيضاً في التهديدات التي يمثّلها حزب الله.
وتقول المصادر إن المرحلة المقبلة، ستلحظ نهجين مختلفين للتعاطي مع لبنان والأزمة اللبنانية وحلفاء إيران في المنطقة، لكن هدفهما موحد، الأول هو التصعيد الذي ستستمر عليه السعودية والولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى، مقابل محاولة أوروبية تقودها فرنسا، لأجل تخفيف حدة التوتر، ومنع تطور الأوضاع بشكل سلبي. لكن هذه المساعي الأوروبية، وفق المصادر، ستنطلق لأجل تحقيق خروقات في الموقف الإيراني، والحصول على تنازلات جدية وكبيرة. فالوضع لم يعد يسمح بالتساهل، ولا بتمرير الوقت، لأن التوجه الدولي واضح، لأجل وقف تدخلات إيران في المنطقة، وتحجيم نفوذها، وتقديم تنازلات كبرى على صعيد حلفائها. وتصف المصادر المرحلة المقبلة بأن إيران ستكون أمام خيارين "العصا الأميركية السعودية، أو الجزرة الأوروبية".