أن يعلنَ قصر الإليزيه أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيستقبل الرئيس سعد الحريري غداً السبت، فذلك يعني أنّ الرَجل سيغادر الرياض إلى باريس في أيّ وقت، ما يعني أنّ الأزمة الناشئة عن استقالته التي أعلنَها من العاصمة السعودية قبل أكثر من عشرة أيام بدأت تتماثل للحلّ، خصوصاً وأنّه سينتقل من العاصمة الفرنسية لاحقاً إلى بيروت، حيث ينتظره رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لسماعِ الأسباب التي أملت عليه إعلانَ هذه الاستقالة، وفي ضوء ذلك يَبني على الشيء مقتضاه في شأن مصير هذه الاستقالة. في وقتٍ أكّد رئيس مجلس النواب نبيه بري أنّ أزمة الاستقالة انتهت لتبدأ أزمة السياسة.
نجَحت الديبلوماسية الفرنسية بعد دخولها بقوّة على خط معالجة الأزمة الناشئة من استقالة الحريري، فأثمرَت وساطتها مع المسؤولين السعوديين «اتفاقاً» على انتقال الحريري الى باريس في الساعات المقبلة، في وقت أعلنَ قصر الإيليزيه أنّ الرئيس الفرنسي سيستقبله غداً السبت. علماً أنّ ماكرون الذي كان قد دعا الحريري وأسرتَه إلى زيارة فرنسا أكّد أنّ هذه الدعوة «ليست عرضاً لمنفى سياسي وإنّما بدافع الصداقة».

وبَرز هذا التطوّر بعد محادثات أجراها ماكرون في الرياض في التاسع من الجاري مع وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وأعقبَتها مفاوضات خاضَها أمس وزير خارجيته جان - إيف لودريان مع وليّ العهد السعودي أمس.

وقالت مصادر عاملة على خط الاتصالات القائمة لـ«الجمهورية» إنّ موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والموقف الدولي معطوفين على المسعى الفرنسي أدّت إلى اتفاق بين ماكرون وولي العهد السعودي على خروج الحريري وعائلته من السعودية غداً السبت إلى باريس لينتقلَ منها لاحقاً إلى بيروت قبل عيد الاستقلال الذي يصادف الأربعاء المقبل.

وكشَفت هذه المصادر أنّ الفرنسيين بَعثوا عبر القنوات السرّية برسالة إلى الرياض تشرَح موقفَ المجتمع الدولي المشدِّد على وجوب عودة الحريري إلى لبنان. وأشارت المصادر إلى أنّ الجميع في لبنان ينتظرون ما سيقوله الحريري، والأمر يعود له في ما سيقول وما سيَفعل، وعندها سيُبنى على الشيء مقتضاه».

وأكّدت المصادر «أنّ لبنان أبلغَ إلى المملكة العربية السعودية وأيضاً عبر القنوات نفسِها أنّه حريص على أحسنِ العلاقات بينه وبينها، وليس في وارد أيّ مواجهة معها، وإنّ ما يريده هو عودة الحريري فقط والخروج من حالة الغموض المرافِقة لظروف استقالته».

لودريان
وكان لودريان قد زار الحريري في مقر إقامته في الرياض أمس، وقال إنّ الرَجُل مدعوّ إلى زيارة فرنسا مع أسرته متى يرى ذلك مناسباً، و«سنستقبله صديقاً». وقال في تغريدة عبر «تويتر» مصحوبةً بصوَرٍ للقائهما إنّه «اجتماع ودّي مليء بالثقة مع سعد الحريري الذي سيأتي إلى باريس قريباً تلبيةً لدعوة الرئيس».

أمّا الحريري الذي فضّل عدمَ الإجابة على أسئلة للصحافيين حول موعد ذهابه إلى فرنسا، فقال: «سأعلن عن موعد ذهابي إلى فرنسا في وقتٍ لاحق».

وعَقد لودريان قبَيل لقائه مع الحريري مؤتمراً صحافياً مع نظيره السعودي عادل الجبير شدّد فيه على ضرورة «حفظِ استقرار وسيادة لبنان وإبعاده عن التدخّلات الخارجية». وقال «إنّ فرنسا تعمل على إعادة الأوضاع في لبنان إلى طبيعتها».

