فيما الجميع ينتظر عودة الرئيس سعد الحريري من باريس ليُبنى على الشيء مقتضاه في مصير استقالته، وبالتالي مستقبل الاوضاع الداخلية، وسط مؤشرات تدل الى إصراره عليها ودفعه في اتجاه تعديل التسوية التي أنتجت انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وتولّيه هو رئاسة الحكومة، إتخذ مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب موقفاً يجمع من جهة على مواجهة التدخلات الايرانية في الدول العربية، ويصنّف من جهة ثانية «حزب الله» المشارك في الحكومة «تنظيماً ارهابياً»، الامر الذي تحفّظ عنه لبنان وأكّد «التزامه النأي بنفسه لعدم قدرته على التأثير إيجاباً في النزاعات الدائرة من حوله». وفيما ينتظر ان يكون لعودة الحريري وموقف الجامعة تداعياتهما على الواقع السياسي الداخلي، قالت مصادر سياسية «انّ المرحلة الجديدة الحبلى بالنزاعات، والتي يتداخل فيها اللبناني بالاقليمي والدولي، تُبقي كل الاحتمالات مفتوحة، سواء نحو تسويات سياسية أو نحو امتحانات أمنية». واضافت: «لا أحد يستطيع حتى الآن الجزم كيف ستتطور الاحداث، إذ كلما طالت الازمة بلا حل كلما ازدادت الاخطار الامنية، لأنّ الطرفين المعنيين بالوضع لديهما القدرة على تحريك قوى خارجية لتأزيم الوضع اللبناني».
في ظلّ الاصرار الاميركي ـ الفرنسي على «مواجهة أنشطة «حزب الله» وايران المزعزعة للاستقرار في المنطقة»، وفي موازاة الاتصالات والمساعي الفرنسية لحلّ الازمة اللبنانية، تقاسمت القاهرة وباريس المشهد السياسي أمس، فيما ظل لبنان يترقّب عودة رئيس الحكومة سعد الحريري الذي أمضى يومه الباريسي الثاني أمس بلقاءات مع قريبين منه، بعد اجتماعه السبت مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على أن يزور مصر غداً للقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، قبل ان يعود الى بيروت للمشاركة في الاحتفال بعيد الاستقلال والادلاء بالمواقف التي كان وعد بأنه لن يعلنها الّا في لبنان.

فقد حمّل اجتماع وزراء الخارجية العرب، الذي انعقد في القاهرة امس،»حزب الله» الإرهابي المشارك في الحكومة اللبنانية مسؤولية التدخّل في الشؤون العربية وتدريب الإرهابيين وتأسيس جماعات ارهابية وتمويلها من قبله ومن قبل ايران»، ودانَ إطلاق صاروخ من اليمن في اتجاه الرياض، معتبراً ذلك «تهديداً للامن القومي العربي»، ومؤكداً «حق السعودية في الدفاع عن اراضيها».

وقال الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط: «إنّ المجلس الوزاري العربي لم يُقرر بعد اللجوء الى مجلس الأمن، وانّ القرار جاء لإحاطة مجلس الأمن الدولي بموقف الدول العربية وهذه المرحلة الأولى. ولعلّ في مرحلة تالية نجتمع مرة أخرى للجوء الى مجلس الأمن وطرح مشروع قرار عربي على المجلس». وأعلن انّ «الوفد اللبناني تحفّظ عن البيان الختامي لاجتماع وزراء الخارجية العرب».

في المقابل، أكد مندوب لبنان الدائم في الجامعة العربية السفير انطوان عزام، أنّ «لبنان الرسمي آثَر، وبالاستناد الى موقفه المبدئي القاضي بعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، بالابتعاد عن كلّ ما يمكن أن ينقل التوتر الى ساحته الداخلية، مُلتزماً النأيَ بنفسه لعدم قدرته على التأثير إيجاباً في الصراعات الدائرة من حوله، مكتفياً بتحمّل الأعباء الانسانية الناجمة من تحوّله الى بلد نزوح بامتياز».

