طويَت صفحة انتقال الرئيس سعد الحريري من الرياض إلى باريس، وفيها ستكون له محطة أولى اليوم في اللقاء المقرّر مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قال إنه سيستقبل الحريري كرئيس لوزراء لبنان «لأنّ استقالته لم تُقبَل في بلاده بما أنه لم يعُد إليها». تعقبها استراحة يفترض أنّها موَقّتة لإجراء مشاورات حول الوضع المستجدّ، قبل أن يُشغّلَ محرّكات طائرته ويتوجّه إلى بيروت، التي تترقّب وصوله خلال الأسبوع المقبل. فيما يقف البلد على باب أزمةٍ سياسية مفتوحة ومعقّدة تصعب معها إمكانية إعادةِ لحمِ البناء الحكومي الحالي أو الوصول إلى بناءٍ حكومي جديد نظراً للتعقيدات الكثيرة المحيطة بالأجواء الداخلية والإقليمية، وهو أمرٌ شغلَ المستويات السياسية والرسمية التي بدأت تتداول في المخارج الممكنة، ولعلّ أحدَها تقريب موعد الانتخابات المقبلة. يتزامن ذلك، مع أجواء ساخنة على خط السعودية ـ «حزب الله» في ظلّ الموقف اللافت لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير من «أنّ لبنان لن ينعمَ بالسلام إلّا بنزعِ سلاح «حزب الله». معتبراً أنّ الحزب «اختَطف النظام المصرفي ويقوم بتهريب الأموال والمخدّرات، وهذا غير مقبول»، وفيما طلبت السفارة السعودية في لبنان ليل أمس «من المواطنين الزائرين والمقيمين في لبنان المغادرة في أقرب فرصة ممكنة نظرا للأوضاع»، يصل السفير السعودي الجديد وليد اليعقوبي الاثنين المقبل الى بيروت لتسلم مهماته الجديدة.
إنتقلَ الحريري من السعودية إلى فرنسا، وقد سبقَ انتقاله بتغريدة توضيحية عبر حسابه على «تويتر»، قال فيها: «إقامتي في المملكة هي من أجل إجراءِ مشاورات حول مستقبل الوضع في لبنان وعلاقاته بمحيطه العربي.

وكلّ ما يُشاع خلاف ذلك من قصصٍ حول إقامتي ومغادرتي أو يتناول وضعَ عائلتي لا يعدو كونه مجرّد شائعات». ليضيف ليلاً في تغريدة ثانية: «القول إنني محتجز في السعودية وغير مسموح أن أغادر البلاد هو كذبة، وأنا في طريقي إلى المطار».

وفي وقتٍ أكّدت الأوساط القريبة من الحريري أنه سينتقل في وقتٍ لاحِق من باريس إلى بيروت، ولكن من دون أن تحدّد زمانَ هذا الانتقال، قال النائب عقاب صقر إنّ الحريري «لن يعود إلى لبنان فوراً من فرنسا، بل سيقوم بـ»جولة عربية صغيرة قبل ذلك».

أمّا ماكرون فأكّد أنّ «الحريري، الذي يصل إلى باريس مساء الجمعة من الرياض، ينوي، على ما أعتقد، العودةَ إلى بلاده في الأيام أو الأسابيع المقبلة».

وقال إنّه «سيستقبل الحريري غداً (اليوم) بالتشريفات المخصّصة لرئيس حكومة، مستقيل بالتأكيد، ولكن استقالته لم تُقبَل في بلاده بما أنه لم يعُد إليها»، وقال: «إنها دعوة صداقة للتباحثِ واستقبال رئيس حكومة بلدٍ صديق». وأشار إلى أنه «لن يكون هناك استقبالٌ رسمي للحريري عندما يصل إلى فرنسا، لأنه يقوم بزيارة عائلية».

إرتياح رسمي

وعلمت «الجمهورية» أنّ المستويات الرسمية تنظر بارتياح إلى انتقال الحريري إلى باريس، وإنها ترى أنه من الطبيعي أن يأخذ الرئيس المستقيل استراحةً لبعض الوقت، يمكن اعتبارها فترةً طبيعية، ولكن شرط ألّا تتعدَّى ثلاثة أيام على أبعد تقدير، إذ ثمّة ضرورة أكثر من ملِحّة لعودته، والتباحث معه في كلّ ملابسات ما حصَل، بالإضافة إلى عرض الأسباب التي استند إليها لإعلان استقالته، على حدّ ما قال أحدُ المراجع لـ«الجمهورية».

وأضاف: «بمعزل عن هذا الأمر، ثمّة أمرٌ أكثر من ضروري ويوجب عودتَه إلى لبنان قبل عيد الاستقلال للمشاركة في الاحتفال الذي سيقام في المناسبة إلى جانب الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي، عِلماً أنّ بقاءَه في الخارج قد يكون محرِجاً، أو من شأن ذلك أن يؤدّي إلى إدخالِ تعديلٍ على الاحتفال، يصل إلى حدّ إلغائه في حال استمرّ الحريري غائباً. وهي فكرة تمّ تداوُلها بين مستويات رفيعة في الدولة خلال الأيام القليلة الماضية».

