بقي السؤال الكبير: ماذا وراء جرّ لبنان إلى اشتباك دبلوماسي، سواء في العواصم الأوروبية، عبر جولة وزير الخارجية جبران باسيل الذي انتقل من بلجيكا إلى باريس إلى لندن فروما، أو اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة الأحد، وصولاً إلى مجلس الأمن، أو عبر الاعلان من بعبدا على لسان الرئيس ميشال عون ان الرئيس سعد الحريري «محتجز في المملكة العربية السعودية»، مشيراً إلى ان «لا شيء يبرّر عدم عودة الرئيس الحريري بعد مضي 12 يوماً»، مؤكداً «لن نقبل بأن يبقى رهينة ولا نعلم سبب احتجازه».
بدا الموقف، وفقاً لدبلوماسي في مجلس الأمن الدولي ان «الاوضاع في لبنان تدعو إلى القلق، ليس فقط الأوضاع في لبنان بل في المنطقة كلها»، مشيراً إلى انه يرى فائدة من مناقشة الأمر في مجلس الأمن..».
بقيت عودة الرئيس الحريري محور الاهتمام المحلي، والانشغال الدولي، وحضرت في استقبال ولي والعهد السعودي محمّد بن سلمان وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان الموفد من الرئيس ايمانويل ماكرون، الذي قال على هامش زيارة إلى بون للمشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ، انه اتصل بولي العهد السعودي «واتفقنا على انني سأدعوه (أي الرئيس الحريري) لبضعة أيام إلى فرنسا مع عائلته».
وذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس) انه جرى خلال الاجتماع استعراض آفاق التعاون السعودي الفرنسي في مختلف المجالات، بالإضافة إلى بحث تطورات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط وتنسيق الجهود تجاهها بما يُعزّز الأمن والاستقرار في المنطقة.
وأشارت إلى ان الاجتماع حضره الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية، ووزير الدولة عضو مجلس الوزراء الدكتور مساعد بن محمّد العيبان، ووزير الخارجية عادل الجيبر، والمستشار بالأمانة العامة لمجلس الوزراء أحمد الخطيب، ومساعد وزير الدفاع محمّد العايش، والمستشار بالديوان الملكي رأفت الصباغ، والسفير الفرنسي لدى المملكة فرانسوا غويات، وعدد من المسؤولين الفرنسيين.
وفيما أشار النائب عقاب صقر إلى ان الرئيس الحريري سيغادر الرياض خلال 48 ساعة، وهو بالتأكيد سيعود إلى لبنان، كاشفاً عن جولة لديه إلى باريس، وبالتالي لا مشكلة مع المملكة على هذا الصعيد، قالت مصادر واسعة الاطلاع لـ«اللواء» ان عودة الرئيس الحريري باتت في مراحلها الأخيرة، وأن الأمور تسير بالاتجاه الصحيح.. مشيرة إلى ان الرئيس الحريري طمأن في تغريدة له انه بألف خير» وأنا راجع إن شاء الله على لبنان الحبيب مثل ما وعدتكم وحاتشوفو».
وبعد التغريدة قال المكتب الإعلامي للرئيس الحريري انه تلقى «اتصالاً هاتفياً من الرئيس القبرصي نيكوس اناستاسياديس..».
وتساءلت أوساط نيابية عن سبب تصعيد الرئيس عون، لجهة وصف تأخر عودة الحريري «بالاحتجاز» والعمل «العدائي»، معتبرة هذا التصعيد بأنه لم يكن لازماً، خصوصاً ان الرئيس الحريري آتٍ إلى بيروت، وهو لم يوقف لا اتصالاته ولا تحركاته.
وأعربت الأوساط عن خشيتها من ان يكون موقف بعبدا له علاقة باجتماع وزراء الخارجية العرب، واستباق لعودة الحريري، وبحث موضوع الحكومة ككل، والشروط التي وضعها الرئيس المستقيل في المقابلة التلفزيونية للعودة عنها، أو مناقشة ما يمكن فعله.
دعوة فرنسية للحريري
وفي تقدير مصدر دبلوماسي مطلع ان دعوة الرئيس الفرنسي للرئيس الحريري بزيارة فرنسا مع أفراد عائلته، متفاهم عليها مع الولايات المتحدة والاوروبيين، باعتبارها مخرجاً فرنسياً للأزمة السياسية التي فجرتها الاستقالة كعنوان للصراع الإقليمي.
وحرص الرئيس ماكرون على التأكيد، على هامش زيارته لبون للمشاركة في مؤتمر حول المناخ، بأن زيارة الرئيس الحريري لفرنسا ستكون لبضعة أيام، ولا تتعلق بتاتاً باللجوء إلى فرنسا، أو بمعنى آخر، بحسب توضيحات ماكرون فإن الدعوة للحريري ليست عرضاً لمنفى سياسي، بل مجرّد زيارة، وهذا يعني ان الحريري بمقدوره العودة بعد ذلك إلى بيروت إذا شاء ذلك.