في هذا الوقت برز موقف سعودي جديد على لسان وزير الخارجية عادل الجبير، أعلن فيه انّ بلاده أيّدت الحريري منذ البداية ولاحقاً، «لكن التحديات تغيّرت اليوم، والرجل لم يعد قادراً على الحكم كما يشاء»، نافياً ما تَردّد من انّ السعودية «تريد زعيماً سنياً آخر» غير الحريري.

واعتبرت مصادر مشاركة في الاتصالات القائمة «انّ المعركة التي خاضها لبنان منذ اعلان الحريري استقالته كانت بلا خسائر، وأثبتت انّ الكرامة الوطنية هي الحصانة مهما كان حجم التحديات».

وقالت لـ«الجمهورية»: «المرحلة الوطنية انتهت ودخلنا في المرحلة السياسية وهي تفوق بدقتها المرحلة الاولى، ولبنان خاض معركة وهو يدرك انه لا يمكن ان تكون بلا أثمان، فلا احد يخوض معركة من دون تكاليف وأثمان». واشارت الى «انّ الجميع ينتظرون ما سيقوله الحريري لكي يتّضح كثير من الامور».

القاهرة

وعلى إيقاع استعار المواجهة السعودية ـ الايرانية وارتفاع منسوب المناخ التصعيدي في المنطقة، تتجه الانظار الى ما سيعلنه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله مساء اليوم، حيث سيتناول في كلمته تطورات المنطقة والأوضاع الراهنة.

وقالت مصادر سياسية: «انّ المرحلة الجديدة الحبلى بالنزاعات، والتي يتداخل فيها اللبناني بالاقليمي والدولي، تبقي كل الاحتمالات مفتوحة، سواء نحو تسويات سياسية أو نحو امتحانات امنية»، واضافت: «لا احد يستطيع حتى الآن الجزم كيف ستتطور الاحداث، إذ كلما طالت الازمة بلا حل كلما ازدادت الاخطار الامنية، لأنّ الطرفين المعنيين بالوضع لديهما القدرة على تحريك قوى خارجية لتأزيم الوضع اللبناني».

أبو الغيط في بيروت

وفيما يصل أبو الغيط الى بيروت صباح اليوم للقاء عون ظهراً ومسؤولين آخرين، أوضحت مصادر ديبلوماسية عربية لـ»الجمهورية» انه ليس موفَداً من مؤتمر وزراء الخارجية العرب، لكنّ المصادفة شاءت ان يكون في لبنان غداة هذا المؤتمر، وهو سيضع المسؤولين اللبنانيين في نتائجه وسيشارك أيضاً في مؤتمر دعت اليه منظمة «الإسكوا» في بيروت.

وقد أنجزت دوائر القصر الجمهوري جدول اعمال اللقاء المنتظر بين عون وابو الغيط، والذي سيتناول موقف البنان الداعي الى تزخيم عمل الجامعة العربية انطلاقاً من المواقف التي أطلقها في زيارته لمقرّها في شباط الفائت، وسيذكر باقتراحاته الداعية الجامعة العربية الى قيادة عمل عربي مشترك هدفه الأول ترميم العلاقات بين الدول العربية وإنهاء الخلافات بالوسائل الديبلوماسية ونبذ استخدام السلاح في فَض الخلافات العربية ـ العربية.

وكان عون تلقى اتصالاً من الامين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتييريس الذي اكّد اهتمام المنظمة الدولية بالوضع في لبنان ومتابعة التطورات التي يشهدها عن كثب، مشدداً على دعم الاستقرار الامني والسياسي فيه. ورَدّ عون منوّهاً «بالجهود المبذولة لعقد اجتماع لدول الاعضاء في المجموعة في باريس قريباً».

من باريس الى بيروت

وتزامناً مع الحراك الذي شهدته باريس بعد انتقال الحريري اليها، يترقب قصر بعبدا عودته الى بيروت في الساعات الـ 48 المقبلة، وعلى أبعد تقدير قبَيل الاحتفال بعيد الإستقلال، حيث من المقرر ان يشارك الى جانب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري في العرض العسكري الذي يقام في التاسعة صباح الأربعاء.