ووفقَ المرجع نفسِه، فإنّ «فترة السماح» الممنوحة للحريري من شركائه في الدولة، لا تتعدَّى منتصَف الأسبوع المقبل، ذلك أنّ تأخُّره عن العودة قد يَدفع إلى مزيد من الإرباك الداخلي، سواء إذا كانت هناك موانعُ قهرية للعودة، أو موانع إرادية التي سيكون من نتائجها أنّ الجوّ التعاطفي معه الذي ساد خلال فترةِ وجودِه في السعودية، وما رافقه من ملابسات حول الاستقالة وما يتّصل بها، قد يتراجع وينقلبُ في اتّجاهٍ آخَر، خصوصاً وأنّ عودته باتت أكثرَ مِن ضرورة في ظلّ الوضع الأكثر مِن دقيق، لا بل الخطير، الذي يمرّ به البلد في هذه المرحلة. في أيّ حال، نحن ننتظر الحريري، ونأمل في أن يعود قريباً ولا يتأخّر أكثر».

في هذا الوقت، انتقلَ العديد من القريبين من الحريري إلى باريس في الساعات الأربع والعشرين الماضية، وتحكم هذا الانتقال أولوية جلاء الغموض الذي رافقَ استقالة الحريري وما تلاها، بالإضافة إلى جلاء الصورة حول سلسلةٍ مِن المواقف التي صَدرت عن أكثر مِن مصدر داخلي وخارجي، بالإضافة إلى رسمِ خريطة المرحلة المقبلة تبعاً لِما جرى، وفقَ ما كشفَ لـ»الجمهورية» أحدُ وزراء تيار «المستقبل».

ما بعد العودة

وعلى خطٍ موازٍ، بدأت الاستعدادات السياسية وكذلك الرسمية، وتحديداً ما بين القصر الجمهوري وعين التينة، في إعداد العدّة لمرحلة ما بعد عودة الحريري. وقالت مصادر مواكِبة لهذه الاستعدادات لـ«الجمهورية»: إنّ الأجواء السائدة على الخطوط السياسية والرئاسية، باتت مسلّمةً بأنّ فرضية عودة الحريري عن استقالته منعدمة، بل إنّ الأجندة التي سيعود بها متضمنة بنداً وحيداً وهو الإصرار على استقالته ولن يتراجع عنها على رغم أنه أوحى بذلك في مقابلته التلفزيونية.

على أنّ ما هو غير واضح أمام المستويات الرئاسية، بحسب المصادر المذكورة هو ما إذا كان الحريري سيكتفي بالإصرار على استقالته فقط، ويترك نفسَه مرشّحاً لترؤسِ الحكومة المقبلة، أو أنه سيَقرن إصرارَه على الاستقالة بإعلانه أنه ليس مرشّحاً لرئاسة الحكومة، وهذا معناه أنّ البلد أمام أزمة كبيرة من الصعب الخروج منها.

أزمة مفتوحة

ومِن هذا الباب، جاء إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري أنّ أزمة الحريري الشخصية انتهت، وأنّ الأزمة السياسية بدأت. وقالت مصادر سياسية لـ«الجمهورية»: «الأزمة مفتوحة، وثمّة مفتاح وحيد لها يتمثّل بعودة الرئيس الحريري عن استقالته، إلّا أنّ هذا الأمر مستبعَد مِن قبَل المستويات الرئاسية والسياسية، وحتى ولو بقيَ الحريري مرشّحاً لرئاسة الحكومة وتمّت تسميتُه من جديد لتأليف الحكومة الجديدة، وحتى ولو تمّ تكليف شخصية بديلة، فلن يتمكّن الرئيس المكلف، أياً يكن هذا الرئيس، من تأليف حكومة، في حال ظلَّ الجوّ السياسي على ما هو عليه الآن، أو في حال طرأت عليه ظروف جديدة فرَضت خطاباً أكثرَ حدةً وقصفاً سياسياً مباشراً مِن بعض المراجع في اتّجاه «حزب الله»، انسجاماً مع العناوين التي تضَمّنها بيان الاستقالة.

برّي

وكرّر بري تأكيده أهمّية عودة الحريري على اعتبار أنّ فيها عدالةً وأنّها مفتاحُ الحلّ وتحقنُ جرعة اطمئنان في الجوّ الداخلي. وقال لـ«الجمهورية»: «حتى الآن، نحن ننتظر أن يعود الرئيس الحريري إلى بيروت، لنرى ما لديه، وساعتئذ نَبني على الشيء مقتضاه».

وحول الوضع الأمني، قال بري: «كلّنا «شايفين» الوضع الأمني ممسوك، والأجهزة الأمنية تقوم بعملها، هذا لا يعني أنه لا يجب الانتباه، إذ إنّ الانتباه واجبٌ في أيّ وقت».

وجدّد بري القول أنْ لا خوف على الانتخابات، وقال: «الانتخابات في موعدها، وليس هناك أيّ مانِع من إجرائها في موعدها».