الجبير
مِن جهته، أكّد الجبير أنّ الحريري يعيش في السعودية بإرادته، وهو قدَّم استقالته، أمّا عودته إلى لبنان فتعود له ولتقييمِ الأوضاع الأمنية.
وتعليقاً على اتّهام عون للسعودية باحتجاز الحريري، قال الجبير: «هذه ادّعاءات باطلة، فالحريري مواطن سعودي كما هو لبناني، وعائلتُه تعيش هنا وهو يعيش هنا بإرادته، ويستطيع المغادرة متى يشاء».

عون
وإلى ذلك، أملَ عون في أن يشكّلَ قبول الحريري دعوةَ ماكرون لزيارة باريس مع أفراد عائلته، مدخلاً لحلّ الأزمة. وتحدّثَ خلال استقباله مجلسَي نقابة الصحافة والمحررين أمس عن اجتماعه بالقائم بأعمال السفارة السعودية في بيروت الوزير المفوّض وليد البخاري والنقاطِ التي تمّ طرحها، لافتاً إلى أنّه طلب إيضاحات رسمية عن وضعِ الحريري في المملكة في ضوء المعلومات التي كات ترِد وما كانت تتناقله وسائل الإعلام. وقال: «مضَت ستّة أيام من دون أن يأتيَنا الجواب، فكان الموقف الذي أعلنّاه في الأمس».

وأضاف: «نحن لا نتجنّى على أحد، لكن من البديهي أن يسأل رئيس الجمهورية عن وضعِ رئيس حكومته الذي تناوَلته كلّ وسائل الإعلام المحلية والعالمية وتقول إنّه محتجَز، لأنّ للبنان كرامتَه وسيادته واستقلاله، وهذه المعايير هي فوق كلّ اعتبار(...) لقد حرصنا على التدرّج في معالجتنا للأزمة لكي يطّلعَ اللبنانيون جميعاً على الأمر بحجمه الطبيعي، والحمد لله يبدو أنّ الأمر سينتهي بسلام».

برّي

ومِن جهته رئيس مجلس النواب نبيه برّي أبدى ارتياحَه الى دخول أزمة الاستقالة وعودة الحريري في مرحلة الحلول، وقال أمام زوّاره أمس: «أزمة الاستقالة وعودة الحريري انتهت، ولكن الأزمة السياسية بدأت».

وتوقّفت مراجع مسؤولة عند الأسباب التي أنهت الأزمة بانتقال الحريري من الرياض إلى باريس، وردّت حماسة الفرنسيين في التدخّل على خط المعالجة إلى الأسباب الآتية:

1- إنّ الحريري يحمل الجنسية الفرنسية.

2- القلق من انفلاتِ الوضع في لبنان.

3- إنّ قسماً كبيراً من قوات «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان هم من الفرنسيين.

4- موضوع النازحين السوريين، حيث يَخشى الفرنسيون من أن يؤدّي انفلات الوضع في لبنان إلى أضرار سلبية على قوات «اليونيفيل» وعلى الفرنسيين العاملين فيها ضمناً، والخشية الكبرى من موضوع النازحين، حيث يمكن أن يؤدي انفلات الوضع إلى تدفّقِ النازحين السوريين في اتّجاهات مختلفة، ومنها أوروبا، وهذا من شأنه أن يزيد أعباءَ على هذه الدول وأخطاراً مِن تَزايُدِ الأعمال الإرهابية فيها.

القاهرة
في غضون ذلك تسارَعت التحضيرات عربياً استعداداً لاجتماع وزراء الخارجية العرب الاستثنائي الذي سيَنعقد في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة، للبحث في «انتهاكات» إيران في الدول العربية، وذلك بناءً على طلبٍ سعودي. ويترقّب الجميع ما سيكون عليه الموقف اللبناني في هذا الاجتماع، الذي استبَقه الجبير بتوجيه رسالة إلى إيران من خلال قوله: «طفَح الكيل».