وعليه، فإنّ اللقاء المرتقب بين عون والحريري سيكون مساء غد الثلثاء او بعد العرض العسكري، حيث من المتوقع، حسب أحد السيناريوهات المتداولة، ان يتوجّه عون وبري والحريري الى القصر الجمهوري، لكنّ هذا السيناريو غير محسوم لأسباب امنية واخرى تتصل ببرنامج تحرّك الحريري غير المعلن رسمياً في الفترة الفاصلة بين وجوده في باريس وموعد عودته الى بيروت.

بري

وسُئل رئيس مجلس النواب نبيه بري عن الاتصال الذي تلقاه من الحريري، فأجاب: كان الاتصال قصيراً واطمأنّيت عنه وهنّأته بالسلامة، واتفقنا على ان نتكلم في بقية الامور عندما يعود ونلتقي».

وحول ما يمكن للحريري ان يطرحه، قال بري: «لا معلومات اكيدة حول ما يحمله الرئيس الحريري، كل كلام تناول مسألته هو نوع من التبصير».

مبادرة فرنسية؟!

وعلمت «الجمهورية» انّ فرنسا، وبعدما نجحت مبادرتها في تأمين انتقال الحريري الى باريس، طوّرت مبادرتها في اتجاه التفاوض لبلورة خطوط عريضة لتسوية سياسية تقبل بها كل من السعودية وايران. لكنّ الاتصالات الاولية في هذا الشأن لم تعط نتائج مشجعة، لأنّ مطالب الطرفين لا تزال بعيدة الواحدة عن الاخرى.

في هذا الوقت، وبعد الحديث عن احتمال زيارة موفد خاص لماكرون الى بيروت وطهران، اكدت اوساط بعبدا وبيت الوسط لـ»الجمهورية» انهما لم تتبلغا أيّ زيارة من هذا النوع. لكنّ مصادر ديبلوماسية لبنانية، وأخرى حكومية، لفتت الى «انّ لبنان يعوّل كثيراً على الدور الفرنسي بعدما نجح ماكرون في إخراج الحريري من الرياض بمبادرة منه تجاوباً مع رغبة لبنان وبناء لحوافز فرنسية خاصة، وأخرى تتصل بحجم العلاقات بين البلدين».

وأضافت: «لفرنسا علاقات مميزة مع طهران وبيروت والرياض، فهي نظّمت عقوداً تجارية في مجالات عدة مع طهران، والعاصمتان الإيرانية والفرنسية أبدتا حرصَيهما على الإستمرار في بناء هذه العلاقات على رغم الإعتراضات الأميركية التي تجاوزتها باريس رغم حدّة موقفها من تدخلات إيرانية خارج حدودها، ولا سيما في أحداث سوريا واليمن والبحرين ومناطق التوتر الأخرى التي تخوض فيها طهران مواجهات متعددة».

وقالت المصادر نفسها: «الرئيس الفرنسي خاض مواجهة حادة مع طهران والرياض من اجل توفير مخرج لقضية الرئيس الحريري، وما شهده خط الرياض ـ باريس خلال عطلة نهاية الأسبوع ليس سوى ترجمة لتفاهم سياسي يشكّل الحريري طرفه الثالث، ولا بد ان تترجم عودته الى بيروت الخطوط العريضة لهذا التفاهم إنطلاقاً من طريقة تعاطيه مع استقالته والمرحلة التي تليها والشروط التي سيتمسّك بها على خلفية مضمونها السياسي بعيداً عن شكلها وتوقيتها».

«القوات»

على صعيد آخر، قالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ»الجمهورية» انها «تنتظر كل من أظهر حرصه ومحبته وغيرته على الرئيس الحريري ان يترجمها وطنياً وسياسياً في ملاقاته لتحصين الواقع السياسي اللبناني»، وأبدت اعتقادها «انّ عودة الحريري كفيلة بكشف وفضح كل من كان يستغلّ استقالته ويستخدمها تحقيقاً لمآربه، وبالتالي نصرة أهداف «حزب الله» على حساب الأهداف الوطنية ومصالح لبنان العليا».