وحصول الانتخابات في موعدها، وكذلك حالُ الاستقرار، أكّد عليهما أيضاً وزير الداخلية نهاد المشنوق خلال الزيارة اللافتة للانتباه في مضمونها وتوقيتها لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون لشُكره على «شجاعته وحكمته في إدارة الأزمة».

إلى ذلك، وفيما قالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» إنّ عدم عودة الحريري سريعاً قد تؤثّر على مشاركة لبنان في الاجتماع الوزاري العربي في الجامعة العربية، وكذلك على حجم ومستوى هذه المشاركة»، علمت «الجمهورية» أنّ هذا الأمر سيتمّ البتّ به مع عودة وزير الخارجية جبران باسيل الذي اختتم جولته الخارجية المتعلقة بأزمة الاستقالة والملابسات التي رافقتها.

ورجّحت المصادر أن تكون مشاركةً فاعلة ولكنْ من دون أن تؤكّد أو تنفي مشاركة وزير الخارجية شخصياً. مع الإشارة إلى أنّ باسيل قال ردّاً على سؤال عن حضور لبنان في اجتماع وزراء الخارجية: «نريد أن نرى الحريري في بيروت.وعلى هذا الأساس، تُبنى الكثير من الأمور».

وفي هذا السياق، قال مرجع كبير لـ«الجمهورية»: «ليس ما يَمنع أبداً مشاركة لبنان في الاجتماع، بل نذهب ونشارك ونقول موقفَنا بكلّ صراحة ووضوع حول كلّ المسائل التي ستُطرح».

المصري لـ«الجمهورية»
إلى ذلك، توقّعَ الأستاذ في القانون الدولي الدكتور شفيق المصري أن ينحصرَ البحث في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة في التدخّل الإيراني في الدول العربية، ولا سيّما في السعودية، مستبعداً التطرّقَ إلى مواضيع أخرى تعني لبنانَ كونها شأناً لبنانياً.

ورجّح المصري في حديث لـ«الجمهورية» عدمَ مشاركة وزير الخارجية في هذا الاجتماع، بل أن يتمّ تكليف السفير هناك وذلك لأسباب عدة، أبرزُها:

أولاً: لبنان يتحدّث مع دولٍ أوروبّية عِلماً أنني كنتُ أفضّل أن يبدأ الحديث مع الدول العربية.

ثانياً، لا يملك ضمانةً أنّ أيّ دولةٍ عربية ستُسانده في وجهِ السعودية التي تؤيّدها دولُ مجلس التعاون الخليجي.

ثالثاً: بَعد انتقاد إيران لفرنسا واتّهامها بالانحياز لن تدافع أيُّ دولة عربية عن طهران، خصوصاً أنّ باريس تتحرّك من أجل لبنان.

رابعاً: إذا شاءَ باسيل الذهابَ فأيّ موقفٍ سيُعلنه؟ هل المواقف التي سبقَ أن أعلنَها رئيس الجمهورية قبل محاولات تعديلِها؟ لذا، مِن الأفضل تكليفُ السفير في الجامعة تمثيلَ لبنان، لأنّ ذلك يبقى أقلَّ إحراجاً للبنان».

باسيل
إلى ذلك، رأى باسيل في عشاء هيئة قضاء بعبدا في «التيار الوطني الحر» مساء أمس، أنّ «هناك مفهوماً واحداً للسيادة، ورئيس حكومتنا هو عنوان سيادتنا»، لافتاً إلى أنّ «فرنسا عادت لتلعب دورها كحامية للحقوق والمبادئ والحريات في العالم». ولفت إلى أنّ «جزءاً كبيراً من مستقبلنا يرسم اليوم وخيارنا واحد امام المفترق الذي وضعنا أمامه ومسؤوليتنا الأولى وحدة لبنان واللبنانيين».

وأكد أنّ «لا عيد استقلال في لبنان وكرسي رئيس الحكومة شاغر، فكل لبنان الرسمي تصبح كراسيه شاغرة في حال شغور كرسي رئيس الحكومة»، مضيفاً: «إمّا ان نعيّد كلنا مع رئيس حكومتنا في ٢٢ تشرين الثاني او كلنا في الشوارع بعيد استقلال شعبي».

العراق و«داعش»
إقليمياً، أعلن العراق استعادةَ مدينة رواة من أيدي تنظيم «الدولة الإسلامية»، وهي آخِر معقلٍ للتنظيم الإرهابي، حيث كانت تتواجد فيها هيكلية حاكمة وعسكرية وإدارية على الأراضي العراقية. لكن لا تزال هناك جيوب أخرى فرّ إليها عناصر التنظيم في المناطق المجاورة.

وهو بالتالي يبقى قادراً على شنّ هجماتٍ على طريقة حرب العصابات من المناطق التي انكفأ إليها، كما كان الأمر عليه قبل العام 2013، وفق ما يقول خبراء.

وشرَعت القوات العراقية في عمليات تطهير المناطق الصحراوية على طول الحدود مع سوريا لدحرِ آخِر الجهاديين.

وقال المتحدث باسمِ قيادة العمليات المشتركة العميد يحيى رسول: «عسكرياً انتهى التنظيم، لكنّنا سنستمرّ في ملاحقة ما تبَقّى من الفلول ونُنهي وجودهم»