وكشف ماكرون انه اتصل بالامير محمّد بن سلمان وبالرئيس الحريري، واتفقنا على ان ادعوه لزيارة فرنسا لبضعة أيام مع عائلته.
وكشف مصدر في الاليزيه ان الحريري واسرته سيصلون إلى فرنسا في الأيام المقبلة، وضمن فترة لا تتجاوز الأحد المقبل، على ان يعود إلى بيروت قبل الأربعاء الذي يصادف عيد الاستقلال.
وجاء هذا التطور الذي اعتبرته مصادر سياسية مطلعة بأنه يُشكّل جزءاً من حل المشكلة، في وقت يجري فيه وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان محادثات في الرياض، ويفترض ان يلتقي الرئيس الحريري اليوم لوضع اللمسات أو ترتيبات المخرج الفرنسي.
وبحسب هذه المصادر، فإن الدعوة الفرنسية للحريري جاءت نتيجة التحرّك الدولي الذي تولاه الرئيس ميشال عون في موازاة تحرك وزير الخارجية جبران باسيل، كما جاءت نتيجة الاتصال الذي جرى بين الرئيس عون والرئيس ماكرون والمواقف المتقدمة التي أطلقت حول ضرورة إعطاء الحرية للرئيس الحريري والعودة بالتالي إلى بيروت.
اما ماذا بعد الحل الجزئي لازمة استقالة الرئيس الحريري، فتؤكد المصادر ذاتها لـ«اللواء» انه إذا عاد الرئيس الحريري إلى بيروت فبإمكانه ان يقدم استقالته ضمن الأصول الدستورية وتأخذ الأمور مسارها الطبيعي مثل اجراء استشارات نيابية ملزمة وتكليف، اما إذا تراجع عن الاستقالة، فهذا قرار يعود له، وقد لا يكون فيه استفزاز لأحد، بحسب اعتقاد الرئيس نبيه برّي الذي كرّر امام نواب الأربعاء بأنه «امام السيناريوهات المرتقبة، فإن العودة عن الاستقالة فيها عدالة واستقرار لبنانياً وعربياً.
وقالت المصادر الرئاسية، ان أي كلام آخر حول الاستقالة وملابساتها وأسبابها هو سابق لاوانه، وأن رئيس الجمهورية ما يزال ينتظر العودة، مشيرة إلى ان لبنان سيشارك في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة الأحد، ويبدي رأيه وفقا للمداولات التي ستحصل في حينه، وبالتالي لا يمكن استباق أي شيء، الا انها لم تشأ الكشف عمّا إذا كان باسيل سيمثل لبنان في هذا الاجتماع الوزاري العربي، أم سيمثله السفير في القاهرة، الا ان معلومات خاصة بـ «اللواء» أكدت ان باسيل سيحضر الاجتماع في موعده وانه يحرص على إنهاء جولته الأوروبية غدا الجمعة بزيارة موسكو، لكي يتمكن لأن يكون في القاهرة الأحد.
توضيحات رئاسية
اما بالنسبة للمواقف التي أطلقها الرئيس عون أمس، والتي وصفت بالتصعيدية، بعد ان فتحت أبواب لبنان الرسمي امام مواجهة مع العرب، باتهام المملكة العربية السعودية باحتجاز الرئيس الحريري وعائلته، فقد أوضحت مصادر رئاسية مطلعة في بعبدا على مواقف رئيس الجمهورية، بأن الرئيس عون يريد أفضل العلاقات مع السعودية، وأن هدفه ليس التصعيد أو آخذ العلاقات اللبنانية - السعودية إلى أمكنة غير سوية، مشيرة إلى انه سبق خلال اللقاء الذي جمعه مع القائم بأعمال السفارة السعودية في بيروت وليد بخاري طلب ايضاحات عن وضع الرئيس الحريري وماذا يحصل معه، وانتظر ان تأتي أجوبة لكنها لم ترد.
وأشارت هذه المصادر إلى ان الرئيس عون قال ما قاله امام الإعلام المرئي والمسموع بعد أمور توافرت من محاولات لاستهداف لبنان، وبعد الحملة الدولية التي قامت ومطالبات خارجية من كبار المسؤولين ورؤساء الدول بمنح الحرية للرئيس الحريري لتقديم استقالته في بيروت اذا رغب كي تستقيم الأمور الدستورية.
وقالت إن الكل تحدث عن وضع غامض يتعلق بمصير الرئيس الحريري، وبالتالي حرصا على عدم استغلال أو استثمار الموضوع بشكل يسيء إلى العلاقات بين المملكة ولبنان طالب الرئيس عون بالتوضيح، خصوصاً أن رئيس الجمهورية حريص على عدم استغلال الأمر واللعب على وتر الخلاف اللبناني السعودي من خلال موضوع الرئيس الحريري.
 وقالت إن الرئيس قال ما قاله بعد مرور 12 يوما وتحدث عن حجز رئيس الحكومة.