وقال لـ»رويترز» إنّ بلاده تردّ على ما وصَفه «سلوك إيران العدائي» في لبنان واليمن. وأضاف «كيفما نظرتَ للأمر وجدتَ أنّهم الذين يَعملون بطريقة عدائية. نحن نردّ على ذلك العداء ونقول طفحَ الكيل». كذلك شدّد على وجوب «نزع سلاح «حزب الله» الذي هو فرع لـ»الحرس الثوري الإيراني»، وأن يصبح حزباً سياسياً من أجل استقرار لبنان»، لافتاً إلى أنه يُجري التشاور «مع الحلفاء في شأن وسيلة الضغط» على الحزب «وسيكون هناك قرار في الوقت المناسب».

وقالت مصادر ديبلوماسية لبنانية لـ«الجمهورية» إنّ تحضير ملفّ لبنان ووفدِه إلى إجتماع القاهرة كان قد اكتمل قبل أن يبدأ وزير الخارجية جبران باسيل جولته الأوروبية، وهو الذي سيرأس الوفد على الأرجح. وقالت هذه المصادر إنّ الشكوى في الأساس تتّصل باتّهام السعودية إيران بتزويد الحوثيين الصواريخَ البالستية التي انطلقَ أحدُها من اليمن في اتّجاه مطار الملك خالد بن عبد العزيز في الرياض، وإنّ لبنان ليس على عِلم بتعديل الشكوى لتكونَ ضدّ أيّ فريق لبناني.

وانتهت المصادر إلى القول «إنّ القرار النهائي في تشكيلة الوفد ينتظر عودة باسيل من جولته الخارجية ليُبنى على الشيء مقتضاه، وإنّ لبنان لن يصوغ موقفَه في المؤتمر إلّا بالتشاور مع مختلف الأطراف ليكون موقفاً لبنانياً جامعاً».

وكان الجبير قد هاجَم في مؤتمره الصحافي المشترَك مع لودريان «حزب الله» بعنف، وتحدّث عن وجود «إجماع عالمي» على أنه «منظمة إرهابية من الطراز الأوّل»، داعياً إلى نزع سلاحه، معتبراً «أنّ الأزمة في لبنان أساسُها «حزب الله» لأنه اختطف النظام اللبناني، ويحاول فرضَ سلطتِه ونفوذه على لبنان، وهو يعرقل العملية السياسية ويستمرّ في التدخّل في عددٍ من الدول العربية، وهو أداة في يد «الحرس الثوري الإيراني» لبسطِ نفوذه». ونبَّه إلى أنّه «إذا استمرّ الحزب بهذه السياسة والنهج، فسيَستمرّ لبنان في عدم الاستقرار، ما يَجعل الوضعَ خطيراً».

الاستقالة
في هذا الوقت، يتصرّف لبنان الرسمي على أساس أنّ استقالة الحريري «كأنّها لم تكن»، إذ أعلنَ عون أن لا قبولَ لهذه الاستقالة الآن، وأنّه عندما يأتي الحريري «له أن يقرّر الاستقالة أو البقاء كرئيس للحكومة»، معتبراً «أنّ حكومة تصريف الأعمال يمكن أن تجتمع وتتّخذ قرارات إذا ما طرأت ظروف استثنائية». مطمئناً إلى أنه «لن يكون هناك أيّ حلّ مقفَل أمامنا، وكلّ شيء سيكون قانونياً».

ريفي
مِن جهته، أكّد الوزير السابق اللواء أشرف ريفي لـ«الجمهورية» أنّ «إستقالة الحريري دستورية ولا يَشوبها أيّ عيب من عيوب الرضى، بل إنّ الكلام الذي قيلَ عن تقييد إرادته وأنّ هناك ضغوطاً مورسَت عليه لا يعدو كونه هرطقةً دستورية وقانونية، بل هو اجتهاد ساذج في معرض النص، فتسمية رئيس الحكومة إنّما تمّت مِن قبَل الشعب بواسطة ممثليه النواب، وإذا كانت المادة 53 (الفقرة 2) من الدستور اللبناني قد ألزَمت رئيس الجمهورية بتسمية من تختاره الغالبية النيابية لتشكيل الحكومة، فإنّ المادة 69 (الفقرة الأولى -البند أ) لم تلزم رئيس الحكومة بأيّ شكل، أن يقدّم استقالته لرئيس الجمهورية، كونه استمدّ هذه السلطة من الشعب وبقوّة الدستور».