كشفت إستقالة الرئيس سعد الحريري عن حجم الهوّة القائمة بين فريقيّ 8 و 14 آذار وتواضع إمكانية تيار المستقبل وفريق السيادة وقوّة حزب الله وفريق الممانعة الذي جعل من المستقيل رهينة حكومية تحتاج إلى الفكّ من الأسر السعودي بكل الوسائل وقد نجحت الماكينة "الإخبارية" الناشطة والمسيطرة على الإعلام اللبناني في تعبئة الأجواء لصالح فريق سياسي أقوى بكثير من فريق فاقد للقوّة وغير قادر على لعب الدور المطلوب منه في مرحلة توظف فيها الإمكانيّات لصالح التوجهات الإقليمية.
إقرأ أيضًا: إستقالة الحريري والنشرة الإخبارية
لقد تبيّن ضعف السعودية من ضعف الفريق الذي يتغذى على مائدتها السياسية وبانت قوّة إيران من قوّة الفريق الذي ينعم بأطياب موائدها وأصبح من المعيب مقارنة الفريقين ببعضهما البعض فالعاجز لا يمكن مقارنته بالناشط والمتحرك من لسانه إلى قدميه فمنذ هزّة الإستقالة وفريق الممانعة يلعب في الملعب السعودي ويسجل الأهداف في شباك المستقبل في ظل جمهور "سيادي" متفرج يعدّ الأهداف دون حراك والكتلة النيابية مجتمعة في الوسط غير قادرة على الذهاب يمنة أو يُسرة ومجرد آلة طابعة لمناشير توزع هنا وهناك دون أن يكون لها الأثر البالغ في السياسة وفي التعبئة وتبيّن أنها بدون سعد الحريري هي مجرد بذل لا أكثر ولا يوجد فيها من يستطيع المبادرة لخلق بدائل سياسية أو التنقل في الوسط السياسي والشعبي لتحسين صورة الموقف السياسي فجميعهم من المنتظرين ولا أحداً منهم يملك قدرة التواصل مع أحد أو صياغة موقف سياسي بحجم المرحلة الراهنة من هنا بانت دار الفتوى مركز الزعامة وبان الجميع مجرد طلاب صغار في المدرسة السياسية وهذا ما يستدعي من تيّار المستقبل إعادة النظر في أطره الداخلية وفي مواقعه المسؤولة وهذه وظيفة القوى الحية داخل التيّار الذي أنهت دوره الطليعي أدوار المنتسبين إليه من جماعة السلطة.
إن ما اعتمده محور السيادة من أدوات كانت فاشلة من الإعلام إلى السياسة بل إن بعض شبكاته السياسية ووسائطه الإعلامية كانت بمحاذاة المحور الآخر ومنقادة إليه طوعاً لا كرهاً فهي دخلت في الأجواء التي فرضت كثافتها الفعلية وسائط وتدابير الممانعة دون أن يكون لها عقلاً يمكّنها من تنقية هذه الأجواء وهذا ما يدل على غياب الأطر القيادية في محور يزداد تصدعاً مع كل أزمة عاصفة به.
إقرأ أيضًا: هدوء القائد وغضب الجماهير
لم يعد لبنان محكوماً من قبل تيارين بل أمسى بقبضة تيّار واحد نجح في توظيف رأسماله على كل الأصعدة من الأفراد إلى المؤسسات إلى السلطة إلى كل صوت مستعد أن يصرخ في الواد المقدس وبالتسعيرة الموضوعة طالما أن هناك هبوط أخلاقي عام لأفرقاء الواقع السياسي من أحزاب تتقن فن الإستثمار في الشأن العام.
عاد الحريري أو لم يعد جاء مكملاً دوره الململم للتسوية أو مقاطعاً لسياسة غير نائية بالنفس فالقوّة بيد خصومه وضعف تيّاره لن يغيّر شيئًا إلاّ إذا تغيّر ونفض عنه غبار الضعف وأجرى تصحيحاً فعلياً في بنيته وانقلب على الزبائن السياسيين الذين يأكلون من نضالات الشباب المتحمسين لوطن لا مكان فيه لسماسرة السلطة والسياسة.