 وكررت المصادر القول أن الرئيس عون لا يرغب إلا بأفضل العلاقات مع المملكة التي قصدها الرئيس عون في بداية جولاته الخارجية في عهده، مؤكدة أن ما دخل على خط الموضوع هي المعطيات والمعلومات التي توافرت عن وضع عائلة الحريري إلى أن دعوة الرئيس الفرنسي للحريري وعائلته للمجيء إلى فرنسا.
غير ان مصادر سياسية وصفت «بالوازنة» في فريق 8 آذار، كشفت عن توجه الرئيس عون لاستعمال الخطة «ب» والتي تتمثل بقطع العلاقات الدبلوماسية مع السعودية في حال لم يعد الحريري إلى بيروت خلال مُـدّة أقصاها أسبوعين، مشيرة إلى ان عون يلتزم القيام بخطوتين في المرحلة القادمة، احداها إعادة النظر باتفاق الطائف وأخذ ضمانات دولية لمنع السعودية من التدخل مجددا في الشؤون اللبنانية الداخلية، والدعوة إلى حوار وطني موسع لإعادة النظر ببعض المواضيع الخلافية وإعادة ترتيب الأولويات اللبنانية.
وفي سياق مفاعيل الأزمة السياسية، كشفت المصادر ذاتها، بأن المخابرات التركية روّجت في الأيام الماضية معلومة أمنية، بأن هناك ضربة عسكرية ضد «حزب الله» بين الخامس والعاشر من كانون الأوّل المقبل، لكن المعلومات التي تملكها جهات لبنانية نافذة نفت مثل هذه الضربة المحتملة أقله في المرحلة المقبلة.
وكان الرئيس عون اعتبر امام رئيس وأعضاء المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع وأصحاب المؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة الذين استقبلهم في إطار لقاءات التشاور التي يجريها مع الفعاليات السياسية والوطنية والاقتصادية، ان لا شيء يُبرّر عدم عودة الحريري إلى بيروت بعد مرور 12 يوما على إعلانه من الرياض استقالته، وعليه فاننا نعتبره محتجزاً وموقوفاً وحريته محددة في مقر احتجازه، مشيرا إلى ان هذا الاحتجاز هو «عمل عدائي ضد لبنان لا سيما وأن رئيس الحكومة يتمتع بحصانة ديبلوماسية وفق ما تنص عليه اتفاقية فيينا».
وقال ان استمرار احتجاز الرئيس الحريري في المملكة العربية السعودية يُشكّل اتهاماً للاعلان العالمي لحقوق الإنسان. كاشفا بأن ما حدث ليس استقالة حكومة بل اعتداء على لبنان وعلى استقلاله وكرامته وعلى العلاقات التي تربط بين لبنان والسعودية، لافتا إلى ان دولا عربية تدخلت من أجل عودة الحريري الا لم يحصل معها أي تجاوب ولذلك توجهنا إلى المراجع الدولية.
اللافت ان الرئيس الحريري، الذي تلقى أمس اتصالا هاتفيا من الرئيس القبرصي نيكوس اناستاسياديس ردّ على الرئيس عون عبر «تويتر» مؤكدا انه بألف خير وانه راجع إلى لبنان، مثل ما سبق ووعد.
 ثم كلف عضو كتلة «المستقبل» النائب عقاب صقر بأن يدلي بتصريح جاء فيه: ان الرئيس الحريري يقدر غيرة الرئيس عون تجاهه، وانه وعائلته غير محتجزين وان السعودية لا تكن أي حالة عدائية للبنان.
ولاحظ مصدر نيابي في كتلة «المستقبل» لـ«اللــواء» أن كلام عون تزامن مع كلام مماثل أطلقه الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي اعتبر ان «التدخل الصارخ في شؤون دولة مستقلة كلبنان وفرض الاستقالة علی شخص وتقديم شخص آخر بدلاً عنه، حدث نادر في التاريخ، وأشار المصدر إلى أن هذا الكلام ومثله أيضاً تصريحات الوزير باسيل لا يصب في مصلحة عودة الرئيس عون، بل يُؤكّد على تماشي هذه المواقف مع المواقف الإيرانية، لافتاً إلى ان الأمور لا تعالج بهذه الطريقة التي تسيء إلى العلاقة الأخوية التاريخية بين لبنان والسعودية.
في مجال آخر، أعلن بهاء الحريري شقيق الرئيس الحريري أنه «يدعم قرار أخيه»، وانتقد سعي إيران وحزب الله للسيطرة على لبنان، معرباً عن «امتنانه للسعودية على عقود من الدعم للمؤسسات الوطنية في لبنان، فيما رفض النائب وليد جنبلاط إعلان الحرب على المملكة، وقال الحريري عائد.
أمنياً، تمّ الافراج عن المواطن السعودي علي البشراوي الذي كان خُطف قبل أيام من قبل عصابة، وقد تسلمته مخابرات الجيش اللبناني، بعد أن تُرك بمفرده في منطقة مهجورة في حوش السيّد علي البقاعية.