واعتبرت «انّ معالم المرحلة الجديدة أصبحت واضحة لجهة انّ الحريري سيطرح بلورة فعلية للتسوية الحالية، على ان تلتزم القوى المعنية بتطبيق بنودها خصوصاً لجهة النأي بالنفس التي ليست مجرد موقف نظري ولفظي، بل كناية عن انسحاب فعلي من أزمات المنطقة والكَف عن استخدام لبنان منصّة عسكرية حيناً وسياسية أحياناً وإعلامية في كل وقت للانقضاض على السعودية والإمارات والدول الخليجية والعربية خدمة لمصالح غير لبنانية وبعكس ما تقتضيه المصلحة اللبنانية الفعلية، بالإضافة الى سلاح «حزب الله» الذي يجب الاعتراف بأنه يجب البدء بوَضع آلية لاستيعابه تدريجاً في الجيش، والوصول خلال فترة معقولة الى دولة ذات سيادة فعلية مُمسكة بقرارها الاستراتيجي والأمني والعسكري والخارجي».

وأضافت المصادر: «لا يفترض بأيّ طرف ان يعتقد انّ بإمكانه تمييع الأمور في المرحلة المقبلة، اذ انّ الأحداث في المنطقة تتسارَع، وكل تأخير في الخروج بموقف لبناني جامع لجهة النأي بالنفس ووضع آلية لاستيعاب سلاح «حزب الله» ضمن الدولة سينعكس على المصلحة اللبنانية العليا وضرراً وتأخراً في قيام دولة فعلية».

فرنسا والفاتيكان

وظلّت المواقف الدولية، وعلى أعلى المستويات، تطالب بضمان استقرار لبنان وعدم انجرار الوضع الى مزيد من التدهور، ما يؤكّد أنّ المظلة الدولية التي حَمته سابقاً، منذ بداية الأزمة السورية، وصولاً الى الفراغ الرئاسي، ما زالت مستمرّة.

ومن المعلوم مدى التنسيق بين فرنسا والفاتيكان من أجل حماية لبنان، وهذا ما ظهر جلياً من خلال استنفار باريس منذ وقوع أزمة استقالة الحريري الى استقباله في الإليزيه أمس الأول، إضافة الى تخصيص قداسة البابا فرنسيس لبنان وشعبه بتحية خاصة بعد صلاة التبشير. وقال: «أريد ان أذكر هنا اليوم، خصوصاً الشعوب التي تعيش آلام الفقر بسبب الحروب والأزمات.

أجدّد ندائي من القلب الى المسؤولين الدوليين لبذل كل الجهود لإحلال السلام وخصوصاً في الشرق الاوسط، وأتوجّه بتفكيري بنوع خاص الى الشعب اللبناني العزيز وأصلي من اجل أمن هذا البلد لكي يستطيع ان يتابع رسالته، وان يكون رسالة احترام وعَيش واحد مشترك لكل بلدان المنطقة والعالم».

الشدياق نقيباً للمحامين

على صعيد آخر، إنتُخِب أمس اندريه الشدياق نقيباً للمحامين في بيروت بـ 2459 صوتاً، مقابل 1492 صوتاً للمرشح عزيز طربيه، مع تسجيل 203 أوراق بيضاء.

شارك في المعركة أكثر من 4000 محام لانتخاب نقيب جديد و4 أعضاء جدد في مجلس النقابة خلفاً للذين انتهت ولايتهم. وشهدت المعركة انسحابات بالجملة، أبرزها لمرشح «القوات اللبنانية» فادي مسلم، ومرشح «التيار الوطني الحر» فادي بركات بعد فوزه بالجولة الاولى.

وبعد فوزه، قال الشدياق لـ»الجمهورية»: «الإنتخابات ديموقراطية، كلّ من شارك فيها حَكّم ضميره سواء صَوّت لي أو لم يدعمني». وأضاف: «الوقت الآن للعمل والمباشرة بتكوين مكتب جديد للمجلس، بعدها يتم توزيع المهام والمباشرة بصلاحياتنا»